اليمن في عام 2023.. أمل ضئيل ينتظر البلد الجريح!

منحت الهدنة اليمنيين العاديين خلال العام الجاري فاصلا من دوامة العنف والاقتتال التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. لكن الأطراف المتحاربة رفضت تمديد الهدنة فيما يتوقع أن يشهد العام المقبل مزيدا من أعمال العنف.

لم تحن فرصة إحلال سلام دائم في اليمن خلال العام الذي يقترب من نهايته، رغم بعض الآمال على وقع التوصل لهدنة توسطت فيها الأمم المتحدة بين طرفي الصراع الحوثيين من جهة والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا من جهة أخرى.

جرى الاتفاق على الهدنة الأولية في أبريل / نيسان الماضي واستمرت شهرين وجددت مرتين ما سمح بدخول بعض سفن الوقود إلى ميناء الحديدة وبعض الرحلات الجوية التجارية من صنعاء، بيد أن طرفي الصراع أخفقا في تجديد اتفاق الهدنة لينتهي سريانها في أكتوبر / تشرين الأول.

ورغم هشاشة اتفاق الهدنة، إلا أنها وفرت لليمنيين العاديين فاصلا من العنف والاقتتال إذ ذكرت  الأمم المتحدة  أن البلاد لم تشهد عمليات عسكرية كبيرة لينخفض عدد ضحايا العنف بنسبة 60 بالمائة.

وتجدر الإشارة إلى أن الحرب في اليمن بدأت عام 2014 باستيلاء الحوثيين على شمالي البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء ومطارها الدولي وميناء الحديدة غربي البلاد. وتصاعدت حدة الصراع بعد عام، عندما تدخل التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الحكومة المعترف بها دوليا. وليس سرا أن الحرب في اليمن يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها حرب بالوكالة بين العدوين اللدودين: إيران والسعودية.

وفي أبريل / نيسان الماضي، سلم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي صلاحياته لمجلس قيادة رئاسي مكون من ثمانية أعضاء في خطوة حظيت بمباركة السعودية والإمارات فيما كان من المفترض أن يتفاوض المجلس الجديد مع المتمردين الحوثيين بهدف التوصل إلى حل شامل لإنهاء الحرب في اليمن.

بيد أنه لم يحدث أي انفراجة في مساعي إسكات صوت المعارك في هذا البلد الفقير.

من جانبه، أرجع ينس هيباش، الخبير في الشؤون اليمنية والزميل في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية" ومقره مدينة هامبورغ الألمانية، فشل المفاوضات بشكل رئيسي إلى الحوثيين.

وفي مقابلة مع DW، أضاف "أصبح (الحوثيون) حاليا في وضع قوي بسبب تطور الحرب. كان  الحوثيون  يطالبون بمطالب متطرفة إذ طالبوا على سبيل المثال بأن تُقدم الحكومة المعترف بها دوليا على دفع رواتب القوات التي تقاتل إلى جانبهم في المستقبل وهو الطلب الذي رفضته الحكومة".

الأطراف الدولية

ويرى مراقبون أن أطرافا دولية ساهمت في تأجيج الحرب في اليمن وإطالة أمدها إذ في ديسمبر/ كانون الأول أعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن قوات البحرية الأمريكية اعترضت سفينة صيد في خليج عمان تحمل على متنها أكثر من خمسين طنا من "طلقات الذخيرة وصمامات ووقود للصواريخ" في طريقها إلى اليمن.

وفي سياق متصل، قال هيباش إن تحول الحرب في  اليمن  إلى حرب بالوكالة بين السعودية وإيران يعيق مساعي التوصل إلى اتفاق.

وقد تكبد اليمن خسائر بشرية واقتصادية كبيرة منذ الحرب إذ أفاد الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة في منتصف ديسمبر / كانون الأول بأن أكثر من 11 الف طفل اصيبوا أو قُتلوا منذ تصاعد وتيرة القتال عام 2015.

وقد ذكرت بيانات الأمم المتحدة أن ما يشكل نسبة 1.25٪ من إجمالي تعداد سكان البلاد قد قتلوا بسبب أعمال عنف مرتبطة بالحرب منذ عام 2015 فيما لقى الكثير حتفهم بسبب تفشي الجوع والأمراض في البلاد.

وفي ذلك، ما زال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يصف اليمن بأنها تشهد "أسوأ كارثة إنسانية في العالم" تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا  وما نتج عنه من نقص في الحبوب.

يشار إلى أن اليمن كان يستورد قرابة نصف احتياجاته من القمح من روسيا وأوكرانيا قبل الحرب.

بدوره، قال هيباش إنه من غير المرجح أن يشهد اليمن تغييرات كبيرة خاصة فيما يتعلق بسيطرة الحوثيين في المستقبل، مضيفا "قام الحوثيون بتعزيز قواتهم في مناطق شمال البلاد ولن يتغير في أي وقت قريب. كل ما قام به التحالف بقيادة السعودية لم يسفر إلا عن زيادة نفوذ وقود الحوثيين في نهاية المطاف".

وشدد الخبير في الشأن اليمني على أن الحرب لن تنتهي إلا إذا توقف الأطراف الدولية عن دعم طرفي الصراع.

يشار إلى أن الجهود التي بذلتها السعودية في إلحاق الهزيمة بالحوثيين فشلت في تغيير مسار الحرب، لكنها أدت أيضا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية فيما ذكرت مجلة فورين بوليسي في ديسمبر / كانون الأول أن ما قامت به السعودية أدى إلى نتائج عكسية تمثلت في دفع الحوثيين أكثر وأكثر إلى إيران، الداعم الرئيسي لهم، وهو الذي زاد من قوة الحوثيين العسكرية.

وفي ضوء ذلك، قال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن هذا التطور من شأنه ان يدفع إيران إلى ممارسة مزيد من الضغط على السعودية والإمارات والولايات المتحدة من خلال بوابة الحوثيين.

إيران تحت ضغوط

وقد حاولت مجلة "فورين بوليسي" طرح حل لهذه الإشكالية إذ قالت إنه من الضروري جمع ممثلين عن طرفي الصراع مع ممثلين عن أطراف أخرى مثل الكيانات التي تعمل في  مجال حقوق المرأة  ومنظمات المجتمع المدني.

وأضافت المجلة أنه حتى الآن لم يتم تمثيل هذه الكيانات بشكل جيد في المفاوضات، مشيرة إلى أنه يجب عدم تكرار أخطاء الماضي.

يشار إلى أن إيران تواجه ضغوطا دولية متزايدة بسبب قمعها المظاهرات العارمة عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني خلال احتجازها من قبل ما تُعرف بـ "شرطة الأخلاق" في منتصف سبتمبر / أيلول الماضي.

وكذلك تتعرض إيران لانتقادات بسبب تزوديها روسيا بطائرات بدون طيار وصواريخ وهو الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض المزيد من العقوبات على طهران مع تعثر المفاوضات النووية الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

بيد أن خبراء يرون أنه رغم كل ذلك، فإن مثل الإجراءات لن تدفع إيران إلى إنهاء دعمها للحوثيين ومن ثم سوف تطول أمد الحرب في اليمن ما يعني في نهاية المطاف أن الأمر سوف يستمر شريطة استمرار الحوثيين كوسيلة مجربة ومختبرة من قبل إيران للضغط على المجتمع الدولي.