زيارة طارق صالح إلى تعز: تقارب تفرضه المصالح

بعد أكثر من عن عقد من القطيعة بين محافظة تعز وأسرة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، جاءت زيارة عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق محمد صالح إلى مدينة تعز المحاصرة، يوم الأربعاء الماضي، لتثير ردود فعل متباينة وتفسيرات مختلفة للأهداف التي يرجوها صالح من حراكه، إضافة إلى ما تسعى نخب المدينة لتحقيقه من هذا الانفتاح.

وخلال عقد من الزمن، تغيّر الكثير على الخريطة اليمنية سياسياً وعسكرياً، ومثّلت خلاله تعز محور الفعل السياسي لموقعها الجغرافي، وكثافتها السكانية، ناهيك عن دورها في انتفاضة 2011 ضد حكم عم طارق صالح، علي عبد الله صالح. ولا يمكن بالطبع إغفال دورها العسكري وصمودها في وجه الآلة العسكرية الحوثية الضخمة التي قدمت من صنعاء عقب انقلاب 2014 وما زالت تحاصر المدينة، وصمودها لاحقاً في مواجهة الضغوط من قبل أطراف في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتحالف المساند لها.

هذه المقوّمات دفعت طارق صالح إلى بذل جهود كبيرة، منذ خروجه من صنعاء بعد مقتل عمه على يد الحوثيين عام 2017، واستقراره في مديرية المخاء الساحلية المطلة على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، في سبيل "فك العقدة" مع تعز، التي صمدت وحافظت على مركزها على الرغم من تعدد الخصوم. وسعى صالح لتحقيق التقارب مع المحافظة الحيوية بالنسبة لقواته المتمركزة على ساحلها الغربي.

وخلال السنوات الماضية جرت سلسلة خطوات للتقارب الحذر بين طارق صالح وشخصيات فاعلة على الأرض من حزب الإصلاح والفصائل الأخري، أبرزها لقاؤه بمستشار قائد محور تعز العسكري والشخصية القوية العميد عبده سالم، في منطقة التربة بريف تعز الجنوبي في يوليو/ تموز الماضي، وهي المنطقة التي كانت مسرحاً لصراع سابق بين الطرفين.

إضافة إلى ذلك، يرتبط طارق صالح بعلاقات وثيقة مع محافظ تعز نبيل شمسان، والذي سبق أن زار مديرية المخاء وميناءها المهم أكثر من مرة، وعقد لقاءات بمسؤولي المديريات الغربية الواقعة ضمن نفوذ طارق صالح.

تقارب الضرورة بين صالح ونخب تعز

بالنظر إلى الظروف الراهنة في اليمن، فإن تقارب طارق صالح من تعز بما تمثله من حضور وما فيها من نخب سياسية، يمثّل ضرورة فرضتها السياسة والجغرافيا، وهو تقارب تلتقي عنده مصلحة الطرفين وربما أطراف أخرى من ورائهما.

 فصالح ما زال يبحث عن نفوذ يتخطى منطقة المخاء التي يشعر أنها باتت أضيق من طموحات عضو في مجلس الرئاسة من جهة، ومن جهة أخرى تحتاج المدينة إلى مشاريع ضرورية لاستمرار الحياة فيها، تعجز سلطة المحافظة عن تمويلها لشح الموارد، فأهم مصادر الإيرادات كميناء المخاء تحت سيطرة صالح نفسه، والمصانع والشركات في منطقة الحوبان تحت سيطرة الحوثيين.

كما أن الزيارة تأتي "في إطار التفاهمات داخل مجلس الرئاسة، ويبدو أن طارق صالح يريد الانفتاح على تعز، وتعز تريد الانفتاح عليه، وذلك في إطار ترتيب بيت الشرعية"، ويتوقع أن تكون الزيارة قد "تمت بعلم دولة الإمارات، فصالح لن يتحرك إلا بعلمها، باعتبار أنها هي التي تموّل له مشاريعه".

كما أنها خطوة تصب في صالح الجميع، فطارق صالح معزول في المخاء، وبغياب مجال حيوي في تعز تظل المخاء مهددة، ومن مصلحته كما من مصلحة الإمارات الانفتاح على تعز كمجال حيوي يؤمّن المخاء والممرات المائية أيضاً ومضيق باب المندب"، ويتابع: "كما أن من مصلحة النخبة السياسية في تعز أن تنفتح على طارق صالح والإمارات باعتبار هذا الانفتاح سيموّل لها مشاريع ويخفف عنها الحصار، كطريق الكدحة - تعز".

حيث أن تعز عانت كثيراً جراء الحصار المفروض عليها من الحوثيين، وأيضاً من الحصار من قبل الشرعية والتحالف، وهذا الانفتاح يصب في مصلحة الجميع، ويعطي مجالاً حيوياً لطارق صالح المعزول في الساحل، وأيضاً يعطي دعماً كبيراً لتعز المحاصرة في المرتفعات الجبلية، بالتالي مصلحة الجميع تلتقي عند هذه النقطة".

