جولات المبعوث الأميركي إلى اليمن غير مجدية

بدأ المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ جولة دبلوماسية جديدة للقاء قيادات ومسؤولين يمنيين وسعوديين في إطار محاولته تمديد الهدنة المنتهية. لكن التعويل على الجولة لا يبدو كبيراً، خصوصاً أنها تأتي امتداداً لجولات سابقة فشلت حتى الآن في تحقيق أي اختراق في المفاوضات المتعثرة منذ أشهر.

وهذه المرة بدأ ليندركينغ جولته من الأردن، حيث التقى الخميس الماضي المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، وبحثا جهود الأمم المتحدة في الدفع نحو "عملية سلام يمنية شاملة"، وفق ما ذكرت وزارة الخارجية الأميركية على حسابها في "تويتر". 

وكانت الخارجية الأميركية أعلنت، في بيان، أن ليندركينغ سافر، في 3 يناير/كانون الثاني الحالي، إلى الأردن والسعودية لتعزيز الجهود الإقليمية بقيادة الأمم المتحدة من أجل دعم الأطراف في التوصل إلى اتفاق سلام موسع. 

ولفت البيان إلى أن "الولايات المتحدة تحث الأطراف على تسريع مشاركتها مع الأمم المتحدة، فالعمل العسكري يؤدي إلى مزيد من المعاناة، ووحدها التسوية السياسية اليمنية ستحقق السلام المستدام والاستقرار في اليمن".

والخميس الماضي عقد ليندركينغ وغروندبرغ، لقاءين منفصلين مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، فيما أشاد ليندركينغ باستمرار "دعم الحكومة لعناصر الهدنة، والجهود الأممية للتحرك نحو عملية سياسية شاملة من أجل الشعب اليمني والاستقرار الإقليمي". 

من جانبه، قال المبعوث الأممي، عقب اجتماعه مع العليمي، إنهما شددا على أهمية أن "تكون العملية السياسية بقياده يمنية، وسُبل المضي قدماً لإيجاد تسوية شاملة للنزاع". وبدا لافتاً التأكيد على ضرورة أن تكون العملية السياسية "يمنية"، في ظل المفاوضات الثنائية بين الحوثيين والسعودية. 

كما التقى ليندركينغ أول من أمس الجمعة بالسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر. وذكر حساب الخارجية الأميركية، على "تويتر": "يشجعنا الالتزام السعودي بدعم الأمم المتحدة في قيادة جهود السلام في اليمن". وأكدت الخارجية أن الدبلوماسية الأميركية تواصل العمل لإنهاء الصراع وإحلال السلام في اليمن.

يأتي هذا بعد نحو أسبوعين من زيارة وفد عُماني إلى العاصمة صنعاء، لمدة أربعة أيام، التقى خلالها قيادات الحوثيين، ضمن جهود الوساطة في المحادثات الثنائية السرية بين الحوثيين والسعودية خلال الأشهر الماضية. 

وكان رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام أعلن، الشهر الماضي، أنه "منذ انتهاء الهدنة، أجرينا نقاشات ولقاءات مع الطرف السعودي في العاصمة العمانية مسقط". 

ولم تعرف نتائج الزيارة العُمانية إلى صنعاء، إلا أن الحوثيين أعلنوا، عقب انتهاءها، دخولهم مرحلة جديدة في عدم التزامهم بأي وقف لإطلاق النار، فيما سيرت جماعة الحوثيين، يوم الجمعة الماضي، مسيرات في صنعاء، ودعت للتعبئة العامة. 

جولات مكررة للمبعوث الأميركي

ومنذ أغسطس/ آب 2022، أجرى المبعوث الأميركي ست جولات في المنطقة، بدأت عقب آخر تمديد للهدنة الأممية التي انتهت في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وكانت أجندات تلك الزيارات تتمحور حول "مساعدة الجهود الأممية في تأمين توسيع الهدنة وتعزيز جهود السلام في اليمن".

وتشمل زيارات المبعوث الأممي كالعادة الإمارات والسعودية وسلطنة عُمان، حيث يجري لقاءات مع المسؤولين في تلك الدول، وعدد من المسؤولين من الأطراف اليمنية، لبحث ذات الملفات. لكن كل تلك الجولات لم تحقق أي اختراق في الأزمة المتعثرة بين الأطراف المختلفة التي تتمسك بشروطها، لا سيما الحوثيين. 

