مسار الهدنة اليمنية يتعقّد

تُراوح الهدنة اليمنية، منذ بضغة أسابيع، مربّع الجمود، في ظلّ مراوغة الجانب الأميركي الذي تتكاثر الشكوك إزاء نيّته تجديدها وتوسعتها، كما سبق وأَعلن. 
شكوكٌ تُعزّزها محاولة واشنطن ترحيل المطالب الإنسانية، وفي مقدّمها مسألة الرواتب، إلى مفاوضات الحلّ النهائي، ريثما تنتهي هي من تمرير الاستحقاقات الدولية الداهمة.
وفيما تسعى الولايات المتحدة، بوضوح، إلى منْع مزيد من التآكل في خطوطها الحُمر على الساحة اليمنية، تصرّ صنعاء، من جهتها، على تنفيذ جميع بنود الهدنة، مبقيةً على ورقة القوّة حاضرة على الطاولة

وتزايدت، خلال الأسابيع الماضية، الشكوك إزاء جدّية الجانب الأميركي في مسألة تمديد الهدنة في اليمن وتوسعتها. 
ومردّ هذا التشكيك، رفْض واشنطن المطالب الإنسانية المتّصلة بالتهدئة ومحاولتها تجزئتها وترحيل بعضها إلى مفاوضات الحلّ النهائي، خصوصاً منها البند المتعلّق برواتب الموظّفين. 
وفي موازاة هذا الرفض، تمارس الولايات المتحدة كافة أشكال الضغوط على صنعاء، فيما ذهب مجلس الأمن بعيداً في وصفه مطالب صنعاء بـ«المتطرّفة»، على رغم حديثه المتكرّر عن فوائد الهدنة ومنافعها الإنسانية، بدايةً من رواتب المعلّمين والممرّضين، وعلاج المرضى في الخارج، وتأمين المواد الغذائية والمشتقّات النفطية عبر ميناء الحديدة.

في الظاهر، يبدو أن المفاوضات الجارية حالياً بين الجانب اليمني وقوى التحالف، وعلى رأسها واشنطن، اصطدمت بطلب هؤلاء استثناء العسكريين من بند رواتب موظّفي الدولة، بحجّة أن موارد اليمن لا تكفي لدفع هذه المستحقّات. 
ويُعدّ ما تقدّم تبسيطاً للمسألة، إذ تستطيع أيّ دولة من دول الخليج الغنية دفْع المبلغ المستحقّ للعسكريين، على اعتبار أن تمديد الهدنة يصبّ في مصلحتها؛ حتى أن بعضها أبدى بالفعل استعداده للتبرّع بالمبلغ المذكور وبالعملة الصعبة، لتجنّب جولة جديدة من الاقتتال التي لن تكون نيرانها، في حال عدم تمديد الهدنة، بعيدة منهم.
وتجدر الإشارة إلى أن موارد الدولة من النفط والغاز كانت - قبل نقل المصرف المركزي من صنعاء إلى عدن عام 2016 - تغطّي معاشات جميع موظّفي الدولة على امتداد المحافظات اليمنية، إلى جانب موازنات المؤسّسات الرسمية.

ودفعت الظروف المستجدة على الساحة الدولية نتيجة الحرب في أوكرانيا، الولايات المتحدة إلى فرْض نفسها على الساحة اليمنية، بعدما بدأت خطوطها الحمر في اليمن بالتآكل بفعل صمود الشعب اليمني والتقاط قيادته فرصة الوضع الدولي والإقليمي المأزومَين.
 لهذا، تسعى واشنطن، عبر مبعوثها إلى اليمن ومعه المبعوث الأممي، في المفاوضات الحالية، إلى إبطاء تآكل هذه الخطوط التي طالما تمسّكت بها أثناء الحرب، من طريق إغراق المفاوض اليمني بالتفاصيل والإكثار من القيود في محاولة للتمسّك ببعضها. 
ويمكن اختصار الخطوط الحمر الأميركية على النحو الآتي:
1- منع سيطرة صنعاء على الموارد النفطية والغازية.
2- منع صنعاء من تهديد الملاحة البحرية، لا سيما في باب المندب والبحر الأحمر فضلاً عن المنشآت النفطية في دول العدوان.
3- منع تحكّم حكومة صنعاء بالاقتصاد الوطني.
على أن أشهر الهدنة الستة وفّرت فرصة لليمن لإبراز قوّته، من خلال العروض العسكرية وبعض الأنشطة، والتي أريدَ منها توجيه رسائل واضحة بأن صنعاء غير معنية بالخطوط الأميركية الحمر. 
واعترف مسؤولون في الأسطول الخامس الأميركي، لوسائل إعلام خليجية، بأن صنعاء تتمتّع بقدرات باتت تهدّد بنسبة كبيرة البحر الأحمر وباب المندب.
لذا، تَعتبر الولايات المتحدة أن الموافقة على صرْف كامل رواتب موظّفي الدولة من عائدات النفط والغاز، والتي يُفترض أن تُورَّد إلى صندوق خاص، تمثّل خرقاً للخطَّين الأخيرَين.
على أن صنعاء، ومنذ بداية الحرب حتى هذه اللحظة، لم تَحِد عن مطلبها بفصل المسار الإنساني وتحييده عن المسارَين السياسي والعسكري وجعْله أولويّة؛ وهي لهذه الغاية تقود معركة «كسر عظم» و«النفس الطويل» في وجه التحالف، وتتصدّى راهناً للضغوط الدولية بالحجج والقوانين الدولية والإنسانية، مبقيةً على أوراق القوّة مطروحة.
 وهي تدرك أن دول التحالف تسعى، في الوضع الراهن، إلى التحكّم بالوضع الاقتصادي اليمني وإبقائه ورقة ابتزاز في يدها للضغط على صنعاء، بعدما خسرت الرهان على الميدان. 
ومن هنا، تصرّ صنعاء على مطلبها القاضي بصرف معاشات موظّفي الدولة في جميع المحافظات اليمنية، في مقابل مخطّط الرباعية (واشنطن، لندن، الرياض، وأبو ظبي) القاضي بترحيل القضايا الاقتصادية، ومنها رواتب الموظّفين، إلى مفاوضات الحلّ النهائي، بحسب عرّاب هذا الطرح، السفير البريطانى لدى اليمن ريتشارد أوبنهايم.
ونجحت صنعاء في كشف زيف الادّعاءات الأميركية الداعية إلى تمديد الهدنة وتوسعتها، إذ إن جلّ ما تبتغيه الإدارة الأميركية هو السعي إلى خفض التصعيد العسكري لتمرير الاستحقاقات الدولية الداهمة.

الأخبار -  لقمان عبد الله