هدنة اليمن لا تحقق أهدافها... استعراض قوة للحوثيين وصراعات داخل الحكومة

 على عكس أهدافها، تسير الهدنة في اليمن نحو طريق مسدود، في ظل تعثر بنودها الأساسية التي أعلنت في إبريل/ نيسان الماضي ولا سيما فك الحصار عن مدينة تعز.

 وفي الوقت الذي يستعرض فيه الحوثيون قوتهم العسكرية في مناطق سيطرتهم، يشهد معسكر الحكومة الشرعية استمرار حالة الانقسام والصراع، اللذين وصلا أخيراً إلى حد الاقتتال في محافظة شبوة، جنوبي البلاد. ويعكس هذا المشهد التعقيدات أمام محاولة استغلال الهدنة للتوصل إلى حل سياسي شامل للحرب في اليمن.

 وتعيش الهدنة اليمنية الهشة، بعد تمديد ثالث أُعلن عنه في 2 أغسطس/ آب الحالي، لمدة شهرين، حالة من الركود والتعثر في أحد ملفاتها الأساسية، إذ توقف تطبيق بنودها عند فتح الطرقات في مدينة تعز، وهو البند الذي يقع تطبيقه على عاتق جماعة الحوثيين، التي تفرض حصاراً على المدينة منذ ست سنوات.

 ويستمر تعثّر تطبيق بنود الهدنة على الرغم من أن موافقة الأطراف اليمنية على تمديدها كان بناءً على الالتزام بتطبيق هذه البنود، بالإضافة للتفاوض على اتفاق هدنة موسّع جديد.

 وفي مؤشر إضافي على تعثّر تطبيق الهدنة، أعلنت الحكومة اليمنية، تعليق مشاركتها في المحادثات مع الحوثيين التي ترعاها الأمم المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان.

 واتهمت الحكومة، الحوثيين بشن هجوم عسكري واسع استمر منذ مساء الأحد حتى فجر أمس الأول الإثنين على مواقع للجيش، وأسفر عن مقتل 10 جنود وجرح 7 آخرين، في منطقة الضباب غرب مدينة تعز. ورداً على هجوم الحوثيين، علّقت اللجنة العسكرية الحكومية المشاركة في محادثات عمّان.

 وقالت في بيان الإثنين إن "هذا التعليق يأتي نتيجة لقيام المليشيات الحوثية بشن هجوم عسكري واسع في تعز نتج عنه عشرات القتلى والجرحى، والذي يستهدف إغلاق آخر شريان رئيسي يغذي مدينة تعز المحاصرة منذ سبع سنوات".

 وكان من المقرر أن تبدأ المحادثات هذا الأسبوع بين وفدي الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، ضمن اللجنة العسكرية لتثبيت الهدنة، ومناقشة خروقات الهدنة وفتح المعابر والطرق في مدينة تعز وغيرها من المحافظات.

 وعلى الرغم من حالة الصمود التي بدت عليها الهدنة الهشة خلال الأشهر الخمسة الماضية، خصوصاً لناحية استمرار وقف إطلاق النار، إلا أن التأهب العسكري لدى الحوثيين تصاعد خلال الأسابيع الماضية بشكل لافت، في الوقت الذي تراوح فيه جهود الأمم المتحدة مكانها، لناحية تحقيق اختراق في ملفات التفاوض الأخرى، بمساندة واشنطن التي تتحرك دبلوماسيتها في المنطقة، للمهمة ذاتها.

 وفي 2 إبريل الماضي، أعلنت الأمم المتحدة عن موافقة الحكومة اليمنية والحوثيين على الدخول في هدنة لشهرين برعاية أممية. ومُددت الهدنة لشهرين إضافيين اعتباراً من 2 يونيو/ حزيران انتهت في 2 أغسطس الحالي، ومُددت للمرة الثالثة لغاية 2 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

 وإلى جانب وقف إطلاق النار، شملت الهدنة بنوداً أخرى، وهي استئناف الرحلات الجوية من مطار صنعاء وإليه بمعدل رحلتين أسبوعياً، والسماح بدخول الوقود إلى ميناء الحديدة ومنه إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وفتح الطرق المؤدية إلى مدينة تعز. وقد تم تنفيذ البنود كافة ما عدا الأخير. وتعد هذه البنود إنسانية وتهدف لبناء الثقة بين أطراف النزاع.

 تعثر مسار اتفاق الهدنة الموسع في اليمن

 في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي في 15 أغسطس الحالي، كشف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ عن أربعة ملفات مقترحة بشأن اتفاق الهدنة الموسّع، وهي اتفاق على آلية شفافة وفعّالة لصرف منتظم لرواتب الموظفين، وفتح طرق إضافية في تعز ومحافظات أخرى، واعتماد مزيد من الوجهات للرحلات من مطار صنعاء وإليه، فضلاً عن انتظام تدفق الوقود إلى جميع موانئ الحديدة.

