قنبلة الديون تهدد بنسف الإصلاحات في اليمن

تفاقم الديون السيادية المتراكمة أزمة اليمن ،  في ظل اقترابها، من 10 مليارات دولار، وفق التقديرات الرسمية. 

ولم تسدد فوائد التأخير والأقساط لهذه الديون منذ نحو 5 سنوات، وهو ما يجعل إعادة فتح هذا الملف في حال حصول تغيير في سياسية المقرضين والمبالغة في الفوائد المطلوبة على تأجيل سداد القروض بمثابة "قنبلة موقوتة" تهدد بنسف كل خطط الإصلاحات الاقتصادية وإعادة تصدير النفط والغاز، وعملية إعداد موازنة عامة جديدة للدولة، فضلا عن تعقيد المفاوضات التي كانت جارية منذ بداية العام الحالي في نادي باريس لإعادة جدولة ديون اليمن وإعطاء فترة سماح لعام آخر.

 ويتجه اليمن عبر تشكيل لجنة مختصة إلى حصر ومعالجة كافة الالتزامات المستحقة عليه للدول والصناديق والمؤسسات المالية والمصرفية الإقليمية والدولية.

ويعاني اليمن من ارتفاع في نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بسبب الحرب الدائرة في البلاد من 22% عام 2014، إلى أكثر من 62% حالياً، حسب بيانات رسمية، متأثرا بانكماش النشاط الاقتصادي والتدهور المالي وتهاوي واضطراب العملة المحلية.

ورغم استقرار قيمة الدين العام الخارجي دون 7 مليارات دولار خلال الأعوام من 2014 إلى 2017، إلا أنها ارتفعت بمبلغ ملياري دولار بسبب الوديعة السعودية عام 2018.

وقال مصدر مصرفي مسؤول، إن هناك مناقشات جارية لإقرار وتنفيذ خطة تستهدف حصر ومعالجة الديون الخارجية والالتزامات المستحقة على اليمن بحيث تشمل العام الجاري والأعوام السابقة.

وأقدمت الحكومة اليمنية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على تشكيل لجنة خاصة بحصر ومعالجة الديون تضم الجهات المعنية لإعداد تقرير متكامل يتضمن رؤية وتوصيات شاملة لالتزامات الدولة، ومراجعة ما تم في اتفاقيات تعليق سداد خدمة الدين، واقتراح جدولة الالتزامات بحسب الأولوية مع تحديد الحد الأدنى لسداده منها.

ويأتي ذلك، في ظل الاتجاه نحو دراسة أفضل السبل والمعالجات الممكنة لتلك الالتزامات لضمان المحافظة على استئناف برامج الدعم التنموي والفني وتبادل الدعم السياسي، وتحديد ما يمكن اتخاذه من إجراءات وطرق لمعالجة هذا الملف، للبحث مع الجهات الأكثر أهمية عن الوسائل المتاحة لتخفيف أعباء الدين أو إلغائه أو إعفاء جزئي أو إبطاء وإيقاف نمو الفائدة.

ويعتقد خبراء أن اليمن قد يكون من أكبر الخاسرين في حال توجه المقرضين لاسترداد ديونهم، وقد يؤدي إلى خسارته منشآت اقتصادية استراتيجية كان يعمل على إعادة تأهيلها بعد توقفها وتعرضها لأضرار هائلة بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد، والذي تركز جزء كبير منه في المناطق الغنية بالثروات والموارد العامة، والتي تتواجد فيها كثير من هذه المنشآت التي تشكل عصب الاقتصاد اليمني.

ويرى الخبير المالي والاقتصادي مجدي عامر، أن الديون المتراكمة على اليمن طوال السنوات الماضية والمرحلة من فترة ما قبل الحرب تعد بمثابة قنبلة موقوتة، في حال لم تتم معالجتها قد تؤدي إلى نسف كل ما تعتزم الحكومة تنفيذه من خطط وإجراءات تستهدف إصلاح المنظومة المالية والاقتصادية المختلة في البلاد بفعل الحرب وما أحدثته وتسببت به من أزمات وانقسام مالي ونقدي واسع.

