ثورة الـ 26 من سبتمبر في ذكراها الستين.. مخاطر محدقة ومحاولات لطمسها

يحتفل اليمنيون الاثنين بالذكرى الـ60 لثورة ال26 من سبتمبر، المناسبة التي وصفت بأنها أعظم حدث في تاريخ اليمنيين لما حملته من قيم إنسانية، وحررتهم من قبضة الظلم والاستبداد، المتمثل في الحكم الامامي المتخلف.

 ويحيٌ اليمنيون هذه المناسبة بعد ثمان سنوات من الحرب والصراع والمعاناة، الذي أحرم اليمنيين من كافة الاستعدادات للاحتفال بالمناسبة، ناهيك عن حرمانهم من كل مقومات ثورتهم الخالدة.

 وتتعمد حركة الحوثي تغييب هذه المناسبة، والتقليل من شأنها وتمييعها، مقابل تمجيد ظاهر وواسع لذكرى انقلابها المشؤوم 21سبتمير، ولمناسباتها الدينة الطائفية التي تمجد الحكم السلالي، في مساعي لتطبيع المجتمع على واقع جديد من الخضوع لمشروعها السلالي.

 تجريف 26 سبتمبر

 وكشفت البيانات المستنبطة من موقع وكالة “سبأ” في نسختها الحوثية - أن حركة الحوثي نظمت العام الماضي (1840)  حفلًا خطابيًا لتمجيد يوم مناسبة 21 سبتمبر،، وذلك خلال الفترة 8-27 سبتمبر، منها (349) احتفالًا نسويًا، فيما تكرر تداول أخبار تلك الفعاليات (8900) مرة خلال الفترة نفسها، وتوزعت تلك الاحتفالات بين (189) مديرية في (15) محافظة خاضعة لسيطرتها، إضافة إلى احتفالات المؤسسات الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية، في مشهد جسد مدى الإمعان في قهر المعارضين لها.

بالمقابل، لم يُقم الحوثيون خلال الفترة نفسها، إلا احتفالًا واحدًا بمناسبة العيد الـ59 لثورة 26 سبتمبر تمثل بإيقاد شعلة العيد في ميدان التحرير بصنعاء، وما يرافق ذلك من عرض كرنفالي اعتيادي دون إقامة أية فعالية احتفالية خطابية أو فنية بالمناسبة وفقا لتلك البيانات التي تم رصدها.

 أضف إلى ذلك أن الحوثيين يسعون إلى تكريس مفاهيمهم الطائفية والعنصرية من خلال استحداث العديد من المناسبات الطائفية والاحتفال المبالغ بها سواء لرموز دينيه سابقة ومن ذلك ذكرى مقتل حسين بدر الدين أو والده ويوم الشهيد ويوم الصرخة وأسبوع الشهيد وكذلك المولد النبوي ويوم الولاية وغيرها

ومن خلال البيانات السابقة يمكن القول أن ثورة 26 سبتمبر تواجه مخاطر لم تمر عليها منذ  حصار السبعين 1967، ويمضي الحوثيون منذ ثمان سنوات لمصادرتها من الوعي الجماهيري، زاد من خطورة  تلك المساعي أنها  مسنودة بتحالفات طائفية اقليمية عدوانية لم تكن تتوفر لدى الإمامة السلالية القديمة التي اطاحت بها الثورة.

وخلقت ممارسات حركة الحوثي منذ ثمان سنوات يقينا لدى اليمنيين عن مدى بشاعة الكابوس الإمامي الذي كان جاثما على اجزاء واسعة من البلاد ومدى خطورته على ثورتهم ووطنهم.

26 سبتمبر يصعب تجاوزها

حولت الأحداث الجسام التي يشهدها الشعب اليمني منذ نحو ثمان سنوات ثورة  26سبتمبر إلى عقيدة وطنية، وبقدر ما تتعاظم هذه المهابة للثورة في أوساط الشعب اليمني الرافض للواقع الجديد فهي أيضا تتعاظم لدى خصومها، الذين يرونها كابوسا ويحاولون بشتى الطرق طمس ميراث تلك الثورة.