 وقال غروندبرغ إن "إنجاز هذا الاتفاق بإمكانه إتاحة المجال أمام التحرك في عملية متعددة المسارات لمعالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية وخلق بيئة مواتية للشروع في مناقشات حول وقف دائم لإطلاق النار والاستعداد لاستئناف العملية السياسية". ويعمل المبعوث الأممي على التحرك ضمن هذا السياق لتحقيق تقدّم يقود لاحقاً نحو استئناف العملية السياسية.

 وبالتزامن مع ذلك، كان المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ يجري أخيراً جولة في المنطقة، شملت الإمارات وسلطنة عمان والسعودية، بالإضافة إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن.

 وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان عقب اختتام الجولة في 17 أغسطس الحالي، إن "المباحثات ركزت على ضمان إعلان هدنة موسعة في اليمن، وأن تصبح سارية يوم 2 أكتوبر"، أي بعد انتهاء التمديد الحالي.

 ودعا البيان "الأطراف اليمنية إلى اغتنام هذه الفرصة، وإبداء المرونة والتسوية اللازمتين، لتحقيق تقدم في مسألة سداد رواتب الموظفين الحكوميين، وفتح الطرق للتخفيف من معاناة من يعيشون تحت الحصار في تعز ومحافظات أخرى داخل اليمن، وزيادة وجهات الرحلات التي تغادر مطار صنعاء".

 اشترطت الحكومة اليمنية قبل الإقدام على خطوات جديدة، إنهاء حصار تعز من قبل الحوثيين

 واشترطت الحكومة اليمنية قبل الإقدام على خطوات جديدة، إنهاء حصار تعز من قبل الحوثيين. وشدد وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، خلال لقائه مع المبعوث الأميركي في عدن، على أن "قضية تعز هي من كبرى القضايا الإنسانية، التي يجب التعامل معها وحلها، قبل الانتقال إلى أي ملفات أخرى".

 في المقابل، يرفض الحوثيون بشكل مطلق فتح طرق تعز، في الوقت الذي يضغطون فيه من أجل صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم من قبل الحكومة الشرعية من عائدات النفط والغاز.

 من جهتها، تتهم الحكومة الشرعية الحوثيين بنهب إيرادات المشتقات النفطية في الحديدة، والتي من المفترض أن يتم إيداعها في حساب خاص لصرف رواتب الموظفين، وفق تفاهمات سابقة انبثقت من اتفاق استوكولهم في 13 سبتمبر/ أيلول 2018.

 استعراضات عسكرية للحوثيين

 في عملية رصد لتحركات الحوثيين، يتضح إجراء الجماعة سبعة استعراضات عسكرية في عدد من المحافظات اليمنية التي تقع تحت سيطرتها، وذلك خلال النصف الأول من شهر أغسطس الحالي فقط.

 وشملت هذه الاستعراضات الإعلان عن تخرج عدد من الدفعات العسكرية واستعراض آليات عسكرية وحشود من المجندين، التي تم الإعلان عن تدريبها في عدد من الألوية المتخصصة.

 وتركزت معظم تلك الاستعراضات في محافظة صعدة الحدودية مع السعودية، إذ أعلنت الجماعة عن تخرج عدد من الألوية تحت مسمى "حرس الحدود"، فضلاً عن تخريج مجموعة أخرى تحت اسم "ألوية جيزان"، نسبة لمدينة جيزان السعودية الحدودية مع اليمن، بالإضافة إلى دفعات عسكرية أخرى.

 وجاءت تلك الاستعراضات تحت شعارات مختلفة، مثل "إن عدتم عدنا" و"إنا من المجرمين منتقمون" و"هيهات منا الذلة"، في شعارات تحمل بُعداً تعبوياً ضد الخصوم.

 وأعلن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، أنّ من ضمن أولويات الجماعة أثناء الهدنة الاستعداد للقتال، وقال في كلمة متلفزة "يجب أن يكون الجميع على درجة عالية من اليقظة والجهوزية، وأن لا نغفل وأن لا نتصوّر أن الحرب قد انتهت، وننصرف بكل اهتمامنا إلى أشياء أخرى. بل يجب أن نكون على درجة عالية من الوعي والنشاط التعبوي والاهتمام المستمر تجاه كل المخططات والمؤامرات".

 صراعات في معسكر الحكومة الشرعية اليمنية

 أما في معسكر الحكومة الشرعية، فاندلعت صراعات بين الأطراف المكونة للمجلس الرئاسي اليمني، إذ دارت معارك بين قوات انفصالية مدعومة من الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي (قوات العمالقة ودفاع شبوة)، وأخرى حكومية (القوات الخاصة وقوات "محور عتق")، في محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز.

 إثر ذلك، هدد حزب الإصلاح اليمني، أحد أبرز الأحزاب المساندة للحكومة، بالانسحاب من الأخيرة والمجلس الرئاسي اليمني، إذا لم تتم إقالة محافظ شبوة الحالي عوض الوزير العولقي.

 وخلقت تلك الأحداث توتراً متزايداً، إذ اتهم حزب الإصلاح المجلس الرئاسي اليمني "بإقصاء القوى السياسية المؤيدة للشرعية والوحدات العسكرية والأمنية صاحبة المقاومة للحوثيين في محافظة شبوة".

