الحوثيون يلوّحون بالخيار العسكري هروبا من المواجهة الاقتصادية

 يشهد مسار أزمة اليمن تعقيدات جديدة، من المتوقع أن تكون لها ارتدادات سلبية على مشاورات السلام الهادفة إلى إيقاف الحرب في اليمن والشروع في عملية سياسية شاملة، بعد تسع سنوات من الحرب، وهي تعقيدات من شأنها أيضاً أن تعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر، في ظل تلويح الحوثيين بالخيار العسكري. التعقيدات الجديدة تأتي بعد قرار المصرف المركزي اليمني في عدن أخيراً تعليق تراخيص ستة مصارف في صنعاء، وما تبعه من تواصل مع البنوك المراسلة ونظام "سويفت"، الذي سيفضي إلى وقف وصول تلك المصارف إلى البنوك المراسلة ونظام "سويفت".

وبرز في الساعات الماضية إعلان جماعة الحوثيين أنها أبلغت المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، رفضها "القاطع" تأجيل سحب تراخيص البنوك المشمولة بقرارات البنك المركزي إلى نهاية أغسطس/آب المقبل، مطالبين بإلغائها قبل بدء المفاوضات المرتقبة حول الملف الاقتصادي برعاية أممية، وفق ما أورده نائب وزير الخارجية في سلطة الحوثيين، حسين العزي، على حسابه في منصة إكس.
 
موقف الحوثيين جاء تعقيباً على طلب غروندبرغ من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والبنك المركزي في عدن، تأجيل القرار الذي اتخذه. 

وقال المبعوث الأممي، في رسالة موجهة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، يوم الخميس الماضي، إن قرارات المصرف المركزي في عدن ستوقع الضرر باقتصاد اليمن، وستفسد على اليمنيين البسطاء معيشتهم، وستؤدي إلى خطر التصعيد الذي قد يتسع مداه إلى المجال العسكري. 

وطالب المبعوث الأممي بتأجيل تنفيذ تلك القرارات حتى نهاية أغسطس المقبل على الأقل، 

منوهاً إلى أن دعوته تأتي تفادياً لتكريس ضغوط إضافية خطرة على اقتصاد اليمن، وللمساعدة في الجهود الرامية إلى إطلاق الحوار. 

ودعا غروندبرغ إلى البدء في حوار بين الأطراف اليمنية، لمناقشة التطورات الاقتصادية التي حصلت أخيراً بهدف حلها، بما يصب في مصلحة كل اليمنيين.
 
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن عقد اجتماعاً استثنائياً، يوم الجمعة الماضي، وأكد تمسكه بجدول أعمال واضح للمشاركة في أي حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك: استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال. 

وكانت القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة أخيراً قد أثارت غضب الحوثيين، الذين لوّحوا، عبر زعيمهم عبدالملك الحوثي، بالخيار العسكري لمواجهة هذه القرارات. 

وقال زعيم الحوثيين، في خطاب متلفز في السابع من الشهر الحالي، إن المضايقة السعودية للبنوك الأهلية والمصارف الأهلية والشركات "خطوات ظالمة عدوانية لا يمكن القبول بها ولا التغاضي عنها"، 

متهماً السعودية بدفع الأمور إلى مستوى أسوأ مما كانت عليه في ذروة التصعيد، ومخاطباً السعودية بالقول إن "الأميركي يحاول أن يورطكم، وإذا كنتم تريدون ذلك فجربوا".

في المقابل، رد وزير الدفاع في الحكومة الفريق الركن محسن محمد الداعري على التهديدات الحوثية، بالقول إن القوات المسلحة بمختلف تشكيلاتها على درجة عالية من الجاهزية لردع أي مغامرة عدائية لمليشيا الحوثي، على حد قوله. 

الداعري، وخلال حديث متلفز الجمعة الماضي، وصف تهديدات الحوثيين للسعودية بأنها فقاعات، ومحاولة مكشوفة ويائسة للابتزاز، وذريعة للتنصل من الاتفاقات وجهود السلام.
 
وعن هذه التطورات، قال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين، حزام الأسد ، إنه "لم تجرِ أي مفاوضات مع الشرعية، وكل المفاوضات كانت تجري بحضور الوسيط العماني مع الطرف السعودي. 

حتى مفاوضات الأسرى الأخيرة تمت مع الجانب السعودي وبحضور رمزي وإعلامي فقط للمزعومين بالشرعية". 

وأضاف الأسد أن "التصعيد الاقتصادي يأتي في سياق الضغوط الأميركية لوقف عملياتنا المساندة لأهلنا في غزة. 

