Logo

ما وراء إصرار الحوثي على رهن اليمن لنيران إسرائيل؟

 في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بقصف مقدرات اليمنيين، تتكشف حقيقة الوعيد الحوثي بامتلاك أسلحة الردع التي ما ينفك إعلامه يسوّقها "نصرة لغزة" كما تقول السردية المتواترة بلا انقطاع.

وما إن تلاشت سحب الدخان، أمس الأحد، في صنعاء عقب قصف إسرائيلي طال مخازن بترولية وغازية ومجمعاً عسكرياً يضم القصر الرئاسي، يكتشف اليمني كما جرت العادة أنه الملزَم الوحيد بدفع فاتورة ثمن الدماء والدمار، 

فيما تستهلك سلطة الجماعة مزيداً من تصريحات التحدي وإطلاق مزيد من الصواريخ نحو الأجواء الإسرائيلية متبوعة ببيانات حماسية تتحدث عن "دقة" و"تحقيق الأهداف"، تدفع الناس وسط الخوف والظروف الصعبة إلى عقد مقارنات لاذعة تعج بها مواقع التواصل بين حال الوعيد وواقع الحال،

 الذي تترجمه نيران المقاتلات الإسرائيلية وهي تصطاد أهدافها من فوق صنعاء بأريحية تامة، حيث "لا دقة" الدفاعات تصيبها ولا قوة تردعها، لتأكيد الفرق الهائل في موازين القوى.

وأمس الأحد، شنت المقاتلات الإسرائيلية سلسلة غارات على العاصمة اليمنية صنعاء في إطار استمرار المواجهة المستمرة منذ أشهر بين الحوثيين المدعومين من إيران وإسرائيل، نتج عنها مقتل ستة أشخاص وإصابة 86، وفق ما أفاد متحدث باسم وزارة الصحة التابعة للحوثيين.

وأفاد سكان محليون في صنعاء أن الغارات شملت محيط قصر الرئاسة جنوب العاصمة، حيث يُعتقد أن القصر يحتوي على معسكرات تدريب حوثية، إضافة إلى مخازن شركة النفط في شارع الستين ومحطة كهرباء حزيز التي تمد المدينة بالطاقة.
 
إيران ودواعي المناورة

وحتى مع إعلان إسرائيل، الجمعة الماضي، عن تفتت صاروخ في الجو قبل سقوطه أطلقه الحوثيون، تواصل الجماعة تصوير هذه المناوشات كبطولات تبيح لها منح نفسها راية الدفاع عن الأمة حصراً، 

بينما لا تقدم تفسيراً لحال الانكشاف أمام القوة الإسرائيلية. ونشر قادة الجماعة مقاطع فيديو مجتزأة من خطاب زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، يصف فيها الضربات التي تلقتها صنعاء، أمس الأحد، بأنها "فاشلة لا تأثير لها، ولا تحد من قدراتنا الصاروخية ولا الطائرات المسـيرة، وليس لها أي تأثير على ذلك".

وفي تفسير للإصرار الحوثي على إقحام اليمن في معارك لا تملك فيها منطقية المناورة ولا الدفاع والاستمرار بحسب موازين القوة، يقول الباحث السياسي فارس البيل، إن استمرار الحوثي بشن مزيد من المناورات يأتي "بطلب إيراني باعتبار أن ميليشيات الحوثي تدير المعركة الآن، وهي رأس حربة المناورة بالنسبة لإيران". 

ورغم ما جرى لإيران خلال الأشهر الماضية، ومعها الحوثيون ومحورها، يرى البيل أن "استمرار إيران في دفع الحوثي إلى شن مزيد من الضربات والإزعاج لإسرائيل يبدو كما لو أنها (إيران) ترسل رسائل هنا وهناك، وتمارس في نفس الوقت دوراً ابتزازياً للغرب عبر ذراعها الحوثية، نظراً لموقع اليمن الاستراتيجي وكون القدرات العسكرية التي تملكها الميليشيات بدعم وصناعة إيرانية بالطبع".

توسيع مسرح المعركة

وفق الرغبة الإيرانية، لا تملك ميليشيات الحوثي، بحسب البيل، "القدرة على التراجع أو اتخاذ قرار مغاير للبحث عن النجاة أو الانخراط في حالة سلام والخروج من هذا المأزق، لأن استمرار التصعيد بقدرة دفاعية صفرية هو رغبة إيرانية ملحة".

 تهدف إيران وراء ذلك "لتوسيع دائرة المعركة وتشتيت الجهود، إضافة إلى وجود نوع من المقايضة". 

ولذلك، سنشهد في قادم الأيام "استمرار ميليشيات الحوثي بشن مزيد من المغامرات التي لن تتوقف حتى يتم القضاء على هذه الميليشيات المدفوعة من إيران والمتحكمة بها".
 
الاحتياج لإسرائيل

من جانبه، قال الكاتب السياسي خالد سلمان، إن الحوثي لا يهتم بما يحققه من "مناوشات صبيانية لإسرائيل"، لأنه "كيان يستهويه عقلية البطل في القصف غير المنتج أو حتى في تلقي الضربات الموجعة". 

وفي كلتا الحالتين، "يرتدي ثوب الحوثي البطولة ويدعي نصرة المظلومية، بل وتذهب مرتفعاته الإعلامية ونخبه إلى حد شكر إسرائيل لأنها منحتهم الشرف في العيش بذات قاع جهنم غزة".

وبمقارنة تكشف شيئاً عن مساعي ما يجري، يرى سلمان أن "الدمار المهول على الأرض يكاد يدخل ضمن الروتين اليومي للعسكرية الإسرائيلية، تاركة صخب هوامش البطولة الزائفة لمنابر الحوثي".

ويذهب لوصف ما يجري بأنه "شراكة ضمنية في تدمير اليمن بين الجماعات الحوثية والمؤسسة الحربية الإسرائيلية، حيث الأول يستدعي الإسرائيلي بمقذوفاته التي لا تسقط جرحى أو قتلى أو تدمر منشأة، 

فيما الثاني يوفر مساحة لتبرير إحكام قبضة الحوثي على الداخل اليمني وقمع التململ الاجتماعي والمعارضة تحت مبرر مواجهة العدوان، والحصيلة أن المواطن اليمني يدفع ثمن هذا التخادم من دمه وبُناه التحتية وسلامه الأهلي".
 
ويرى أن الحوثي يستفيد مما يجري لأنه "يحتاج لإسرائيل لتجذير ثقافة المظلومية بين أتباعه وترحيل الاستحقاقات الملحة للمواطن من رواتب وخدمات وحياة كريمة في حدها الأدنى".

وبداعي "نصرة المظلومين في فلسطين"، كما تردد روايتهم، يسعى الحوثيون إلى تقديم أنفسهم كجبهة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. 

وعقب السقوط المتتابع للأذرع الإيرانية التاريخية في كل من لبنان وسوريا حذر عديد من المسؤولين اليمنيين والدوليين من اتخاذ إيران لليمن ساحة بديلة لاعتبارات عدة، منها جاهزية الميليشيات الحوثية ووقوعها في الخاصرة العربية التي تسعى إيران من خلالها إلى ابتزاز المنطقة والعالم، 

إضافة إلى امتلاكها ترسانة مسلحة نهبتها من معسكرات الجيش اليمني، علاوة على تلك المتطورة التي حصلت عليها من حليفها في طهران.

توفيق الشنواح 
صحافي يمني