ما حقيقة الخلافات التي عصفت بالمجلس الرئاسي مؤخرا وما علاقتها بالوديعة؟

كل صباح، يبادر اليمنيون لمعرفة مستويات أسعار الصرف اليومية، وموقف العملة المحلية من بقية العملات الأجنبية؛ وذلك نظرا لانعكاسات قيمة الريال اليمني على الحياة المعيشية لعامة الناس.

واي تحسن في قيمة العملة المحلية يعني تحسن في مستوى المعيشة، رغم أن نادرا ما تتراجع أسعار السلع إذا تعافت العملة، لكن على المدى البعيد يمكن للأسعار أن تنخفض والوضع المعيشي يتحسن إذا استمر تعافي الريال مقابل نظراءه من العملات الاخرى.

غير أن التحسن على المدى البعيد يحتاج إلى احتياطات أجنبية قوية في الخزينة السيادية للدولة اليمنية، وهي هنا ممثلة بالبنك المركزي اليمني في عدن، والذي تبدو خزائنه خاوية على عروشها، في انتظار الوديعة البنكية الخليجية.

هذه الوديعة التي يُمني اليمنيون بها أنفسهم في أن تضع حدا للتدهور المعيشي والاقتصادي، ومنح الريال اليمني شيئا من الاستقرار الذي لا بد أن ينعكس على الحياة العامة، والقوة الشرائية ومستوى الاسعار، خاصة الأساسية منها.

غير أن هذه الوديعة الخليجية التي طال انتظارها كثيرا من قبل اليمنيين والمتابعين، بحسب الوعود الخليجية، باتت اليوم محل خلاف بين أعلى سلطة حاكمة في البلاد، بحسب وكالات عالمية.

فعطفا على معلومات إخبارية ساقتها وكالة الأنباء العالمية "رويترز"، فإن مصير الوديعة ما زال غامضا، خاصة في ظل إشارة الوكالة إلى وجود خلافات تعصف بمجلس القيادة الرئاسي اليمني، حالت دون وصول الوديعة.

> تاريخ الوديعة

لم تكن الوديعة البنكية الخليجية وليدة اللحظة التي تشكل فيها المجلس الرئاسي، ولكنها كانت نتاج وعود قطبي التحالف العربي، السعودية والإمارات، قطعوها لليمنيين؛ منذ أواخر العام 2020.

بل إن البعض يُرجع تاريخ الوعود التي أطلقتها الرياض وأبوظبي بمنح اليمن وديعة بنكية إلى أواخر العام 2019، وتحديدا خلال مشاورات الرياض الأولى التي تلت أحداث ومواجهات أغسطس/آب من نفس العام.

كان الهدف الرئيسي لتلك الوعود هو تسهيل تنفيذ اتفاق الرياض، خاصةً البنود العسكرية والأمنية، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، لا الاتفاق نُفّذ ولا الوديعة وصلت!.

ثم جاءت عملية تشكيل حكومة مناصفة، ديسمبر/كانون أول عام 2020، كأحد بنود اتفاق الرياض، والتي تجددت خلالها الوعود بالوديعة البنكية، بهدف أن يكون المجلس الانتقالي الجنوبي شريكا للحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما تحقق بالفعل، غير أن الوديعة لم تصل أيضا.

الوديعة استمرت مجرد وعود وحبر على ورق التصريحات الإعلامية، حتى بعد تغيير قيادة البنك المركزي اليمني مطلع ديسمبر/كانون أول عام 2021، وتعيين محافظ جديد.

ثم مضت الأمور على وضعها الذي لم يتغير، حتى قرر الحلفاء نقل السلطة في اليمن إلى مجلس جماعي، ربما لتأكدهم من تشظي الوضع في البلاد؛ مما دفع إلى ضرورة ضمان أن يحظى كل فصيل سياسي بموطئ قدم في السلطة؛ حتى يتحقق الاستقرار.

وكان من لوازم عملية نقل السلطة هذه، التي تمت مطلع أبريل/نيسان 2022، الترغيب بها وتسويقها لدى الجمهور اليمني عبر تجديد الوعد بتسريع منح اليمن الوديعة البنكية المنتظرة، إلا أنها لم تصل حتى اليوم أيضا، رغم مرور أكثر من خمسة شهور على عمر المجلس الرئاسي.

> المجلس الرئاسي.. والوديعة

الانقسامات والصراعات التي تشكلت على الساحة اليمنية، خاصة في المناطق المحررة عقب أحداث ومواجهات أغسطس/آب 2019، دفعت التحالف إلى العمل على توحيد هذه الانقسامات، ظنا منه أنها الأسلوب الأمثل لتجاوز الصراعات الداخلية.

غير أن بنية هذه الصراعات أقوى من أن تنتهي بمجرد جمع الفرقاء والمتنازعين داخل بوتقة واحدة ومنحهم السلطة جميعا دفعة واحدة، فالصراعات هنا قد لا تنتهي بقدر ما قد تجد سببا آخرا التصاعد.