وهدد بذلك الأميركي في وقت سابق عبر الوسيط العماني أنه في حال لم نوقف عملياتنا البحرية المساندة لأهلنا في غزة فسيوقف مسار المفاوضات السياسية، ويتخذ إجراءات عقابية اقتصادية عبر ما أسماها بدول التحالف، وهو ما حاول تمريره حالياً عبر النظام السعودي. 

أما الأدوات المحلية فليس لها من الأمر شيئاً، بل حتى لا تعي ولا تفهم ما تتحدث عنه".
 
وأشار الأسد إلى أن "المفاوضات حالياً مع السعودية متوقفة، وهناك ترتيبات عسكرية يمنية لتنفيذ عمليات نوعية واستراتيجية تستهدف المكامن الاقتصادية والحيوية والعسكرية  للسعودية، في سياق حق الرد المكفول للجمهورية اليمنية، مقابل التصعيد العدواني السعودي المساند للكيان الإسرائيلي الذي يستهدف أربعين مليون إنسان في اليمن".

من جهته، قال المحلل السياسي سعيد عقلان، إن "القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الشرعية مثلت ضربة قوية للحوثيين الذين ظلوا طوال السنوات السابقة متحكمين في القطاع المالي والمصرفي، ونظروا للقرارات الاقتصادية بإيقاف تراخيص البنوك أنها ستسحب من أيديهم هذه الورقة، وبالتالي عادوا للتلويح بورقة الحرب". 

وأضاف أن "الحوثيين كلما أثبتوا فشلهم في الميدان السياسي عادوا إلى لغة الحرب، باعتبارها اللغة الوحيدة التي تتقنها المليشيا. لكن على الحوثيين أن يدركوا طبيعة المتغيرات الإقليمية التي لم تعد تخدمهم كما في السابق، خصوصاً بعد عملياتهم التي تستهدف الملاحة الدولية في البحر الأحمر".
 
وأكد المحلل السياسي أن "أي تراجع عن القرارات الاقتصادية من قبل الحكومة الشرعية تحت ضغوط المجتمع الدولي والمبعوث الأممي سيمثل انتكاسة مشابهة لانتكاستها في اتفاق استوكهولم، والذي أوقف تقدم قوات الشرعية التي كانت على بعد كيلومترات معدودة من السيطرة على ميناء الحديدة والسيطرة على المحافظة الساحلية التي تمثل أهم مورد اقتصادي للحوثيين". 

وأشار عقلان إلى أنه "وفقاً للمتغيرات السياسية الحاصلة، خصوصاً بعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، فإن أي جولة حرب مقبلة بين الحكومة الشرعية والحوثيين ستتم في ظل ضوء أخضر للشرعية، على عكس الجولات السابقة التي تم فيها إيقاف الحسم العسكري بضغوط أميركية، تحت عدة مبررات، وفي مقدمتها الجانب الإنساني".

الحوثيون يهربون من المواجهة الاقتصادية إلى التصعيد الكلامي

 بعد عامين ونصف العام منذ سريان الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة في اليمن، وجد الحوثيون أنفسهم عاجزين عن المواجهة الاقتصادية مع الجانب الحكومي، فاختار زعيمهم عبد الملك الحوثي الهروب نحو التصعيد الكلامي والسعي للابتزاز، في وقت يتنامى فيه الصراع الداخلي، وتزداد الأوضاع المعيشية للسكان رداءة، حيث يواجه 6 ملايين شخص شبح المجاعة.

وتؤكد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً التزامها بنهج السلام، واتفاق الهدنة، وبينت أنها تمارس حقها السيادي في المعركة الاقتصادية التي بدأها الحوثيون منذ عام 2019 بمنع تداول الطبعة الجديدة من العملة، ووصولاً إلى ضرب موانئ تصدير النفط.
 
وفيما يرد الحوثيون على ذلك بالحديث عن مؤامرة دولية وإقليمية، بدأوا التصعيد باحتجاز أربع من طائرات الخطوط الجوية اليمنية وصولاً إلى رفض استئناف الرحلات التجارية من صنعاء، وسعيهم لمصادرة أصول وأموال الشركة.

وذكرت مصادر في الحكومة اليمنية أن الحوثيين كانوا يخططون للحصول على الفوائد المالية والاقتصادية المنصوص عليها في خريطة طريق السلام التي اقترحتها الأمم المتحدة فقط، ولكنهم لن يلتزموا بعد ذلك بتنفيذ أي مضامين أخرى تتعلق بفتح الطرقات وإنهاء الانقسام المالي، وتثبيت وقف إطلاق النار، والدخول في محادثات سياسية تؤدي إلى إنهاء الحرب و الصراع.

