وقف حرب غزة يثير أسئلة حول مصير مناوشات الحوثيين و"إسرائيل"
مع تسارع المناقشات في القاهرة بشأن خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لوقف الحرب في غزة، وما تبعها من إشارات إيجابية من حركة "حماس"، يثار جدل واسع حول مصير الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي في البحر الأحمر والمناطق الإسرائيلية، بعد أن ربطت الجماعة عملياتها العسكرية برؤية الفصائل الفلسطينية.
تزامنت هذه التطورات مع تأكيد وسطاء إقليميين أن اجتماعات فنية تعقد في مصر لمناقشة التفاصيل النهائية للخطة الأمريكية، التي نصت على وقف شامل لإطلاق النار في غزة مقابل ترتيبات أمنية وضمانات دولية.
وفي حين تركز الأنظار على مدى التزام الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، يبقى ملف الحوثيين أحد أبرز الأسئلة المطروحة في الأوساط الإقليمية والدولية.
تصريحات حوثية
في أحدث تصريحاتها، أكدت جماعة الحوثي أنها ستواصل ربط عملياتها العسكرية بمصير الحرب في غزة، مشيرة إلى أن قرار الاستمرار أو التوقف بيد الفصائل الفلسطينية.
جاء ذلك في منشور للقيادي الحوثي محمد البخيتي على منصة "إكس"، قال فيه: "إخواننا الأبطال في حركة حماس والجهاد الإسلامي: نحن غير معنيين بتفاصيل المفاوضات لأن قرارها بيدكم، ولكننا على العهد ماضون".
وأضاف: "كما بدأت عملياتنا العسكرية المساندة بطلب منكم فإنها لن تتوقف إلا بطلب منكم، وستعود متى ما طلبتم ذلك"، مؤكداً أن "مصيركم مصيرنا، ونحن معكم حتى النصر أو الشهادة".
هجمات الحوثيين والرد
منذ اندلاع الحرب في غزة بأكتوبر 2023، لم تقتصر هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، بل امتدت لتشمل إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة بعيدة المدى استهدفت مناطق محتلة في جنوب فلسطين، خاصة مدينة إيلات وصحراء النقب.
وقد أعلنت الجماعة مراراً أنها استهدفت مواقع عسكرية ومنشآت استراتيجية، وقالت إن هذه الضربات تأتي "رداً على الجرائم بحق الشعب الفلسطيني".
"إسرائيل" بدورها اعترفت بأن بعض الصواريخ والمسيرات وصلت إلى أطراف إيلات، فيما اعترضت منظومة "القبة الحديدية" عدداً آخر، وأفادت تقارير عبرية بأن بعض الهجمات تسببت في تعطيل الملاحة الجوية لساعات في مطار إيلات فضلاً عن سقوط قتلى وجرحى.
في المقابل، رد الاحتلال بسلسلة من الضربات الجوية المباشرة على مواقع تابعة للحوثيين في صنعاء والحديدة وصعدة، وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف مخازن صواريخ ومنصات إطلاق وطائرات مسيّرة،
مؤكداً أن الهجمات الحوثية على أراضيه "خط أحمر" لن يُسمح باستمراره.
واعتبرت تل أبيب أن استهدافها لليمن يشكل جزءاً من "معركة أوسع" تهدف إلى تحييد التهديدات القادمة من أطراف مرتبطة بإيران، وتمكنت من اغتيال مسؤولين في حكومة الحوثي.
الهجمات البحرية وتداعياتها
بالتوازي مع الضربات على "إسرائيل"، كثفت جماعة الحوثي هجماتها ضد السفن التجارية وناقلات النفط المرتبطة بـ"إسرائيل" أو الولايات المتحدة في البحر الأحمر وخليج عدن،
وقالت إن تلك العمليات تأتي "نصرة للشعب الفلسطيني"، ووصفتها بأنها جزء من "معركة الأمة".
الهجمات استُخدمت فيها صواريخ باليستية وأخرى مجنحة وطائرات مسيرة وألغام بحرية، وتسببت في إجبار عشرات السفن على تغيير مساراتها نحو طريق رأس الرجاء الصالح جنوب أفريقيا،
ما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين وارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية.
رداً على ذلك، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا عدة ضربات جوية على مواقع حوثية في الحديدة وصنعاء وصعدة، وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن هذه العمليات "تستهدف ردع التهديد وضمان استمرار التجارة العالمية"،
فيما شددت لندن على أن "حرية الملاحة الدولية خط أحمر".