وهذا ربما ما ألقى بظلال تأثيره على الوديعة البنكية التي وعدت بها الرياض وأبو ظبي، فربطت تحققها والموافقة على منحها للبنك المركزي اليمني بضرورة تنفيذ إصلاحات جذرية في هذه المؤسسة النقدية السيادية الاولى في اليمن.

وقد تكون رغبة الخليجيين في رؤية مؤسسات الدولة خالية من الفساد حتى يتسنى إنفاق الوديعة وتوجيهها في مصارفها السليمة هو ما فجّر الخلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي اليمني، وهدد بوجود انشقاقات في بنيته.

فالوديعة مرتبطة بالإصلاحات، وهذه الإصلاحات يرفضها غير واحد من أعضاء المجلس الرئاسي، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء؛ الأمر الذي فاقم الصراعات، وأعاد الخلافات الماضية إلى الواجهة، وكل ذلك بسبب الوديعة البنكية، وفق الوكالة العالمية.

> خصومات تؤخر الوديعة

ما قالته رويترز، نقلا عن عدد من المصادر، هو أن الخلافات داخل المجلس الرئاسي الجديد في اليمن تؤخر الموافقة على الإصلاحات اللازمة للحصول على مساعدات مالية تُقدر بـ3 مليارات دولار من السعودية والإمارات، من شأنها أن تساعد في تخفيف أزمة حادة في النقد الأجنبي داخل مركزي عدن.

تفاصيل الوديعة الخليجية، بحسب رويترز، تضمنت تعهدات الرياض بضخ مليار دولار، فيما تعهدت أبوظبي بضخ مبلغ مماثل في مركزي عدن، كما قالت المملكة إنها ستقدم منحة أخرى في شكل مشتقات نفطية ومساعدات تنموية بقيمة مليار دولار أخرى.

الوكالة الدولية نقلت عن مسئولين في البنك المركزي قولهم إن الدولتين الخليجيتين، الشريكتين في التحالف بقيادة السعودية الذي تدخل في حرب اليمن عام 2015 ضد جماعة الحوثي، اشترطتا على السلطات المعترف بها دوليا إجراء إصلاحات تتعلق بإدارة التمويل الخارجي والإيرادات المحلية.

لكن مصدرين حكوميين طلبا عدم الكشف عن هويتيهما قالا إن الخصومات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي تتسبب في تأخير جلسة برلمانية للمصادقة على إجراءات من شأنها أن تسمح للمجلس بالموافقة على تشكيل لجان جديدة لمحاربة الفساد ومراقبة العطاءات.

وخلال تعيين الحكومة اليمنية في العام الماضي محافظا جديدا للبنك المركزي ونائبا جديدا للمحافظ أواخر 2021، أمرت بإجراء مراجعة لحسابات المؤسسة، لم تكتمل بعد، منذ عام 2016 عندما تم نقل البنك المركزي إلى عدن من العاصمة صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون.

> ما الذي يُرعب؟

ويبدو أن التأخير في تنفيذ الإصلاحات أو حتى مراجعة حسابات البنك المركزي منذ تواجده في عدن، تُرعب البعض من القيادات العليا في البلاد، والتي من المؤكد أن لها صلات وارتباطات ببعض أعضاء المجلس الرئاسي التي تمنع المضي في هذه الإصلاحات.

لكن الرعب الذي يقيد كثيرا المجلس الرئاسي في المضي بمهامه تصحيح وضع البلاد سينعكس سلبا على الوضع المعيشي والخدمي العام، والذي هو عبارة عن نتاج طبيعي للتأزم الحاصل في بنية وهيكلة أعلى سلطة حاكمة.

والخلافات في قوام الرئاسي اليمني، لم تكن رويترز هي أول من أظهرها أو تحدث عنها، ولكن ثمة كيانات دولية وإقليمية أشارت إليها، وحذرت من استمرارها وتأثيراتها على كافة المجالات، في ظل تمسك البعض بمنع الإصلاحات أو عرقلة مكافحة الفساد.

وهذا ما عبر عنه الاتحاد الأوروبي عبر سفيره لدى اليمن، غابرييل فينيالس، حين تحدث في اتصال مع عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، داعيا إياه إلى ضرورة الحفاظ على "وحدة المجلس الرئاسي"، وضرورة نبذ الخلافات.

الاتحاد الاوروبي أكد عبر في تغريدة على صفحته بـ"تويتر"، أن اليمن يمر بـ"مفترق طرق حاسم"، في إشارة إلى أنه لا مجال ولا وقت للخلافات، وعلى الجميع استشعار هشاشة الوضع اقتصاديا وعسكريا وسياسيا.

 عدن الغد - القسم السياسي