عرقلة السلام

وفق المصادر الحكومية اليمنية، فإن الجماعة الحوثية والتي كانت سبباً في عرقلة تنفيذ خريطة طريق السلام من خلال الذهاب إلى مهاجمة الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، تعتقد أنها ومن خلال التصعيد والتلويح بالعودة للحرب أن بإمكانها ابتزاز الشرعية وداعميها.

ورأت المصادر في ذلك تعبيراً عن انعدام الحيلة لدى الجماعة الانقلابية في المواجهة الاقتصادية مع الحكومة، والتي تقترب من ذروتها بانتهاء المهلة التي منحها البنك المركزي اليمني في عدن للبنوك في مناطق سيطرة الجماعة لنقل مراكز عملياتها إلى عدن، وتهديده بسحب نظام المراسلات البنكية، ووضعها في القائمة السوداء استناداً إلى قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال.

وربطت المصادر التصعيد الخطابي للحوثيين بالأزمة الداخلية التي تعيشها الجماعة أيضاً مع بلوغ الصراع بين أجنحتها مرحلة متقدمة، وقالت إن ذلك الصراع كان ولا يزال سبباً في فشل زعيمهم بالمصادقة على تشكيل حكومة جديدة رغم مضي نحو تسعة أشهر على إقالة الحكومة الحالية، إلى جانب تحد آخر مرتبط بمواجهة مطالب الأطراف القبلية التي قاتلت في صفوف الجماعة طوال السنوات الماضية، وتعتقد أنه حان الوقت للحصول نصيبها من الثروة والسلطة التي استأثرت بها سلالة الحوثي.

ويتوقع المراقبون للشأن اليمني أن يزداد التصعيد الكلامي الحوثيين مع القرار الأخير الذي اتخذه محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، والذي ألغى بموجبه التراخيص المصرفية لستة مصارف في مناطق سيطرة الحوثيين.

ومع أن القرار استثنى من الإلغاء فروع البنوك الستة التي تعمل في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، فإنه ألزم هذه البنوك باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار مع مراعاة استيفاء حقوق المودعين لديها.

تهديد ووعيد

ظهرت آثار المواجهة الاقتصادية بجلاء في الخطاب الذي ألقاه زعيم الجماعة الحوثية عبد الملك الحوثي أخيراً، والذي وصف فيه توجيهات البنك المركزي اليمني بنقل مراكز عمليات البنوك إلى مدينة عدن بأنها «خطوة جنونية»، وأنه لا أحد في العالم يفكر بهذه الطريقة.

وأقر الحوثي بشكل علني أن لهذه الخطوة «أثراً سيئاً على الواقع المعيشي»، قبل أن يعود ويقول إن جماعته لن تقف مكتوفة الأيدي «أمام الخطوات الجنونية».

وفي تبريره للصراع الداخلي الذي كان سبباً في عجزه عن تشكيل حكومة بديلة لسلطة الفساد الحوثية التي لا يعترف بها أحد، قال الحوثي إن التأخير سببه «المسار» الذي يحتاج إلى عمل ومواكبة مستمرة، بما في ذلك السعي لتطهير مؤسسات الدولة، وقال إنهم راجعوا هياكل ونظم الحكومة ووزاراتها ومؤسساتها، وشخصوا مكامن الخلل والتضخم والتداخل فيها.
 
وفي إشارة واضحة إلى اعتزام الجماعة تنفيذ عملية تطهير جديدة للكادر الوظيفي في مؤسسات الدولة وإحلال عناصرها بدلاً عنهم، كما حدث في السابق حين تم إبعاد نحو 60 ألف موظف، وصف الحوثي في خطابه وضع المؤسسات ومختلف الجهات الرسمية بأنه «ملغّم بالعناصر التي تعمل على الإفشال والإعاقة، وإفساد الأمور».

وزعم الحوثي أن الجماعة بعد استكمال موضوع تشكيل الحكومة الجديدة سوف تتجه صوب تطهير الجهاز القضائي، ثم بقية الجهات والمؤسسات.

ومع إدراك الحوثي الرفض الشعبي لمحاولة «تطييف» مؤسسات الدولة المختطفة، طالب في خطبته «بتعاون شعبي وتفهم لمتطلبات مسار التصحيح والتغيير»؛ لأن جماعته تعمل في ظروف معقّدة، وكشف عن أنها أعادت تصميم الهياكل الإدارية، والأهداف والمهام.