يقول الباحث والسياسي  فهد سلطان إن حركة الحوثي تدرك مدى ارتباط اليمنيين بهذه الثورة، وحبهم وتقديسهم لها كعقيدة وطنية، لا يجوز المساس بها أو نكرانها، لذلك لم تجرؤ على التصريح بتجاوزها أو التطاول عليها، رغم أن مشروعها مناقض تماما لمشروعهم، وذلك تجنبا لسخط وغضب اليمنيين الذين يرون في المناسبة إرثا نضاليا وحقوقيا ومقوما اساسيا لحياتهم.

وأضاف يبدو هذا الاعتراف المتواضع للحوثيين خلال المناسبات الاجتماعية في صنعاء ومناطق الواقعة تحت سيطرة حركة الحوثي من تمجيد للسلام الوطني وكذلك تمجيد للطير الجمهوري ولثورة سبتمبر.

 وتابع فهد: تشعر حركة الحوثي بحجم الرفض الشعبي العارم لما تسميه ثورة 21سبتمبر، والتي لم تلاق القبول من قبل الشارع اليمني على مدى الثمان سنوات الماضية، وهذا ما يدفعها للمناورة من خلال الاعتراف المتواضع بثورة 26 سبتمبر.

الباحث والناشط السياسي رئيس مركز حضارات للتقدم والتنوير يحيى حمران أشار  إلى أن الحوثيون لا يؤمنوا بغير يوم الغدير ويوم الصرخة وعاشورا، وهم يستثمرون اعتزاز اليمنيين في المناطق التي يسيطرون عليها بيوم 26 سبتمبر مثل ما يستغلوا احتفائهم بمولد النبي وغيره من المناسبات التي يحشدون الناس ويستولون على اموالهم بحجة احيائها.

وأضاف حمران: "الحوثيون يحتفون بيوم 21 سبتمبر لطمس 26 سبتمبر من ذاكرة الأجيال، والدليل على ذلك أنهم أصدروا تعميمآ مؤخرا باعتماد التاريخ الهجري تاريخ رسمي، ومن خلال ذلك يتضح جليا أنهم لن يحتقلون رسمياً وعقائدياً بغير يوم الغدير الذي يعتبرونه يوم ولايتهم.

 سياسة التطويع الحوثية 

 تسعى حركة الحوثي جاهدة إلى تطويع المجتمع الخاضع تحت سيطرتها للاحتفال، وتمجيد مناسباتها الدينية ذات الصبغة الطائفية، بعيدا عن مناسباته الثورية التحررية التي ناضل في سبيلها من أجل الحصول على الحرية والكرامة والعدالة والحكم الرشيد، كمناسبة ثورة 26سبتمبر، وتمثل هذا التطويع في صور ومظاهر متعددة منها المبالغة في مناسباته الدينية الطائفية التي تمجد الحكم السلالي المحصور في البطنين بغطاء ديني كمناسبة يوم الولاية والمولد النبوي، بالإضافة إلى المبالغة في إحياء مناسبة 21سبتمبر 2014 التي يسمونها ثورة، وهو اليوم الذي انقلبت فيه الحركة على السلطة الشرعية والنظام الجمهوري.

 الناشط محمد المقبلي يرى إن مساعي التطويع الحوثية للمجتمع اليمني صعب المنال، ولاقت  صدود ورفض شعبي واسع إلا من نسبة محدودة من النشء والشباب.

 وأضاف المقبلي  إن المجتمع اليمني أكبر من أن يمكن تطويعه أو تدجينه بشكل أو باخر، وسياسة التطويع أو التدجين الطائفي أثبتت فشلها سواء في اليمن أو في البلدان التي وطأتها مشاريع طائغية.

