10 سنوات من انقلاب الحوثيين: الدولة اليمنية مختطفة وممزقة
أسفر انقلاب الحوثيين في اليمن في 21 سبتمبر/أيلول 2014 عن عشرية سوداء على البلاد، إذ فرض واقعاً جديداً، غاب فيه العمل السياسي، وصارت الجماعات والتشكيلات المسلحة هي من ترسم المشهد السياسي في البلاد، في ظل عجز الأحزاب السياسية عن القيام بدورها.
بعد عشر سنوات من انقلاب الحوثيين أمسى اليمن منقسماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً أيضاً، فباتت البلاد محكومة من قبل حكومتين وبرلمانين اثنين، تتقاسمان السيطرة على الأرض اليمنية.
الحكومة الأولى معترف بها دولياً، تتخذ من عدن عاصمة لها، ويحكمها مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أعضاء برئاسة رشاد العليمي، والذي تم تشكيله في السابع من إبريل/نيسان 2022 في العاصمة السعودية الرياض بالتوافق بين القوى السياسية اليمنية، حيث انتقلت السلطة بموجب الاتفاق من الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي إلى المجلس الرئاسي.
وهناك حكومة أخرى تابعة للحوثيين تحكم من صنعاء باعتبارها سلطة أمر واقع، يقع على رأس هرمها المجلس السياسي الأعلى الذي تم تشكيله في 28 يوليو/تموز 2016 من الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ويرأسه حالياً مهدي المشاط.
وتشكلت الحكومة المعترف بها دولياً من عدة مكونات وقوى سياسية، أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تم تشكيله في 2017 ويرأسه عيدروس الزبيدي،
بالإضافة إلى الأحزاب السياسية اليمنية وأبرزها المؤتمر الشعبي العام (الجناح المؤيد للشرعية) والتجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، بالإضافة إلى مكونات مناطقية أبرزها مؤتمر حضرموت الجامع.
وتحظى هذه الحكومة باعتراف دولي، وتملك تمثيلاً دبلوماسياً في الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، بينما حكومة الحوثيين لا تملك اعترافاً إلا من إيران التي تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي.
انقلاب الحوثيين يؤدي للحرب
تسبب انقلاب الحوثيين باندلاع الحرب في اليمن منذ مارس/آذار 2015، بعد تدخّل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات. وقدرت الأمم المتحدة عدد ضحايا النزاع في اليمن بنحو 377000 شخص في نهاية عام 2021.
وأدت الحرب إلى تمزق البلاد، حيث باتت خاضعة لسيطرة جماعات وكيانات مسلحة، وتتقاسم السيطرة عليها عسكرياً ثلاث قوى رئيسية هي جماعة الحوثيين، والحكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي.
تسيطر جماعة الحوثيين على نحو 25% من مساحة الأراضي اليمنية، إذ تحكم قبضتها على المدن الشمالية بما فيها صنعاء، وهي المناطق الأكثر كثافة سكانياً، حيث يسكنها 75% من سكان اليمن المقدر عددهم بنحو 33 مليون نسمة.
ويفرض الحوثيون نفوذهم على صنعاء وذمار والبيضاء وعمران وحجة وإب والحديدة والجوف والمحويت وريمة،
ونصف محافظة تعز، والتي تعد أكبر محافظة يمنية بعدد السكان، وأجزاء شاسعة من مأرب، وأجزاء من محافظة الضالع.
في المقابل، تهيمن الحكومة المعترف بها دولياً والقوى التابعة لها على 55% من مساحة الأراضي اليمنية، بما فيها محافظة حضرموت التي تمثل مساحتها ثلث مساحة اليمن، وهي من أبرز المحافظات النفطية، وعلى أجزاء مهمة من مأرب التي تحتوي على آبار النفط ومحطة توليد الكهرباء. كما تتحكم بالمهرة ولحج والضالع، وتتقاسم مع "الانتقالي الجنوبي" السيطرة على أبين، مثلما تتشارك مع الحوثيين النفوذ على محافظة تعز.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تم تشكيله في 11 مايو/أيار 2017 بدعم إماراتي، ويتبنى فكرة فك الارتباط واستعادة "الدولة الجنوبية" وفق حدود ما قبل وحدة مايو 1990، فيسيطر على مدينة عدن وهي العاصمة المؤقتة للبلاد، وعلى محافظة سقطرى، ويتشاطر مع الشرعية السيطرة على أبين مع أفضلية نفوذه على مدينة زنجبار مركز المدينة، كما يسيطر على شبوة التي تضم منشأة بلحاف للغاز، وهي أهم منشأة نفطية في البلاد.
