حملات الاعتقال الحوثية: تعميم الرعب ورفع العلم الوطني تهمة
نفذ الحوثيون في اليمن، خلال الأيام الماضية، حملات اعتقال واسعة في المحافظات اليمنية الخاضعة لجماعة الحوثيين، تزامنت مع فرض قيود على المواطنين تمثلت في انتشار أمني مكثف في الشوارع الرئيسية والأحياء، فيما شكا عدد من الأهالي عدم معرفتهم مصير أبنائهم المعتقلين، مع تواصل حملات الاعتقال الحوثية.
وفرض الحوثيون حالة استنفار أمني بالتزامن مع الذكرى السنوية للثورة اليمنية؛ 26 سبتمبر/أيلول 1962، والتي صادفت يوم الجمعة الماضي، لمنع أي مظاهر احتفال.
فقد تحولت هذه الذكرى خلال السنوات الماضية؛ منذ سيطرة الجماعة على صنعاء عام 2014، إلى حالة شعبية لدى اليمنيين الذين يشعرون أنهم فقدوا كل مكتسبات الثورة التي أفضت لسقوط النظام الملكي (المملكة المتوكلية اليمنية) وقيام الجمهورية العربية اليمنية.
ومنع الحوثيون أي احتفالات شعبية أو مظاهر تعبر عن ذلك، إذ اعتبرتها وزارة الداخلية في حكومة الجماعة (غير المعترف بها دولياً)، في بيان يوم 23 سبتمبر الماضي، ضمن مخطط "لإثارة الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار وضرب الجبهة الداخلية".
كما قاد ناشطو الجماعة ووسائل إعلامها حملات تحريض معلنة، واستعرضوا "الهراوات" مهددين من يخرج في أي تظاهرة.
حملات الاعتقال الحوثية
بالتزامن مع ذكرى ثورة 26 سبتمبر، الجمعة الماضي، شهدت صنعاء انتشاراً كثيفاً للقوات الأمنية ولمسلحين بزي مدني تابعين لجماعة الحوثيين.
مختار، هو شاب في صنعاء، قال إنه خرج يوم الجمعة في 26 سبتمبر مع أصدقائه "في نزهة كما اعتدنا كل أسبوع لكننا فوجئنا بوجود أمني كثيف، في كل مكان جنود بزي رسمي وآخرون بملابس مدنية يحملون السلاح وأطقم عسكرية ومدرعات منتشرة بشكل كبير".
وأضاف: "لم نلق مكاناً يخلو من الوجود الأمني والأطقم العسكرية، وكانت نقاط التفتيش توقف السيارات حيث يتم تفتيش الهواتف وطرح أسئلة على المارة حول وجهتهم ومن أين قدموا".
ووصف ذلك اليوم بأنه "غريب ومخيف، لم نتوقع أن نعيش لحظة كهذه في نزهة بسيطة".
وتابع: "رأيت مشهداً لا ينسى في جولة الرويشان في شارع حدة، إذ كانت فتاة داخل سيارتها تحمل العلم الوطني تتعرض للضرب من مجموعة نساء وخلفها رجال بملابس مدنية مسلحون يراقبون بصمت مريب".
أما نذير الأسودي، أحد سكان صنعاء، فذكر في منشور على منصة فيسبوك، أن نقطة تفتيش أوقف ابنتيه الطبيبتين، عصر يوم الجمعة الماضي، أثناء عودتهما إلى المنزل في حدة شارع 14 أكتوبر.
وكتب أن الجنود كانوا يفتشون السيارة، فيما الشرطة النسائية تفتش الهواتف وتقلب الصور وتقرأ الرسائل فيها.
واعتبر أن "هذا تطور خطير في النظام الحاكم (الحوثيون) اللي كنا نعاير به الآخرين أنهم لا يتعرضون للنساء"، ومضيفاً أن "البنات روحوا يبكوا مرعوبين ما عد يريدوا حتى يداوموا في العيادة وطلبوا أن نهاجر أو نعود إلى القرية".
وتساءل الأسودي مخاطباً الحوثيين: "افرضوا أن التلفون فيه صورة لعفاش (الرئيس السابق علي عبد الله صالح) أو أنشودة ثورية، كنتم بتحبسوا بناتي؟"
في إشارة إلى الاعتقالات التي تتم بشبهة الاحتفالات بثورة 26 سبتمبر أو رأي سياسي يتعلق بالصراع المستمر بين الحوثيين وخصومهم.
وعن حملات الاعتقال الحوثية والتفتيش في ذكرى 26 سبتمبر، كتبت ريم الخالد، على منصة فيسبوك: "كنا نمشي بطريقنا وفجأة استوقفونا نقطة وفتشوا السيارة وطلبوا تلفوناتنا وفتشوها وسألوا عن انتماءاتي السياسية"،
مضيفة: "كانت النسوان تفتش تلفوني والرجال تفتش سيارتي، أول مرة في حياتي أحس بهذا القدر من الرعب".
وقالت إن "أسئلتهم كأنها تحقيق استمرت لمدة 10 دقائق، بكيت وكنت مفجوعة وأرتعش كانوا يقولون لي (الحوثيون) لو مش خائفة ما تبكي، قلت لهم أول مرة أحد يوقفني ويفتش تلفوني ردوا بالقول إجراءات أمنية".
وتابعت ريم الخالد: "أول مرة أشوف نفسي تحت رحمة نسوان يفتشن تلفوني بدون أي سبب، لم أكن رافعة علم (العلم الوطني) ولا فاتحة أغاني سياسية، وقلت في نفسي لو وجدوا شي بتلفوني سياسية أو أي شي له علاقة، كان المصير مجهول الذي بيحصل لي".