وتؤكد الحكومة اليمنية خلال اللقاءات المكررة مع ليندركينغ على أهمية دور المجتمع الدولي في ردع تهديدات الحوثيين، وتدخلات النظام الإيراني في الشأن اليمني. وتعبر عن دعمها لتلك الجهود، مطالبة بممارسة الضغوط على الحوثيين من أجل تمديد الهدنة.

في المقابل، يتخذ الحوثيون موقفاً معادياً. وخلال الشهرين الماضيين، بدأوا تصعيد الخطاب ضد تلك التحركات التي يعتبرون أنها معرقلة للمفاوضات الثنائية التي يجرونها مع السعودية في مسقط. 

وفي 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، اتهم رئيس المجلس السياسي للحوثيين (مجلس حكم الجماعة) مهدي المشاط، المبعوث الأميركي، بإفشال التفاوض بشأن الهدنة. وقال: "كانت الأمور وصلت إلى مستوى تفاهم جيد، حتى جاء المبعوث الأميركي إلى المنطقة، وأفشل هذه الجهود". 

ومطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، اتهم عضو المكتب السياسي علي القحوم المبعوث الأميركي بعرقلة جهود تجديد الهدنة. وقال إن "تحركات وتصريحات المبعوث الأميركي منافية للسلام ومعرقلة لتجديد الهدنة"، وذلك عقب دعوة ليندركينع، خلال زيارته عدن، الحوثيين لوقف هجماتهم على مرافئ تحميل النفط.

مفاوضات الأبواب الخلفية

ورأى أستاذ علم الاجتماع السياسي عبد الكريم غانم أنه "في ظل التوتر الذي أحاط بالعلاقات السعودية الأميركية، فضلت الرياض إجراء مفاوضات الأبواب الخلفية على المفاوضات الرسمية، التي كان للمبعوث الأميركي إلى اليمن دور فيها". وأضاف، في حديثه، أنه "بالرغم من تعثر جهود المبعوث الأميركي، إلا أن مفاوضات الأبواب الخلفية لم تتعثر، فهي مستمرة بين صنعاء والرياض بوساطة عمانية إيرانية مشتركة".

وتابع أنه "على الرغم من بطء مسار هذه المفاوضات السرية، إلا أن هناك توافقاً مبدئياً بين طرفي الحوار الرئيسيين حول استمرار سريان الهدنة، وعدم استئناف القتال، لا سيما العابر للحدود. وطالما توقف القتال، وتراجعت فاتورة الحرب، فسير المفاوضات على هذا النحو يبدو مقبولاً من جانب طرفي الأزمة". 

وأشار غانم إلى أن "السعودية، التي تسعى للتخلص من أعباء الأزمة اليمنية، تعتقد أن تهميش دور المبعوثين الأميركي والأممي من شأنه الحد من كلفة التزاماتها الإنسانية تجاه اليمن، لا سيما أن المبعوث الأميركي لا يمسك بخيوط الحل، وليس بيده وسائل ضغط يمكنه ممارستها على الحوثيين، وهو فقط يضغط على التحالف والحكومة اليمنية".

وأعرب عن اعتقاده أن "إحداث حلحلة للأزمة اليمنية يتطلب من التحالف إعادة ترتيب صفوفه، وإنهاء الخلافات القائمة، وما لم يتحقق ذلك سيظل سقف مطالب الحوثيين لتجديد الهدنة والدخول في مفاوضات مرتفعاً، لشعورهم بأن كفة ميزان القوة العسكرية تصب في مصلحتهم".

وسيط بلا ثقة

من جانبه، اعتبر الباحث اليمني عدنان هاشم أن "المبعوث الأميركي لا يحظى بثقة جميع أطراف الحرب في اليمن، وهذا يجعل دوره في الوساطة غير مجدٍ، وخاصة مع توتر العلاقة بين الرياض وواشنطن خلال الفترة الأخيرة". 

وأضاف، أن "الحوثيين أيضاً يرفضون دور المبعوث الأميركي كليّا، لأسباب لها علاقة بأيديولوجيتهم المعادية للأميركيين، والحديث الدائم أنهم يعملون ضدهم، وحتى الأمم المتحدة تخشى من فقدان تأثيرها". 

وتابع: "حتى الحكومة اليمنية لديها موقف من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي شطبت جماعة الحوثيين من قوائم الإرهاب. لذا يُعتبر المبعوث الأميركي بشكل عام بنظر الجميع وسيطاً غير محايد، ويمثل سياسة معينة، ولهذا يفشل في تحقيق أي اختراق".

ياسر حُميد - العربي الجديد