وأجرت المؤسسات اليمنية طوال الشهر الماضي نقاشات معمقة لمختلف التطورات في قطاعات الاقتصاد اليمني وآفاقه المستقبلية مع الصناديق والمؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين.

خلصت النقاشات إلى حاجة اليمن لمزيد من الإجراءات التصحيحية، وما يتطلبه من الدعم المادي والفني للدفع بعملية الإصلاحات والمحافظة على الاستقرار، وتحقيق الأمن الغذائي لقطاع كبير من سكان البلاد، والذي تضرر من آثار الحرب الجارية منذ ثماني سنوات، وضاعفت الحرب في أوكرانيا خسائره في ظل ما سببته من زيادات كبيرة في أسعار الغذاء والوقود، إضافة إلى انخفاض المساعدات الخارجية.

ويعتقد الباحث في مركز الدراسات المصرفية فهد درهم، أن مشكلة الديون المتراكمة على اليمن، والتي تحاول السلطات المعنية التقليل من حجمها وخطورتها، تقف عقبة رئيسية تعرقل استفادة البلاد من المصادر التمويلية الدولية والتسهيلات الائتمانية والقروض والمنح التي تقدم للتخفيف من الصدمات الغذائية، في ظل تمدد أزمة الغذاء بصورة تفوق قدرات المؤسسات الحكومية على مواجهتها.

ويلفت درهم إلى حاجة اليمن لمعالجة كثير من الاختلالات الاقتصادية والمالية والإدارية قبل الإعلان عن الموازنة الجديدة للعام القادم، إذ تحتاج في هذا الصدد إلى مساعدة الجهات والمؤسسات المالية الدولية لإعداد الموازنة وتنظيم القنوات الإيرادية والفنية في الجوانب المالية والنقدية والاقتصادية.

وتطالب المؤسسات والصناديق المالية والتمويلية الدولية الحكومة اليمنية بتنفيذ العديد من الإجراءات للاستفادة من تسهيل صدمة الغذاء البالغ 230 مليون وحدة حقوق سحب خاصة.

وكثفت الجهات الحكومية المعنية في اليمن من تحركاتها خلال الفترة الماضية للحصول على المساعدات الفنية في جوانب إدارة الدين العام والاحتياطيات، واستخدام أدوات الدين لتمويل عجز الموازنة وتعزيز أنظمة الرقابة والإفصاح، ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وأنظمة المدفوعات والنقود الإلكترونية.

تتزامن توجهات الحكومة اليمنية الجديدة مع البدء بإعداد الموازنة العامة للدولة للعام 2023، وذلك بتشكيل لجنة عليا للموازنات العامة للسنة المالية المقبلة، للعمل على إعداد الموازنة وسقوفها التأشيرية على المستويين المركزي والمحلي، وتنظيم الوحدات المستقلة والملحقة والصناديق الخاصة، في ضوء السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية للدولة، وبما يتفق مع تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاستدامة المالية، مع تحديد تقديرات كافة الموارد المالية المتاحة محليا وخارجياً والحد الأعلى لسقوف أبواب الاستخدامات العامة في ظل هذه الموارد.

ويتسم الوضع المالي لليمن بالاختلال العميق والتدهور الشديد، حيث دخلت المالية العامة في أزمة حادة برزت ملامحها في ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع نسبة الدين المحلي نتيجة تراجع الإيرادات العامة بكافة مصادرها، الإيرادات الضريبية وغير الضريبية والنفطية وفائض أرباح المؤسسات العامة.

وفي المقابل، توقفت النفقات الاستثمارية وانخفضت النفقات العامة الجارية إلى أدنى مستوياتها وعدم وفائها بالحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن انقسام المؤسسات المالية والنقدية، وغياب البيانات الموحدة للمالية العامة.

وكان البنك الدولي قد توقع أن تصل مدفوعات خدمة الدين في البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية إلى 62 مليار دولار في عام 2022، لافتاً في تقرير حديث صدر في 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إلى استفحال أزمة الديون التي تواجه البلدان النامية مثل اليمن، وهو ما يتوجب عليه اتباع نهج شامل لتخفيض تلك الديون وزيادة الشفافية بشأنها وتسريع إعادة هيكلتها.

 العربي الجديد - محمد راجح