ماذا بعد هدوء العاصفة المصرفية في اليمن؟

 نجحت التحركات الدبلوماسية المكثفة التي قادها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في احتواء العاصفة المصرفية التي عصفت باليمن خلال الأشهر الماضية بعد قرارات البنك المركزي الحكومي في عدن التي وصلت إلى سحب تراخيص البنوك التي كانت على بعد ثلاثة أيام من سريان قرار إيقافها من التعامل مع نظام التحويلات العالمية "سويفت".

وأعلن المبعوث الأممي التوصل إلى اتفاق يتضمن عدة تدابير لخفض التصعيد في ما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية أهمها الغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثله، واستئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يومياً، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة.
 
أيام عصيبة على البنوك

يأتي ذلك بعد أيام عصيبة عاشها اليمن وحالة الترقب لنتائج التحركات الدبلوماسية المكثفة التي انتهت بالاتفاق الأخير ورغم ذلك، تبرز مخاوف واسعة في اليمن من تركز الصراع بشكل رئيسي في الجانب المالي والمصرفي حيث تعيش البنوك العاملة في اليمن أسوأ وأخطر مرحلة تهدد وضعيتها المضطربة والمتأرجحة.
 
وفي الوقت الذي وصل الصراع في هذا الجانب إلى ذروته، عادت الوساطة العمانية والأممية التي تتركز في مسارين متوازيين؛ بالظهور مجدداً منذ توقف كل هذه التحركات عقب إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2023، عن توافق جميع الأطراف على خريطة الطريق لحل الملفات المعقدة والتمهيد لمفاوضات إحلال السلام في اليمن.

مرحلة التوافق

الخبير الاقتصادي مطهر العباسي، أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، يشدد على أن المرحلة الراهنة تطلب أكثر من أي وقت مضى التوافق بين جميع الأطراف في صنعاء وعدن بعد أن وصلت الأمور إلى مرحلة تهدد وضعية القطاع المصرفي والذي قد لا يسلم من تبعاته أحد حيث لا يكترث الطرفان بماذا يعني انهيار البنوك على مختلف نواحي الحياة والبلاد بشكل عام.

ويعتمد البنك المركزي الحكومي في التحويلات المالية الدولية إلى جانب "سويفت"، شبكة "أيبان"، إضافة إلى إطلاقه مطلع العام الحالي 2024، شبكة التحويلات المالية المحلية الموحدة "ون موني"، 

إذ يحذر خبراء اقتصاد ومصرفيون من استمرار الصراع حول البنوك وتبعات ذلك في التأثير على وضعيتها في شبكات التحويلات الدولية المعتمدة وما ينتج عنه من خسائر مكلفة تفوق قدرات البنوك والقطاع المالي والمصرفي.
 
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في 13 يونيو/ حزيران من تحركات سلطتي "الحوثيين" والحكومة المعترف بها دولياً، اللتين أصدرتا في وقت سابق، توجيهات منافسة وصارمة بشكل متزايد تحظر على الأفراد والشركات والمؤسسات المالية المحلية والدولية التعامل مع البنوك الموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرة الطرف الآخر.
 
أوراق ضغط متبادلة

الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يشير إلى أن ما شهده اليمن خلال الفترة الماضية من قرارات صادرة هنا وهناك في كل من عدن وصنعاء مثل قرار بنك عدن بشأن مزاولة نشاط التحويلات المالية الداخلية وغيرها من القرارات، واحتجاز الحوثيين لطائرات الخطوط الجوية اليمنية؛ بمثابة أوراق ضغط يجهزها كل طرف لتقوية موقفة في المفاوضات التي بدأت بطابع إنساني حول الأسرى والمحتجزين. 

ويحذر من العودة إلى استخدام هذه الأواق مرة أخرى من كلا الطرفين.

ويرى مقبل، أن التجارب السابقة للأطراف المتصارعة لا تشجع على التفاؤل في التوصل لحل يضع حدا لمعاناة اليمنيين بفعل الصراع المحتدم بينهما والذي فاقم مؤخراً الأزمة الإنسانية ومعاناة المواطنين بشكل كبير وبصورة لم يعد أحد قادرا على تحملها، إذ يرفض كل طرف التنازل من أجل البلاد.

بدوره، يؤكد الباحث الاقتصادي والمالي وحيد الفودعي، أن للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها اليمن أبعادا أخرى لا تتوقف عند حدود قرار البنك المركزي في عدن سواء بنقل إدارة عمليات البنوك أو استبعاد شبكات من نظام التحويلات،

 مشيراً إلى مشكلة مهمة أخرى لها تبعات إنسانية عديدة نتيجة توقف صادرات النفط وانهيار سعر الصرف، كما يلفت إلى ضرورة التفاوض مباشرة مع البنوك والبحث عن بدائل أقل حساسية من المصارف لدفع الحوثيين إلى المفاوضات وإجبارهم على السلام.

يمنيون يتوقعون إفشال الحوثيين اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي

على الرغم من الغضب الذي ساد الشارع اليمني بسبب موافقة الحكومة اليمنية على اتفاق لخفض التصعيد الاقتصادي مع الحوثيين، الذي أعلنه، الثلاثاء مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ، فإن مؤيدي الحكومة يراهنون على تعنّت الحوثيين وعدم التزامهم بتنفيذ هذا الاتفاق الذي رأوا فيه تراجعاً عن الإجراءات العقابية التي اتخذت ضد الجماعة التي كانت سبباً في الانقسام المالي وبدء الحرب الاقتصادية.