بالتوازي مع وجود حكومتين وعاصمتين سياسيتين، أدى انقلاب الحوثيين إلى انقسام اقتصادي ومالي ومصرفي، تمثل بوجود بنكين مركزيين أحدهما في صنعاء تابع لحكومة الحوثيين، وبنك مركزي في عدن تابع للحكومة الشرعية. في 2016 اتهم رئيس الوزراء اليمني الأسبق أحمد عبيد بن دغر الحوثيين بنهب خزينة الدولة والاستيلاء على ما تبقّى من أموال الشعب، متهماً إياهم وصالح بنهب أربعة مليارات دولار من الاحتياطي النقدي في البنك المركزي.
شهدت سنوات انقلاب الحوثيين توقف صرف رواتب الموظفين منذ سبتمبر/أيلول 2016، وتوقف تصدير النفط والغاز، ما تسبب بانهيار كبير لسعر صرف العملة الوطنية والتي بلغت 1910 ريالات مقابل الدولار في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، و535 ريالاً مقابل الدولار في مناطق سيطرة الحوثيين، فيما كان سعر الصرف في 2014 يساوي 214 ريالاً مقابل الدولار.
وانعكس الانقسام الاقتصادي على أسعار السلع والخدمات التي شهدت ارتفاعاً غير مسبوق، وتراجع النشاط التجاري، والطلب الاستهلاكي، وتدهور الوضع المعيشي، ما تسبب بأزمة إنسانية غير مسبوقة تكشف عن فداحتها الإحصائيات الصادرة عن المنظمات الدولية.
بحسب منظمة الصحة العالمية، بات 18.2 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، و17.8 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الصحية، و17 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، و17.6 مليونا يعانون من سوء التغذية، و7 ملايين شخص بحاجة إلى العلاج والدعم الخاص بالصحة النفسية، و6.1 ملايين شخص يواجهون مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي.
وبحسب يونيسف لا يزال هناك قرابة 10 ملايين طفل بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، كما لا يزال أكثر من نصف السكان (18.2 مليون شخص) بينهم 9.8 ملايين طفل، بحاجة إلى الدعم المنقذ للحياة.
ومنذ اندلاع النزاع عام 2015، قُتل أو أُصيب أكثر من 11500 طفل لأسباب مرتبطة به، بما في ذلك مقتل 3900 طفل وإصابة 7600.
ويعاني أكثر من 2.7 مليون طفل سوء التغذية الحاد، بينما يشكو 49% من الأطفال دون الخامسة من التقزم أو سوء التغذية المزمن.
وتشير تقارير إلى أن أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة، ومليون و251 ألفاً من الذكور.
تشكل هذه النسبة نحو ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم المقدّر بـ10.8 ملايين، أي طفل من كل أربعة. وتتحدث "يونيسف" عن أن "الصراع في اليمن أعاق حصول 8.1 ملايين طفل على التعليم، ما يعرّض مستقبلهم للخطر".
انتكاسة للحقوق والحريات
ضمن سنوات الانقلاب عرفت الحقوق والحريات انتكاسة غير مسبوقة، إذ أصدرت جماعة الحوثي خمسة أحكام بالإعدام ضد صحافيين، واعتقلت وهجّرت مئات الصحافيين خلال السنوات العشر الأخيرة.
وكشفت نقابة الصحافيين اليمنيين في تقرير صادر عنها منتصف العام الحالي، أن 45 صحافياً قُتلوا منذ بدء الحرب في مارس 2015.
