ما الدوافع التي أخافت جماعة الحوثي من حديث الناشطين على السوشيال ميديا؟

تتعامل مليشيات الحوثي مع المجتمع اليمني في مناطق سيطرتها من منظور متباين، إذ تركت الحبل على الغارب، فعندما كان اليوتيوبر مصطفى المومري ورفاقه الذين تحاكمهم الآن بتهم القذف وإقلاق السكينة العامة يدافعون عن الجماعة بشكل غير مباشر ويلمعونها كانت الجماعة الحوثية تتلذذ بحديثهم وكلامهم وهم يقذفون كافة جماهير الشعب دفاعا عنهم لكن عندما بدأوا بانتقاد الفساد وممارسات الجماعة وتجويعها وتعريف الناس بمن يسرق حقوقهم تحت مسميات عدة لم تترك لهم الجو كما يحلو لهم بل زجوا بهم في السجن وبدأوا بمحاكمتهم في صورة أظهرت حقيقة الحوثيين نحو شعب بأكمله فما يهم الحوثيون هو أن يظل الشعب تائها عن المسار الصحيح ومتعاميا عن حقوقه وحريته.

يوم الاربعاء الماضي بدأت محاكمة مؤثرين يمنيين على منصة "يوتيوب"، في صنعاء واتهموا بـ"إذاعة أخبار كاذبة وتحريض الناس على الفوضى"، بحسب وثائق قضائية نشرها الحوثيون.

وكانت سلطات الحوثيين أوقفت الشهر الماضي كلاً من أحمد حجر ومصطفى المومري وأحمد علاو وحمود المصباحي وهم من مشاهير التواصل الاجتماعي.

ويحظى المومري، بشعبية واسعة في اليمن ويتابعه أكثر من مليونين على قناته في "يوتيوب"، أما علاو (32 سنة)، فهو معلق رياضي ولديه أكثر من 800 ألف متابع على قناته، فيما يتابع حجر (43 سنة) أكثر من 243 ألف شخص.

وبحسب وثيقة الادعاء، اتهم النشطاء الثلاثة بأنهم "أذاعوا أخباراً وبيانات وإشاعات كاذبة ومغرضة بقصد تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة" عبر قنواتهم على "يوتيوب".

واتهموا أيضاً بأنهم "حرضوا الناس على الفوضى والخروج إلى الشوارع واقتحام الوزارات وشل وظيفتها بما يؤدي إلى خدمة العدوان المستمر في حربه على اليمن". ووجهت إلى شخص رابع تهم تقديم المساعدة لأحد النشطاء و"تنسيق محتويات الفيديوهات".

> مافيا (الباص)

واعتبر مراقبون، واقعة الاعتقالات الأخيرة التي تمت من دون استدعاء رسمي، إذ تمت بأسلوب جديد بواسطة حافلة ركاب صغيرة "ميكرو باص" مجهولة بلا دلالة رسمية باللون الأسود، وليس بالأسلوب التقليدي المتعارف عليه المتمثل في إرسال مصفحات وأطقم محملة بمسلحين ملثمين بلباس عشوائي هجين بين المدني والعسكري.

فعقب أيام من ظهور تعليقات غاضبة من الفنان أحمد حجر، تتبعته الحافلة الصغيرة مع دوريات عدة في الحي الذي يسكن فيه، وباشرت باعتقاله منذ ذلك الحين، ما شجع بقية النشطاء للحذو حذوه تضامناً معه، فتوالت حلقاتهم اللاحقة تنتقد سياسات الميليشيا من قطع المرتبات والاعتقالات وغيرها.

إذ قدم الإعلامي أحمد علاو وحمود المصباحي ومصطفى المومري انتقادات لاختطاف حجر وطالبوا بالإفراج عنه، بل وعبروا عن خشيتهم صراحة من "الباص الحوثي الأسود" إياه، فحدث أن تم اعتقالهم بالتوالي بالطريقة ذاتها من الأحياء التي يعيشون بها في العاصمة صنعاء.

> الوجه الحقيقي

وأخيراً تزايد السخط الحوثي من انتقاد النشطاء والمجتمع وتفشي الجوع والأمراض في المناطق التي تسيطر عليها في ظل رفضها صرف مرتبات المواطنين وتوفير الخدمات العامة والضرورية وقمع الحريات العامة.

يقول رئيس منظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي، إن هناك "حال عداء حوثية منفلتة مع كل صوت مخالف على رغم أن المعتقلين يعيشون تحت سيطرتها وروجوا لها فترة من الزمن، إلا أن استخدامهم لحقهم في انتقاد الأوضاع الاقتصادية والانحياز استفز المليشيات".

ويعبر الحميدي عن خشيته على حياة النشطاء المعتقلين، بناء على ثلاث نقاط رئيسة كشفت عنها طريقة التعامل معهم، وهي أن "الحوثيين لفقوا لهم التهم ذاتها التي بسببها أحيل الصحافيون العشرة للمحاكمة قبل أسابيع وحكم عليهم بالإعدام بسببها".

والثانية تمت محاكمتهم "أمام نفس المحكمة الاستثنائية المتخصصة في الجرائم الكبرى التي حوكم فيها الصحافيون العشرة، وصدرت بحقهم أحكام إعدام".

أما الثالثة وفقاً للحميدي، فهي أن هذه المحاكمات "سبقتها ورافقتها حملة إعلامية حوثية ضد الإعلاميين بدأها زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي الذي ألقى خطاباً تلفزيونياً وصف فيها الحركة بأنها مؤامرة وقحة ودنيئة وفوضوية، إضافة إلى كثير من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي التابعين للميليشيا الحوثية الذين قالوا ان هذه المحاكمة ستكون عبرة لمن تسول له نفسه مجرد انتقاد الجماعة.