ولا يخفي اليمنيون في المقاهي والتجمعات الشعبية سخطهم من الموافقة الحكومية على الاتفاق، ويؤكدون أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي في عدن كانت الأقوى والأكثر تأثيراً على الحوثيين بعد سنوات من الإجراءات التي اتخذتها الجماعة المسيطرة على صنعاء، وفي طليعتها مصادرة أموال المودعين والبنوك التجارية وفرض الانقسام المالي.
 
ويؤكد عبد الحكيم سالم وهو موظف حكومي أن الخطوة التي كان اتخذها البنك المركزي في عدن أعادت ثقة الناس بالحكومة، وكانت الأكثر إيلاماً للحوثيين، وينتقد الموافقة على إلغائها دون الحصول على تنازل حقيقي من الحوثيين، ويرى أن أبسط المواضيع التي كان ينبغي مقايضتها مع الحوثيين هو قرار منع تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية.

أما أحمد عبد الله، وهو موظف في القطاع التجاري، فيشعر بخيبة أمل من الاتفاق، لأن البنك المركزي استطاع أن يهز الحوثيين الذين ظلوا يتخذون إجراءات تصعيدية من جانب واحد، ابتداء بمنع تداول العملة إلى منع المعاملات البنكية ومنع تصدير النفط وفرض جمارك إضافية على البضائع القادمة من موانئ الحكومة.

خطوط عريضة

يرى نادر محمد، وهو أحد الناشطين اليمنيين أن ما ورد في بيان المبعوث الأممي هو مجرد خطوط عريضة لاتفاق أولي سيحتاج بعده إلى مشاورات ونقاشات طويلة لتنفيذه، ووضع ضمانات فعلية للالتزام بكل بنوده إلى جانب أن الاتفاق يتطلب ترتيبات أمنية ودولية مع مصر والهند من أجل تسيير رحلات تجارية من صنعاء إلى هذين البلدين، مؤكداً أن هناك تجارب عديدة ثبت خلالها أن الحوثيين يمتلكون القدرة على إفشال أي اتفاق.

هذه الرؤية يشاركه فيها رضوان وهو معلم يعيش في مناطق سيطرة الحوثيين، إذ يقول إن الحديث عن اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجهها شركة الخطوط الجوية اليمنية تعني أن أزمة الطائرات المختطفة لم تحل وأن مشكلة تجميد أرصدة الشركة ما تزال قائمة.
 
ويبدي رضوان شكوكاً كبيرة في جدية الحوثيين بمعالجة كل القضايا الاقتصادية، لأن الاشتراطات التي يعلنون عنها من قبل تعني أن التوصل إلى اتفاق سيكون بعيد المنال، لأنهم يريدون الحصول على امتيازات اقتصادية دون تقديم أي تنازلات.

ويتفق مسؤول يمني مع ما ذهب إليه المتحدثون، ويؤكد أنه منذ سريان التهدئة التي رعتها الأمم المتحدة لم ينفذ الحوثيون أي التزام رغم تنفيذ الحكومة كل التزاماتها.

ويقول المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه؛ لأنه غير مخول بالتصريحات الصحافية، إن المحادثات الاقتصادية هي المحك الفعلي، حيث اشترط مجلس القيادة الرئاسي الذهاب إلى محادثات اقتصادية تؤدي في النهاية إلى استئناف تصدير النفط الذي توقف بسبب استهداف الحوثيين موانئ تصديره، 

وكذلك الأمر فيما يتعلق بانقسام العملة، حيث بدأ الحوثيون الحرب الاقتصادية منذ 2019 من خلال منع تداول الطبعة الجديدة من العملة اليمنية في مناطق سيطرتهم.

مكسب للجميع

على خلاف ذلك، يرى المحامي اليمني والوسيط المحلي عبد الله شداد أن الاتفاق بين الحكومة الشرعية والحوثيين بشأن إعادة رحلات طيران الخطوط الجوية اليمنية من مطار صنعاء، وزيادة الرحلات وإلغاء جميع القرارات الصادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن وصنعاء واستمرار الحوار، سيزعج المنتفعين كثيراً، وقال إنه ‏تبقى الاتفاق على إعادة تصدير النفط والغاز وتوحيد العملة.

وبخلاف اللهجة التي تحدث بها رئيس فريق المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام، أكد عبد الملك العجري، عضو الفريق الحوثي المفاوض، أن اتفاق خفض التصعيد الاقتصادي ضد البنوك مكسب لعموم الشعب اليمني في شماله وجنوبه شرقه وغربه وأن «الخاسر الحقيقي هو أميركا وإسرائيل»، وفق قوله.
 
وفي حين يرى قطاع عريض من اليمنيين أن التوصل إلى اتفاق اقتصادي سيكون مؤشراً فعلياً على الجدية في المضي على مسار السلام، يؤمّل القيادي الحوثي العجري أن يشكل الاتفاق الجديد حافزاً نحو البدء في خطوات تنفيذ الشق الإنساني والاقتصادي من خريطة الطريق - بحسب الاتفاق - وعلى رأسها المرتبات.

وبالاستناد إلى الاتفاقات التي أبرمت برعاية الأمم المتحدة منذ بداية الصراع في اليمن، فإن الحوثيين عادة ما يذهبون نحو عرقلة أي التزامات تخصهم، ولعل أبرز ذلك عرقلة اتفاق «استوكهولم» بشأن انسحاب كل القوات من مدينة وميناء الحديدة، واتفاق استئناف الرحلات التجارية من صنعاء وتخفيف القيود على السفن الواصلة إلى ميناء الحديدة في مقابل فتح الطرقات بين المدن وإنهاء حصارهم لمدينة تعز ودفع رواتب الموظفين من إيرادات موانئ الحديدة.