مفاوضات القاهرة
في هذه الأثناء، تبحث الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية في القاهرة تفاصيل خطة ترامب التي تضمنت 20 بنداً، شملت وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، وفتح المعابر، وضمانات لإعادة الإعمار.
وأبدت حركة "حماس" موافقة مبدئية، فيما يجري التفاوض على قضايا الخلاف مثل بقاء قوات إسرائيلية محدودة في بعض المناطق لفترة انتقالية.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن المفاوضات تحظى بدعم من قطر وتركيا والأردن، وتسعى إلى "وضع إطار عملي يضمن التزام جميع الأطراف"،
حيث تشمل الخطة أيضاً ترتيبات أوسع تتعلق بالملاحة في البحر الأحمر، حيث يجري بحث آلية تهدئة مع الحوثيين باعتبارها جزءاً من بيئة ما بعد الحرب في غزة.
الحوثي وحرب غزة
ينتمي الحوثيون إلى شبكة تحالف إقليمية تقودها إيران وتضم جماعات مسلحة مثل "حزب الله" في لبنان وفصائل عراقية وسورية، وقد أعلنت هذه الأطراف جميعاً دعمها لـ"حماس" منذ اندلاع الحرب في غزة.
بالنسبة للحوثيين، مثلت الحرب في غزة فرصة لإبراز نفوذهم خارج الحدود اليمنية، وإظهار قدرتهم على التأثير في مسارات إقليمية ودولية كبرى، حيث وصفت وسائل إعلامهم الهجمات الصاروخية والبحرية بأنها "تجسيد عملي" لشراكة المحور الإيراني في مواجهة "إسرائيل" والولايات المتحدة.
لكن مع اقتراب وقف الحرب، يجد الحوثيون أنفسهم أمام خيارين: إما الالتزام بتصريحاتهم وربط مصير عملياتهم بمصير غزة، ما يعني تعليق الهجمات، وإما الاستمرار في استهداف السفن والأراضي الإسرائيلية، مع ما قد يترتب عليه من ضربات أشد وقيود دولية أوسع.
وتعليقاً على ذلك يقول الباحث السياسي نجيب السماوي، إن توقف حرب غزة "سيضع الحوثيين أمام اختبار جدي، بعد أن ربطوا هجماتهم البحرية مباشرة بقرار حماس والجهاد الإسلامي".
ويضيف، أن خطاب محمد البخيتي "كان بمثابة إعلان رسمي بأن قرار الاستمرار أو التوقف ليس قراراً حوثياً خالصاً، بل مرهون بمصير غزة".
وتابع:
- تتجه الجماعة نحو "تهدئة مشروطة"، توقف فيها الهجمات تكتيكياً مع الإبقاء على قدراتها واستعدادها للعودة متى شعرت أن مصالحها أو مصالح حلفائها مهددة، وهذا السيناريو يمنح الحوثيين فرصة للقول إنهم استجابوا لحلفائهم الفلسطينيين دون فقدان أدوات الضغط البحري.
- الاحتلال لن يتعامل مع الحوثيين على أنه تهديد منته حتى لو توقفت الحرب، بل على أنه خطر محتمل يمكن أن يعود في أي لحظة، ولذلك تل أبيب قد تكتفي بالاستخبار والرقابة إذا تراجعت الهجمات، لكنها تحتفظ بخيار الضربات النوعية إذا استمر التهديد.
- أمريكا ستحافظ على وجود عسكري بحري في المنطقة، إذ تعتبر حرية الملاحة قضية استراتيجية لا ترتبط فقط بغزة، وقد تمنح فرصة لتهدئة حوثية، لكنها سترد سريعاً إذا عادت الهجمات، سواء عبر ضربات عسكرية أو عقوبات اقتصادية.
- البعد الداخلي في اليمن لا يقل أهمية، فالجماعة استخدمت "نصرة غزة" أداة تعبئة سياسية، وإذا توقفت الحرب فقد تعود الضغوط الشعبية إلى الواجهة مع تردي الخدمات والاقتصاد، وهذا قد يعيد الأنظار إلى مسار المفاوضات الأممية والوساطات الإقليمية.
- ارتباط الحوثيين بشبكة النفوذ الإيراني سيجعل قرارهم جزءاً من حسابات طهران الأوسع مع القوى الدولية، ومصير هجماتهم لن يتحدد فقط بوقف النار في غزة، بل أيضاً بمستقبل التفاوض حول الملف النووي الإيراني وتوازنات البحر الأحمر.