احتجاجات وعصيان في حضرموت... ما الأسباب؟
تستمر الاحتجاجات والتوترات التي تشهدها محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن منذ أيام بالتصاعد، مخلفةً تبعات واسعة بعد أن تسببت في إغلاق الأسواق وشلّ الحركة التجارية والمصرفية، وتوقف حركة السير والمواصلات داخل مدن المحافظة وبينها، وسط مساعٍ مجتمعية حثيثة لاحتواء الأزمة والحدّ من توسعها وتفاقمها إلى مستويات خطيرة.
وشهدت مدينة المكلا عاصمة المحافظة أحداثاً شديدة التوتر، بعد محاولة قوات الأمن فض الاعتصامات في شوارعها ومناطقها، بهدف فتح الطرق كما تقول هذه الجهات الأمنية،
الأمر الذي أدى إلى إطلاق النار وحصول حالة من الفوضى، والتدافع بين المحتجين الذين يؤكدون أن قوات الأمن أطلقت النار مهددةً المعتصمين بفض اعتصامهم أو مواجهة ذلك بالقوة.
وتعيش مدينة الشحر في ساحل حضرموت هي الأخرى عصياناً مدنياً شاملاً لا يزال مستمراً تسبب في إغلاق المحلات التجارية ومنشآت الصرافة، والحركة العامة في المدينة بشكل عام.
ويقول مواطنون وناشطون إن احتجاجاتهم جاءت نتيجة انهيار منظومة الكهرباء، وانقطاع التيار لساعات طويلة تمتد لمعظم فترات اليوم، في ظل أجواء شديدة الحرارة، ما فاقم معاناتهم اليومية في ظل غياب أي حلول ملموسة من قبل الجهات المعنية،
إضافة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية على المستويات كافة، حيث تركزت الشعارات واللافتات التي رفعها المحتجون في المطالبة بحلول جذرية وفورية لمعاناتهم، محملين السلطات المحلية والحكومة كامل المسؤولية عن الوضع المتدهور.
بالمقابل، يشكو القطاع التجاري الخاص في محافظة حضرموت أضراراً واسعة طاولته نتيجةً للأحداث الساخنة في المحافظة طوال الفترة الماضية، إضافة إلى تضرره من تفاقم أزمة الكهرباء والوقود، ومن تبعات الاحتجاجات المشتعلة منذ أيام.
وأكد مسؤول في غرفة حضرموت التجارية والصناعية، أن القطاع التجاري الخاص يواجه صعوبات وتحديات جسيمة، في ظل تفاقم هذه الأزمات الاقتصادية التي تلحق به أضراراً بالغة وخسائر فادحة، حيث تؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج ومختلف أنشطة الأعمال الخاصة.
فتأثيرات ما يجري، وفق حديثه، تطاول القطاع التجاري من ناحية تدهور الخدمات العامة مثل الكهرباء والوقود، أو من ناحية الاحتجاجات والاحتقانات والتوترات والتجاذبات السياسية وغيرها، مشيراً إلى أن أسعار صرف العملة المحلية هي العامل الأهم في ارتفاع أسعار السلع.
في السياق، يقول أستاذ العلوم المالية والمصرفية بجامعة حضرموت وعميد كلية التعليم المفتوح، وليد العطاس، إن ما حدث "نتيجة طبيعية لتفاقم تدهور الأوضاع واستمراره على جميع المستويات، وليس الكهرباء فقط".
وفي أول تحرك رسمي، قالت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إنها ناقشت باستفاضة في اجتماعها الأسبوعي، 30 يوليو/ تموز الماضي، المطالب الشعبية والاحتجاجات في حضرموت، وأكدت تفهّمها الكامل لمعاناة المواطنين، لكنها بالمقابل عبرت عن رفضها محاولات توظيفها سياسياً.
وفي منشور له على حسابه في منصة إكس، قال رئيس الحكومة سالم بن بريك في هذا الخصوص: "نواجه مرحلة استثنائية تتطلب قرارات شجاعة وتكاتف الجميع. لن نتردد في اتخاذ ما يلزم لتصويب الأداء وإنفاذ القانون. فالتحديات ليست مبرراً للتنصل، بل دافع أقوى للعمل من أجل اليمن، شعباً ودولة".
وتسعى أكثر من مبادرة مجتمعية لاحتواء الأزمة في ظل تصاعدها وتمددها إلى مناطق أخرى في ساحل حضرموت، إذ اطلعت "العربي الجديد"، على أكثر من مبادرة، منها ما قامت به اللجنة المجتمعية التي تشكلت خلال اليومين الماضيين في ضوء هذه الاحتجاجات المتصاعدة والاضطرابات العارمة التي شهدتها مدينة المكلا.
وقد ركزت اللجنة في تحركاتها على المساعدة في حل الأزمة القائمة على الكهرباء بسبب عدم إيصال المحروقات إلى محطات التوليد في ساحل حضرموت، وبذل جهود كبيرة لدى الأطراف النافذة والمؤثرة للسماح بمرور كميات المحروقات "المعتادة" (الديزل 300 ألف لتر يومياً، والمازوت 450 ألف لتر يومياً)
مع إمكانية رفع الكمية، بحسب طلب اللجنة المجتمعية المشرفة على تلك الكميات والاحتياجات الفعلية للمؤسسة من الوقود، وذلك بعد وضع آلية لمراقبة تلك الكميات من قبل اللجنة.
الناشط الاجتماعي وعضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين والإعلاميين الجنوبيين، خالد الكثيري، يقول في هذا السياق: "للوهلة الأولى، المتابع للوضع في حضرموت من قرب يعرف أن المشكلة هي تردي الوضع المعيشي والخدمي، غير أنها في الأساس عبارة عن صراع سياسي على المحافظة النفطية والديمغرافية المتميزة في المعادلة السياسية للبلاد ككل.
وعليه، فحضرموت قاعدة لاحتدام الصراع بين القوى السياسية في الداخل، ويحرص كل طرف على أن يحوز الدعم والمساندة من قبل القوى الإقليمية في التحالف العربي وغيره".
ويقول: "المواطن في حضرموت مثله مثل المواطن في جميع المحافظات أُرهق من وقع المشكلات المعيشة والاقتصادية"، وعلى رأسها تردي الخدمات وانهيار العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها، وقابل للانفجار ليس ضد الأطراف السياسية والمحلية، بل في وجه السلطة المركزية والتحالف".
بدوره، يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، محمد الكسادي، إلى أن هناك فرقاً في أزمة انقطاع الكهرباء بين حضرموت وعدن. ففي حضرموت تتمحور المشكلة في الصراع بين المكونات السياسية والعسكرية على المازوت والوقود المخصص لمحطات توليد الطاقة الكهربائية،
إلى جانب أن هناك صراعاً خفياً على صفقات فساد مشبوهة بين بعض الأطراف والسلطة المحلية، وتقاسم عملية الإشراف والنقل للمازوت.
في الخصوص، وجّه عدد من الشخصيات المجتمعية والقبلية في محافظة حضرموت رسالة رسمية إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد محمد العليمي، عبر مرجعية قبائل حضرموت، طالبوا فيها بالتدخل العاجل لإنقاذ حضرموت من الانهيار الإداري والخدمي المتواصل.
محمد راجح
ويرى الكسادي أن ضعف الدولة وتفشي الثقافة المناطقية خلال السنوات الماضية التي تلت الحرب في اليمن أسهما كثيراً في تغذية مثل هذه الصراعات التي تشهدها حضرموت وغيرها من المحافظات اليمنية.