في شهادات المواطنين الذين تعرضوا للإجراءات الأمنية إلى جانب حملات الاعتقال الحوثية المتواصلة، برز العلم الوطني كأنه تهمة، وقد ارتبط بمخاوف المواطنين خلال السنوات الماضية عندما بدأت حملات الاعتقالات بحق كل من يحمل العلم الوطني في سيارته.
فقد كان رفع العلم من أول المظاهر الشعبية الشائعة للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر في صنعاء والمناطق الخاضعة للحوثيين، والتي يعتقد الحوثيون أنها موجهة ضد سلطتهم.
وجاءت حالة القمع بالتزامن مع ذكرى الثورة، غداة سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت صنعاء، حيث كان السكان يعيشون على وقع الصدمة من عدد الضحايا المدنيين الذي سقطوا في الأحياء المختلفة (يوم الخميس الماضي، وأوقعت تسعة شهداء و174 جريحاً).
وفي الوقت الذي تشن الجماعة حملات اعتقال واسعة، كان أهالي المعتقلين يبحثون عن طمأنة من سلطات الحوثيين عن مصير أبنائهم بعدما أعلنوا أن الغارات استهدفت أحد السجون (إحدى الإصلاحيات التابعة لجهاز الأمن والاستخبارات).
وخلال أسابيع، طاولة حملات الاعتقال الحوثية العشرات، سواء قبل ذكرى الثورة أو بعدها، ممن احتفلوا في القرى الريفية المختلفة، من بينهم ناشطون وكتاب ومحامون.
في صنعاء اختُطِف الشاعر والكاتب الساخر أوراس الإرياني، والمحامي عبد المجيد صبره، والمسؤول السابق في وزارة الصحة أيمن مدكور والناشط الإعلامي ماجد زايد.
وقالت مصادر حقوقية، إن "هناك صعوبة في رصد عدد المعتقلين، وغالبيتهم لاشتباه تم خطفهم من الشوارع، وآخرون رصدهم الحوثيون يحتفلون بذكرى الثورة، خصوصاً في المناطق الريفية حيث ما زالت حملات ملاحقتهم مستمرة".
وأضافت المصادر أن "بعض الاعتقالات كانت لأسباب تتعلق بانتقاد الحوثيين بالتزامن مع ذكرى سيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وبرز ذلك في صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي اختفت بعضها بعد اعتقالهم مثل صفحة الكاتب أوراس الإرياني".
انتهاكات متواصلة
في هذا الصدد اعتبرت منظمة سام للحقوق والحريات (ترصد وتوثق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن والشرق الأوسط)، في بيان يوم 23 سبتمبر الماضي، أن "الانتهاكات المتصاعدة بحق الكتاب والصحافيين والنشطاء في مناطق سيطرة جماعة الحوثي تمثل جزءاً من سياسة ممنهجة تستهدف حرية الرأي والتعبير،
وتكشف عن مناخ قمعي يهدد الحريات العامة ويصادر الحق في المشاركة المجتمعية".
ويمارس الحوثيون بحق المختطفين إخفاءً قسرياً حيث لا يعرف ذووهم مكان احتجازهم، بالإضافة إلى ظروف الاعتقال المفاجئة في الشوارع ومقرات الأعمال أو حتى خلال مناسبات اجتماعية، وغالبيتهم لا يعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن اعتقالهم.
وكتب عمرو الإرياني، على منصة فيسبوك، عقب اعتقال شقيقه أوراس، أن "شقيقي أوراس الإرياني محتجز قسرياً في صنعاء، لا تواصل، لا زيارة، لا إمكانية للاطمئنان على صحته"، مضيفاً: "لكن روحه الحرة أكبر من أي سجن أو سجان".
وفي سياق حملات الاعتقال الحوثية قالت الحقوقية اليمنية، إشراق المقطري، إن "المحامي عبد المجيد صبره، الذي كان يقدم العون القانوني للمحتجزين والمحتجزات، ومساندتهم والتواصل مع أسرهم، يرزح اليوم خلف جدران سجون الحوثي إلى جانب المئات من المظلومين".
وأضافت على منصة "إكس"، يوم 29 سبتمبر الماضي، أن "أسرته ووالدته في وضع مؤلم، لا يعرفون مصيره ويجهلون مكانه، حقه اليوم أن لا يترك بمفرده فهو لم يحمل سلاح ولم يقطع طريق ولم يسلب حق آخر، إنما هو محام يمني استمر بالعيش في صنعاء مع أسرته، برغم أوجاعها".
في الأثناء كشفت منظمة إرادة لمناهضة التعذيب والإخفاء القسري (مقرها مأرب)، "عن وجود 1969 شخصاً مخفياً قسراً في سجون الحوثيين بينهم 203 نساء"،
مطالبة في تقرير نشر الاثنين 29 سبتمبر الماضي، "الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بالتدخل لإنقاذ حياة آلاف المخفيين قسراً في معتقلات الحوثي وإجراء تحقيق عن المعتقلات السرية".
وترتبط الاعتقالات الواسعة وحالات الإخفاء القسري في اليمن بالصراع المستمر بين الأطراف اليمنية خلال السنوات الماضية، لكن المتغير حالياً هو تصاعد حدة الانتهاكات من قبل الحوثيين بهاجس المخاوف الأمنية، والتي أصبحت تطاول الجميع بشكل عشوائي، ما يثير مخاوف السكان من أن يكونوا في قائمة الضحايا.
ياسر حميد