بعد سوريا.. هل يكون الدور القادم للقضاء على الحوثيين باليمن؟
يقوض الحوثيون منذ نحو عامين جهود التسوية السياسية في اليمن التي كانت ترعاها أطراف إقليمية أبرزها السعودية.
كما تهدد الجماعة التي اعتادت على شن الحروب بنقل معاركها العبثية المضرة باليمنيين من استهداف حركة الملاحة جنوبي البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عدن، إلى تهديد الأمن الإقليمي.
لكن التطورات الأخيرة في المنطقة، وخصوصاً سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي كانت تدعمه إيران، أثار التكهنات بشأن احتمالية استئناف العمليات القتالية ضد جماعة الحوثيين بعد فشل مساعي السلام، في سياق الحرب الموجهة ضد المحور الإيراني باعتبار الجماعة واقعة ضمن هذا المحور.
كما تحمل تصريحات المبعوث الأممي إلى اليمن مؤخراً رسائل مبطنة بإمكانية أن يدخل اليمن في حرب مدمرة في حال لم يتفق طرفا الصراع في اليمن على خريطة الطريق الأممية، ما يطرح تساؤلات حول ما الذي قد يعيشه اليمن والحوثيون بشكل خاص بعد سقوط نظام الأسد في سوريا؟
تحذيرات غروندبرغ
فتحت الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.
ويحذر المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ من انزلاق البلاد مرة أخرى في دوامة حرب، موضحاً أن الأطراف المتحاربة والشعب المحاصر في اليمن لا يمكنهم انتظار خريطة طريق للسلام إلى ما لا نهاية.
وقال غروندبرغ لوكالة "فرانس برس" 7 ديسمبر 2024 على هامش منتدى حوار المنامة في البحرين: "من غير الممكن المضي قدماً بخريطة الطريق الآن، لأنني لا أعتقد أن تنفيذ تلك الخريطة سيكون ممكناً"، فيما يبدو أنها رسالة مبطنة أراد إرسالها للمليشيا الحوثية.
لكنه استدرك لاحقاً ليقول: "ما زلت أعتقد أن الأساس لخريطة الطريق في اليمن موجود، لأن النزاع بين اليمنيين قابل للحل، ورغم ذلك فإن العامل المعقد الآن هو زعزعة الاستقرار الإقليمي، بحيث أصبح اليمن جزءاً لا يتجزأ من خلال الهجمات في البحر الأحمر".
ولاحقاً في 11 ديسمبر، دعا المبعوث الأممي في جلسة لمجلس الأمن حول اليمن الأطراف اليمنية إلى "الانخراط بجدية في الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، متحدثاً عن ضرورة "تقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن أمر ضروري، إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين، وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام".
سقوط نظام الأسد
على الرغم من أن سقوط نظام الأسد يخيف الحوثيين في اليمن، فإن كثيراً من العوامل ربما تسهم في مخاوف المليشيا، وهي الضربات التي تعرّض لها نظام الأسد قبل سقوطه، إضافة إلى انهيار حزب الله في لبنان.
وما يضاعف من قلق الحوثيين هو التغير في الموقف الأمريكي المطالب بوضع حد للهجمات التي تشنها جماعة الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وتهديدات أمريكية باعتماد تصنيف الحوثي جماعة إرهابية الذي كان الرئيس الأمريكي المنتخب قد اعتمده قبل رحيله عن الحكم في فترته السابقة.
وتوقع كاتب بريطاني أن يكون لسقوط نظام بشار الأسد في سوريا آثار واسعة النطاق على سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه اليمن.
وفي تحليل نشرته صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، أشار الكاتب داميان ماكلروي إلى أن ترامب قد يستأنف سياسة "الضغط الأقصى" التي فرضها على إيران خلال فترة ولايته الأولى، ما قد يغير الديناميكيات في اليمن.
وأوضح ماكلروي أن الإطاحة بنظام الأسد المدعوم من إيران قد تؤدي إلى تغييرات في الأوضاع في المنطقة، ومن ضمن ذلك اليمن، حيث يواصل المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران تنفيذ هجمات على "إسرائيل"، مما يستدعي ردود فعل عسكرية من الولايات المتحدة وحلفائها.
فيما يكشف موقع ذا ماريتايم إكزاكيوتيف الأمريكي، 10 ديسمبر، عن لقاءات مكثفة رفيعة المستوى عقدت في عاصمتين من دول الخليج العربي، نهاية الأسبوع الماضي، لتفعيل العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن، خصوصاً في الحديدة من أجل التخفيف على الهجمات ضد السفن.