إضافة إلى ذلك، ما يزال هناك سبعة صحافيين معتقلين لدى مختلف الأطراف، منهم أربعة لدى جماعة الحوثي (هم الصحافي المخفي وحيد الصوفي، والموظف في وكالة سبأ للأنباء نبيل السداوي، والمصور في وكالة يمن ديجتال عبدالله النبهاني، والناشط الإعلامي محمد النابهي). ويوجد صحافيان لدى المجلس الانتقالي الجنوبي، الشريك في الحكومة المعترف بها دولياً، وهما أحمد ماهر وناصح شاكر، إضافة إلى الصحافي محمد قائد المقري المخفي قسراً لدى تنظيم القاعدة بحضرموت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وبحسب دراسة ميدانية لنقابة الصحافيين فقد كان في اليمن حوالي 365 وسيلة إعلام، تعمل منها اليوم حوالي 200 وسيلة فيما توقفت 165 وسيلة بسبب الحرب وتأثيراتها.
ومن بين 132 صحيفة ومجلة، تعمل 13 صحيفة فقط، وتوقفت 119 صحيفة ومجلة.
ومن بين 147 موقعاً إخبارياً، يعمل 114 موقعاً، فيما توقف 33 بسبب الحرب، ناهيك عن حجب غالبية المواقع عن متابعيها داخل اليمن من قبل سلطة الحوثيين.
وعن الوضع القائم، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي فؤاد الصلاحي ، إن "الدولة في اليمن مختطفة من جماعات وأحزاب ومليشيات، وبالتالي ما كان سائداً من مؤسسات الدولة تم تجيير وظيفتها لصالح أطراف خاصة.
من هنا كان تعميم الفوضى والعبث السياسي، مع تدخّل الخارج الإقليمي والدولي داعماً لكل هذه الجماعات بطرق مختلفة".
ولفت الصلاحي إلى أن "غياب الدولة ترتبت عليه اهتزازات أمنية في مختلف المدن، ومعها دب الصراع، بل تم نقله من المدن إلى الريف.
ومع مزيد من الأزمات الاقتصادية، تعرض النسيج الاجتماعي للتشوه، ومعه انهارت منظومة القيم الاجتماعية والدينية".
وأكد الصلاحي أن الخروج من هذا الأمر الفوضوي لا يكون إلا باستعادة الدولة وظيفتها الإنمائية والأمنية وتعزيز الاستقرار، وهي مسؤولية تتحمّلها النخب السياسية والحزبية وأعوانها، وحال وعيها بهذا الأمر والإعلان عن مشروع وطني سيصطف المجتمع معها لتحقيق إعادة بناء الدولة.
أضاف: "لن يعرف اليمن الاستقرار إلا مع ظهور الدولة ونظامها المؤسسي القانوني، ودون ذلك جماعات وأحزاب تبحث عن المحاصصة والغنيمة، والمهمة الأساسية والوطنية اليوم هي العمل السياسي والميداني لإعادة الدولة وتمكينها من وظيفتها القانونية في عموم المجتمع".
وأشار إلى أن تدخلات الخارج "قد لا تسمح ببناء دولة قوية، لكن هذا الأمر مرهون بوعي وطني للنخبة السياسية والحزبية، وهو الرهان الأساسي، ومن دون ذلك ستستمر الأزمة طويلاً ومعها غياب الدولة".
من جهتها، قالت الباحثة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ميساء شجاع الدين ، إن انقلاب الحوثيين على السلطة أدى إلى إغلاق الحياة السياسية، إذ كانت هناك حياة سياسية وأحزاب، وحراك سياسي واجتماعي وصل إلى ذروته في 2011، لكن قضي عليه سواء بالقمع، أو بالانقلاب على مرجعيات العملية السياسية والمتمثلة بالدستور، وما اتفق عليه اليمنيون في الحوار الوطني.
وبيّنت شجاع الدين أن الانقلاب على هذه الحياة السياسية خلق حالة انشقاق داخل المجتمع، وقضى على كل الحراك السياسي والاجتماعي، عبر القمع والانقسام الحاصل.
وأكدت "غياب مشروع الدولة اليمنية، وهو الغياب القائم حتى في ظل انتقال الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن، وبالتالي ازدهرت الهويات الصغيرة والعصبيات بشكل غير مسبوق، حتى في إطار المحافظة الواحدة أحياناً".
فخر العزب