أما اصيل السقلدي  فقال إن الأسباب التي جعلت الحوثي يتجه نحو تكميم الأفواه ويحاكم ناشطين ومؤثرين على السوشيال ميديا في مناطق سيطرتها هي أن مليشيا الحوثي تخشى على نفسها من الغضب والغليان الشعبي الذي شهدته إيران (الحليف الكبير والداعم للحوثيين).

وقال إن مليشيا الحوثي أهون وأضعف من إيران وتسابق الاحداث وتتجه نحو تكميم الأفواه الصامتة خشية أن تنطق الحقيقة وترفض الظلم الجائر عليها من أدوات إيران في اليمن.

> إلى مقصلة الموت

وكشفت إحصائية دولية عن جانب من الممارسات التي تنتهجها المليشيات الحوثية إزاء معارضيها وكل من يخالف نهجها أو تشك في ولائه، بإصدارها نحو 350 حكماً بالإعدام في حق مئات المعارضين السياسيين لها منذ انقلابها عام 2014 بتهم تعسفية ذات دوافع سياسية.

وقال "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" في بيان، إن جماعة الحوثيين منذ سيطرتها على صنعاء "أصدرت نحو 350 حكم إعدام في حق سياسيين ونشطاء معارضين وصحافيين وعسكريين، نفذت 11 حكماً منها في الأقل".

وفي حين لم يصدر عن الحوثيين أي تعليق رسمي حول الحكم، قالت الحكومة اليمنية، إن "أوامر الإعدام التي أصدرتها ميليشيات الحوثي في حق 16 من أبناء محافظة صعدة، الرافضين الانقلاب والمناهضين لأفكارها المتطرفة وممارساتها الرجعية، هي عمليات تصفية جماعية لمعارضيها السياسيين".

كما تعد الأوامر بالقتل، "امتداداً لأعمال القتل والإرهاب الذي تمارسه مليشيات الحوثي في حق اليمنيين منذ نشأتها في معقلها مران بمحافظة صعدة، شمال اليمن".

وتعتقل سجون الجماعة الآلاف من الناشطين والسياسيين والأكاديميين والإعلاميين والفنانين والطلاب والنساء في سجونها بصنعاء والمحافظات الأخرى التي تسيطر عليها، في سابقة لم يعهدها التاريخ اليمني، بعد أن جرى اختطافهم من منازلهم أو أماكن أعمالهم، ويتعرضون فيها للتعذيب النفسي والجسدي ولاستجواب غير إنساني، وهو ما تسبب في قتل العشرات منهم تحت التعذيب، وفقاً لإفادات معتقلين سابقين مفرج عنهم أوردته تقارير حقوقية وأممية.

> إدانات واسعة

برغم تماهي الناشطين المؤثرين مثل المومري على وجه الخصوص  في الفترة السابقة مع توجه الحوثي إلا ان هناك ادانات واسعة من كل منظمات حقوق الانسان ومسؤولين يمنيين وادانات عربية واسعة جراء السلوك المليشياوي للحوثيين بحق ناشطين عبروا عن سخطهم بالكلمة.

حيث أدانت منظمة ميون لحقوق الإنسان قيام مليشيات الحوثي محاكمة ناشطين بسبب انتقادهم الفساد المتفاقم عبر قنواتهم الشخصية.

وقالت المنظمة في بيان صادر أمس الأول  إن "سياسة تكميم أفواه الصحفيين والناشطين على شبكة الانترنت بحملات اعتقالات جماعية خارج القانون وإجراء محاكمات جماعية صورية بتهم ملفقة يعد انتهاكا سافرا لحرية التعبير في اليمن".

وعبرت ميون عن استنكارها ما ورد في عريضة الاتهامات الموجهة لــ(اليوتيوبرز) في أولى جلسات محاكمتهم؛ طالبت مجلس حقوق الإنسان ومكاتب المنظمات الأممية العاملة في اليمن بإدانات صريحة لهذه الممارسات القمعية.

وشدد بيان المنظمة على أن "المجتمع الدولي معني باتخاذ إجراءات حازمة لإيقاف هذه المحاكمات الهزلية وضمان عدم تكرارها".

وأدان معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة، بأشد العبارات قيام مليشيا الحوثي بمحاكمة 4 من مشاهير التواصل الاجتماعي بتهم كيدية ملفقة بعد اسبوعين من اختطافهم واخفائهم قسريا ًعلى خلفية انتقادهم لفسادها والاوضاع المعيشية الصعبة في مناطق سيطرتها.

واوضح معمر الارياني في تصريح لوكالة الانباء اليمنية (سبأ) أن تلك المحاكمة الصورية في محكمة غير قانونية امتداد لأعمال القمع والتنكيل الذي مارسته مليشيا الحوثي بحق الاعلاميين والصحفيين منذ انقلابها، وجرهم للمحاكم وإصدار أحكام اعدام بحقهم، بهدف ارهابهم وتكميم أفواههم، ومنعهم من نقل الحقائق، والتغطية على الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها بحق المدنيين‏.

حقوقيون أكدو ان هذه الأعمال الاجرامية لن تنجح في إخماد دعوات الانتفاضة الشعبية في وجه المليشيا التي صادرت كافة الحقوق والحريات، ومارست ولا تزال سياسات الافقار والتجويع بشكل ممنهج بحق المواطنين، واعادت اليمن عقودا للوراء، وتحاول عزله عن محيطه العربي والدولي، ورهنه ورقة للابتزاز والمساومة‏.

يقول البعض إن مشاهد المحاكمة التي تمت في صنعاء هي مجرد مسرحية بين المشاهير والجماعة الحوثية هدفها الأول امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد ضد الجماعة وممارساتها العنصرية.

عدن الغد - القسم السياسي