اليمن مهيأ
يعتقد الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الله المنيفي أن "كل الوقائع تشير إلى أن الأمور أصبحت مهيأة لتحرير اليمن من سيطرة مليشيا الحوثي التابعة لإيران".
لكنه يستدرك بالقول: "هناك أمران قد يفشلان ذلك؛ الأول أنه في حالة ذات بعد دولي بوجود فيتو أمريكي بريطاني يقضي بالإبقاء على الحوثي لوقت أطول، والأمر الآخر بوجود توجه دولي أو إقليمي يتعلق بإضعاف إرادة قيادة الشرعية اليمنية".
ويلفت إلى أنه بعد أكثر من عقدين على الخطة الأمريكية البريطانية بعد غزو العراق، "التي مكنت الأقليات ذات النهج العنصري العنيف من الحكم في عدة بلدان عربية، والتحكم برقاب الشعوب، فإن ما حدث في سوريا يشير إلى انتهاء هذه الخطة، التي أتاحت للتمدد الإيراني الوصول إلى اليمن".
ويرى أن انتصار الشعب السوري "يعطي اليمنيين دفعة للانطلاق وحسم المعركة واستعادة الدولة، وعودة ملايين المهجرين، وإطلاق آلاف المختطفين والمخفيين، وإسقاط مشروع عنصري أوغل في الدماء والأموال"،
مضيفاً: "أعتقد أن الأمور باتت مهيأة، في ظل سخط شعبي متعاظم غير مسبوق في مناطق سيطرة المليشيا يؤذن بثورة عارمة إذا ساهم فيها جيش الشرعية، وهو ما يشعر به الحوثيون".
وأكمل: "على أنه يمكن القول إن القوى الكبرى ليست على كل شيء قديرة، فمتى توفرت الإرادة اليمنية وحسمت أمرها يسندها الشعب، فلا يملك أحد إلا أن يبارك، ومن جهة أخرى فإن على الشرعية اليمنية استغلال الموقف والدعم العربي، والمتغيرات الدولية التي تصب في صالحها".
ورجح أن انهيار المشروع الإيراني بشكل كامل "بات ماثلاً، وأنه قد حان دور اليمنيين لتشييع هذا المشروع، وستكتمل مهمة تأمين الأمن القومي العربي بتحرير العراق من السيطرة الإيرانية".
استنفار سابق
وخلال الأسابيع الماضية، قبل التطورات في سوريا وخلال حرب لبنان، شهد اليمن استنفاراً عسكرياً بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وتحركات سياسية داخلية وخارجية متزايدة، كمؤشرات على عمل عسكري مرتقب قد يشهده اليمن خلال الفترة المقبلة، من بوابة الحديدة الواقعة غربي البلاد.
وربما استشعر الحوثيون الخطر الأكبر، حيث رفعوا من جاهزيتهم القتالية على طول الشريط الساحلي الواقع تحت سيطرتهم غربي اليمن، في الوقت الذي يتحدث فيه قادة الجماعة عن مخططات تُعد لمهاجمة الحديدة، وربما فتح أكثر من جبهة في الداخل، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
فيما صعدت الإدارة الأمريكية هي الأخرى لهجتها ضد الحوثيين، وأرسلت قاذفات وأسلحة ومدمرات إلى المنطقة، في الوقت الذي تجري فيه مباحثات مع الأطراف اليمنية والإقليمية لحشد الدعم ضد الجماعة.
على الطرف الآخر رفعت قوات المقاومة الوطنية، التي يقودها نجل الرئيس السابق عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، من جاهزيتها القتالية على طول خطوط التماس مع الحوثيين في الحديدة، إلى جانب "ألوية العمالقة" السلفية، التي رفعت من جاهزيتها القتالية في مناطق تمركزها في الحديدة، وكذلك ألوية المقاومة التهامية.
وسياسياً تبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهوداً كبيرة لتوحيد القوى اليمنية، في خطوة يرى سياسيون أنها بمنزلة تحول في الموقف الأمريكي تجاه الجماعة، بسبب هجمات الأخيرة البحرية، وفشل واشنطن في التصدي لها.
ومنذ نوفمبر الماضي، يستهدف الحوثيون سفناً تجارية يشتبهون في أنها مرتبطة بـ"إسرائيل" أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تضامناً مع قطاع غزة الذي يشهد حرباً مع "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر، في وقتٍ لا تزال فيه الأزمة اليمنية تراوح مكانها منذ الهدنة في أبريل 2022، ومنذ بدء الحرب في العام 2014.
يوسف حمود - الخليج أونلاين