وأشار المقبلي أن الانتفاضات التي شهدتها العراق وغيرها من البلدان العربية والانتفاضة التي  تشهدها ايران هذه الأيام دليل واضح على رفض المجتمعات لهذا النوع من التطويع، وتابع: "في اليمن سيتم التأثير على النشء والشباب إلى مستويات معينه لكن الأغلبية الساحقة من اليمنيين عصية على التطويع أو التجريب لهويتها الدينية والوطنية".

وافقه في ذلك  فهد سلطان بالقول: تشعر الحركة أنها وخلال ثمان سنوات لم تستطيع أن تطبع المجتمع مع انقلابها الذي تسميه ثورة، إذا لا يزال المتجمع اليمني بالكامل يرفض التماهي مع ذلك المشروع ويراه انقلاباً، كما أن الحركة نفسها لم تستطيع أن تخفي مشروعها السلالي الطائفي والامامي والذي يتناقض تماما مع أهداف واحلام اليمنيين ومكتسباتهم وبالتالي جعل الجماعة في عزلة محلية ودولية في نفس الوقت.

واضاف فهد: تحاول الجماعة مرة بالترهيب وأخرى بالترغيب التسلل نحو المجتمع، وتحطيم عدد من الرموز الوطنية، لكنها لا زالت تواجه صدود عنيف ومقاومة عنيفة، مما يجعل مشروعها صعب التطويع والقبول، وأنه عبارة عن جسم غريب ودخيل على المجتمع اليمني بالكامل، وأن الحديد والنار لن يطول، وأنها بغير هذا الأسلوب العنيف لن تستطيع أن تجد لها قبول من داخل المجتمع.

 احتفال بديل للثورة

 المحامي والناشط الحقوقي عبد المجيد صبرة بدوره علق عن مساعي التطويع الحوثية بالقول: يسعى الحوثيون بكل جهدهم لتطويع اليمنيين في المناطق الخاضع لسيطرتهم لنسيان ثورة 26 سبتمبر، أو الاحتفال بها كونها تمثل مناسبة الانعتاق والتحرر من العبودية للطائفة السلالية المقيتة، فلا يقيمون لهذه المناسبة أي وزن أو أهمية سواء كان ذلك في ميادينهم أو منتدياتهم الثقافية أو وسائل إعلامهم بجميع أنواعها، وعلى العكس من ذلك ما يحصل من اهتمام مبالغ فيه في مسمى نكبتهم يوم 21 سبتمبر التي يدرس أبنائنا في كتبهم أنها ثوره تصحيحيه للثورات السابقة، وبالخصوص ثورة  26 سبتمبر.

وتابع صبرة: "بهذا المفهوم فإنهم يولدون قناعة لدى المجتمع للاكتفاء بالاحتفال بهذه الثورة التصحيحية حسب زعمهم، وهذا الانقلاب يجري الاستعداد له على كافة المستويات إعلاميا وثقافيا، ويظهر ذلك من خلال ما يقومون به من حشد الناس للاحتفال بها والعروض العسكرية التي يقومون بها، أضف إلى ذلك أن الحوثيين يسعون إلى تكريس مفاهيمهم الطائفية والعنصرية من خلال استحداث العديد من المناسبات الطائفية والاحتفال المبالغ بها سواء لرموز دينيه سابقه، أو ذكرى مقتل حسين بدر الدين أو والده، ويوم الشهيد، ويوم الصرخة، وكذلك المولد النبوي ويوم الولاية"

 تكريس التطويع

الصحفي والحقوقي المحرر من سجون الحوثيين بدر سلطان يقول إن الحوثي حاول بكل وسائله تكريس سياسة التطويع لنهجه ومشروعه السلالي والطائفي، إلا  أن الناس وعت مشروعه بشكل كبير، معتبرا سياسة التطويع والتجريف الحوثية للقيم  تكشفت وباءت بالفشل،  واشار الى أن الحوثي  يحتفل بمناسباته الدينية فقط  لأنه بغير هذه المناسبات يكون مشروعه العنصري لا قيمة له.

الموقع بوست