الحوثيون ومعاداة ثورة 26 سبتمبر: انقلاب على النظام الجمهوري
على عكس حرص جماعة الحوثي على الخطاب التعبوي والتحشيد من أجل تجميع أعضائها وتحصينهم داخل هيكل تنظيمي معقد، وإحياء مناسباتها السياسية والطائفية واستغلالها للتحشيد وفرض الولاء على أبناء المناطق الخاضعة لسيطرتها،
فإنها في المقابل تجرّم الاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، وتبدأ كل عام خلال السنوات الأخيرة بإعلان حالة الاستنفار منذ شهر أغسطس/آب من خلال شن حملة اختطافات واسعة في صفوف الناشطين، وتصدر تحذيراتها من إحياء المناسبة،
كما يقمع مسلحو الجماعة كل من يحتفل بذكرى ثورة سبتمبر أو يرفع العلم الوطني.
ذكرى ثورة 26 سبتمبر
وحذّرت وزارة الداخلية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، الثلاثاء الماضي، من أي مظاهر للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر تحت مبرر وجود مخططات معادية لاستهداف الجبهة الداخلية،
مؤكدة جاهزيتها لإفشال تلك المخططات والتصدي لها بحزم، على حد قولها.
وذكرت داخلية الحوثيين في بيان، أن "العدو يسعى هذا العام لتكرار محاولاته تنفيذ مخططات خبيثة عبر استغلال مناسبة ذكرى 26 سبتمبر"،
محذرة "كل من تسوّل له نفسه التورط في خدمة الأعداء أو السقوط في مستنقع الخيانة والعمالة".
وزعمت الداخلية أن "الأعداء يسعون إلى تنفيذ مخططات خبيثة تستهدف بلادنا تحت عناوين وشعارات خادعة، بغرض ضرب الجبهة الداخلية وإثارة الفتنة والفوضى".
وتزامن تحذير الحوثيين مع حملات اختطافات واسعة شملت ناشطين في معظم المحافظات، وأبرز من طاولتهم هذه الاختطافات هما الكاتبان أوراس الإرياني وماجد زايد.
ونشرت جماعة الحوثي آلاف المسلحين التابعين لها في شوارع صنعاء والمدن الواقعة تحت سيطرتها لمنع أي مظاهر احتفالية بذكرى الثورة،
بالتزامن مع حملة اختطافات واسعة منذ أيام شملت عدداً من الناشطين، أبرزهم المحامي عبد المجيد صبرة والكاتبان أوراس الإرياني وماجد زايد.
يشار إلى أن ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962 هي ثورة قام بها الضباط الأحرار بقيادة علي عبد المغني في الشطر الشمالي من اليمن ضد نظام المملكة المتوكلية اليمنية، وتم بموجبها إعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية ،وتعارض الجماعة أهداف ثورة 26 سبتمبر ومبادئها .
في المقابل، تستغل الجماعة مناسبات دينية وسياسية، من المولد النبوي مروراً بيوم الولاية ويوم الصرخة ويوم الصمود ويوم الشهيد،
وصولاً إلى ذكرى حسين الحوثي والصماد، بهدف التعبئة السياسية والتحشيد العسكري، وتعزيز وتجديد الولاية لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
مواقف الحوثيين تعزز الاعتقاد لدى اليمنيين أن الجماعة انقلبت على النظام الجمهوري الذي يعد أبرز منجزات ثورة 26 سبتمبر 1962، خصوصاً مع منح السلطة المطلقة لزعيم الجماعة من دون وجود أي صفة دستورية له.
في السياق، يقول مدير عام إذاعة تعز، الكاتب أحمد شوقي أحمد، إن "ثورة 26 سبتمبر تمثل نقيضاً للنظام الإمامي الذي حكم اليمن لحقبات مختلفة في القرون الماضية،
وجماعة الحوثي تعتبر نفسها وريثة للنظام الإمامي الزيدي الذي حكم اليمن قبل الثورة، وهو نظام أسوأ من النظام الملكي.
وتقوم شرعية هذا النظام على أن مشروعيتها تستند إلى الحق الإلهي في الحكم، وهو نظام استبدادي فردي، لذا فالحوثيون يعتبرون أنفسهم نقيضاً لثورة سبتمبر".
ويضيف أن "الحوثيين مؤمنون بالنظام الإمامي وهو شكل كهنوتي أرستقراطي يكتسب شرعيته من السماء وليس من الأرض، وليس فيه تداول للسلطة بشكل معقول. ومن الجانب السياسي فجماعة الحوثي تستلهم النموذج الإيراني،
بمعنى أن المرشد هو الحاكم الأساسي والرئيسي وصاحب القرار بينما رئيس الجمهورية هو بمثابة رئيس وزراء، وهنا الجمهورية لا معنى لها".
ويؤكد أحمد أن "في الفكر الإمامي للحوثيين الحاكم ليس من عامة الشعب، وإنما من طبقة واحدة معينة، يخرج بالسيف، ويفرض نفسه جبرياً، ويخضع الدولة ومؤسساتها والبلد بالكامل، ويسيطر على كل شيء،
فشرعية الإمام شرعية انقياد لا شرعية انعقاد، والحوثيون يدمرون المساواة الاجتماعية لصالح الطبقية، حيث الشعب في خدمة طبقة واحدة".
الموقف الحوثي من الثورة
في المقابل، يقول الصحافي المقرب من الحوثيين، الكرار المراني، "نحن نعتبر ثورة 26 سبتمبر محطة تاريخية مفصلية في مسيرة الشعب اليمني نحو التحرر من الاستبداد،
ويتم التأكيد على هذا الموقف من خلال الاحتفال الرسمي والشعبي الذي يُقام سنوياً في ميدان التحرير بصنعاء، والقول إن هناك منعاً للاحتفال ادعاء كاذب وغير صحيح".
ويضيف: "ميدان التحرير يفتح أبوابه كل عام لآلاف المحتفلين، رسمياً وشعبياً، للمشاركة في الاحتفال بالمناسبة،
لكن ما يجري فقط هو تنظيم عملية الاحتفال وتخصيص مكان محدد له، تجنباً لمحاولات بعض القوى المرتبطة بالخارج استغلال هذه الفعاليات لإثارة الفوضى أو خلق بلبلة في الشارع اليمني، خصوصاً في ظل الوضع الاستثنائي الذي يمر به البلد نتيجة العدوان والحصار".
وعن احتفالات الجماعة بالمناسبات الأخرى، يقول المراني إن "الفرق الجوهري أن المناسبات الدينية بطبيعتها جامعة لكل اليمنيين، ولا تستغل عادةً لإحداث انقسامات أو إثارة فوضى، بل على العكس تتحول إلى مظاهر وحدة جماهيرية"،
معتبراً أن "الأطراف المعادية لصنعاء، سواء كانت داخلية أو خارجية، لا تجد مصلحة في تعطيل أو التشويش على تلك المناسبات، لأنها تعلم أن أي محاولة لذلك قد تأتي بنتائج عكسية، فتزيد من تفاعل الناس معها وتمنحها زخماً إضافياً".
فخر العزب
صحافي يمني