 ويرى مراقبون أن تلك الأحداث خدمت جماعة الحوثيين التي تستغل تلك التطورات للعمل على إعادة ترتيب صفوفها والتحضر لخوض أي مواجهة مقبلة.

 اختزال الهدنة اليمنية بوقف إطلاق النار

 وعلى الرغم من الحديث عن إنجازات للهدنة من قبل المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن، لا سيما لناحية انخفاض مستوى العنف، واستفادة الآلاف من الرحلات الجوية من مطار صنعاء، بالإضافة إلى استمرار تدفق المشتقات النفطية إلى مدينة الحديدة، يبقى اللافت أن الهدنة بشكلها الحالي وما يجري على أرض الواقع، لا يعطي أملاً بالسلام القريب في اليمن. فهذه الهدنة أقرب لأن تكون هدنة بين الحوثيين والتحالف، إذ توقف القصف بينهما كلياً.

 وفي السياق، رأى الباحث اليمني في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أحمد ناجي، أن "المشهد في اليمن اليوم يختزل التهدئة في إيقاف الأعمال العدائية بين الحوثيين والتحالف بقيادة السعودية، أما على الصعيد الداخلي، فيبدو أن المواجهات العسكرية ستستمر وتتجدد في جبهات عدة".

 وأضاف "على الرغم من التفاؤل المصاحب للهدنة والذي أبداه الكثير من المهتمين بالشأن اليمني، إلا أن الوقائع على الأرض أتت عكس ذلك، فالهدنة بالنسبة لبعض الأطراف لم تكن سوى استراحة محارب، تمت الاستفادة منها في التجهيز والإعداد القتالي، فحركة أنصار الله (الحوثيون) لم تتوقف عن التجنيد المستمر والتحشيد العسكري في مناطقها".

 وتابع ناجي "على الطرف الآخر، اندلعت مواجهات في أوساط المعسكر الذي يواجه الحوثيين والمنضوي في إطار مجلس القيادة الرئاسي المشكل حديثاً، فالمجلس الانتقالي الجنوبي بمساعدة ألوية العمالقة، نفذ عمليات عسكرية للسيطرة على شبوة وأبين وما زالت توسعاته العسكرية مستمرة".

 مشهد يمني بثلاثة متغيّرات

في السياق، رأى الباحث العسكري اليمني علي الذهب أن "المشهد الحالي في اليمن فيه ثلاثة متغيّرات لا يمكن تجاهلها في إطار الحديث عن مسار الهدنة؛ الأول استعراضات الحوثيين واستفزازاتهم العسكرية واستمرار وصول الأسلحة الإيرانية إليهم، بالإضافة إلى اشتراطاتهم المتزايدة، والثاني هو تمزق صفوف الحكومة الشرعية، والثالث بطء مسار عملية السلام".

 وأضاف الذهب، أن "الحوثيين يزدادون قوة أكثر من قبل، ويستعيدون توازن قوتهم، مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل إعلان الهدنة، وهم يبعثون من خلال التحشيد والتعبئة الدائمة رسالة للأطراف الإقليمية والدولية وللحكومة اليمنية بأنهم مستعدون لخوض المواجهة".

 الهدنة مكّنت الحوثيين من الوصول إلى خطوط التماس من دون أن يعترضهم طيران التحالف

 وأشار الذهب إلى أن "الهدنة مكّنت الحوثيين من الوصول إلى خطوط التماس من دون أن يعترضهم طيران التحالف، واستطاعوا تعزيز تحصيناتهم الدفاعية في مناطق التماس والحصول على مزيد من الأسلحة".

 على الجهة المقابلة، رأى الذهب أن "الهدنة فتحت باب الانقسامات في صفوف الشرعية اليمنية، وعملية الإقصاء المتعمدة ضد أطراف فاعلة في الحرب، ضد الحوثيين والانفصاليين في الجنوب".

 وقال: "عملية السلام في اليمن ماضية بدعم دولي، والسعودية تحاول الخروج من الحرب في اليمن، وتريد إقصاء حزب الإصلاح باعتباره مرتبطاً بالإخوان المسلمين، وضمان ولاء الجهات والقوى التي تحكم، لكن هذا لن يحدث لأن هذه القوى ستعمل على تشكيل نفسها في أي وقت بطريقة مختلفة متى ما استدعى ذلك عند اندلاع عنف أوسع".

 واعتبر الذهب أن "القوى الدولية تحاول حصر مناطق التوتر والصراع في المحافظات الجنوبية، في مناطق لا تؤثر على إنتاج النفط وتصديره"، مشيراً إلى أنه "لا يمكن أن يكون هناك استقرار دائم في اليمن بما ينشئ دولة وسلاماً دائماً يجمع بين مختلف الأطراف المتصارعة في ظل دولة اتحادية".

 وتابع "ربما سيكون هناك استقرار، ولكن بشكل يخدم المصالح الدولية فقط، ونحن ماضون في اتجاه النموذج الصومالي، حيث المناطق الحيوية المنتجة تخضع لاستقطابات دولية وإقليمية من دون اكتراث لبقية أنحاء البلاد في حالة تزايدت الصراعات فيها، هكذا سيكون حال اليمن".

العربي الجديد