رسائل زيارة صالح إلى تعز

خلال زيارته إلى تعز، اصطحب طارق صالح معه وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي. والأخير إضافة إلى كونه من أبناء تعز، فإن حضوره رسالة للمدينة التي تعاني من شح المياه بأن الضيف جاء بالخير. كما وضع طارق صالح حجر الأساس لمشروع حفر 10 آبار، وبدا في خطابه كمرشح انتخابات يصرف المزيد من الوعود: نعمل الخير الكثير بدعم المجلس الرئاسي... تدشين مشروع المياه... المساهمة في كسر الحصار... إنشاء المطار الذي سيخدم تعز والمحافظات. العديد من المشاريع التي يتم تنفيذها في كل المحافظات سيكون لتعز نصيب منها... تشغيل محطة المخاء الكهروحرارية وربط تعز بالكهرباء.

سياسياً، حاول صالح أن يركز حديثه على مكانة تعز وتاريخها وضرورة تحرير المحافظة من جماعة الحوثي التي "تكره تعز وتحاصرها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً لإدراكها أن تعز هي الثورة والحرية، وأن التحرير لا يبدأ إلا من تعز"، وفق قوله، ومع إشارته تلك، لم ينسَ أن يعترف ضمنياً بالخطأ: "كلنا نخطئ ولازم نعترف"، في مسعى لتصفير الخلافات.

وأكد صالح في خطابه على مسألة توحيد الصف، فـ"الجميع هدفهم تحرير صنعاء من عبث المليشيات المرتهنة لإيران والتي تعمل على تجريف الهوية اليمنية وتسعى لاجتثاث كل أبناء اليمن، ونحن ليست لدينا معارك جانبية ولن تكون لدينا معارك جانبية"، وأضاف: "لا بد أن نكون صفاً واحداً وكلمة واحدة لتحقيق الانتصار على المليشيات التي تتغذى على خلافاتنا وتستفيد من زراعة الفرقة والحملات والعداء والتناحر، وبتوحدنا سنهزم المليشيات ونخلص الوطن من شرها".

ردود فعل متباينة

تباينت ردود الفعل حول زيارة طارق صالح لتعز، وكان على رأس المرحبين رئيس مجلس النواب (القسم الموالي للحكومة) سلطان البركاني، وهو ابن محافظة تعز ومقرب من أسرة صالح، والذي اعتبر الزيارة "عملاً بطولياً رائعاً ومقدّراً". كما بدا محافظ تعز أكثر الحاضرين في مجلس لقاء صالح سعادة بالمناسبة.

من جهة أخرى، يرى مراقبون أن الزيارة قد تثير حساسية رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، والذي يتحدر من تعز أيضاً، ولا يرغب أن يكون صالح صاحب نفوذ في مدينته.

من جهته، رحب حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، الأوسع نفوذاً في المدينة، بالزيارة عبر رئيس الدائرة السياسية للحزب في المحافظة أحمد عبد الملك المقرمي، الذي حضر اللقاء مع صالح، وقال في تصريح متلفز بثته قناة "سهيل" المقربة من الحزب: "نحن نعول على مثل هذه الزيارات في وحدة الصف واتحاد الكلمة، ولا نريد أن يتشظى اليمن إلى مقاطعات ومناطق نفوذ تكون متصلة بشخص ما أو بعضو ما، وإنما نريد أن تكون اليمن كلها في إطار الجمع والكل والوحدة والاتحاد".

وتابع: "مثل هذه الزيارات لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي نريدها أن تعمل بصف واحد وبجهود متلاحمة مع رئيس المجلس وأن تكون جهود الجميع في اتجاه تحرير الوطن بشكل عام وإسقاط مشروع الكهنوت الحوثي المدعوم من إيران".

وتعكس تصريحات المقرمي، وفقاً لمراقبين، مقاربة حزب الإصلاح الذي لا يريد لتعز أن تكون مجالاً لصراع النفوذ بين الأقطاب المختلفة، وأن تكون الأولوية فيها للمعركة ضد الحوثيين ومن ثم رفع المعاناة عنها.

شعبياً تباينت ردود الفعل حول الزيارة، إذ كانت محل ترحيب الكثير من اليمنيين من سياسيين وإعلاميين وناشطين على مواقع التواصل باعتبارها خطوة نحو توحيد مكونات مجلس القيادة والحكومة في مواجهة جماعة الحوثيين.

في المقابل، يبدو أنه على الرغم من الصفة الرسمية التي أصبح طارق صالح يملكها ومغازلته تعز في خطابه وحديثه عن خدمات ومشاريع تنموية، إلا أن الكثير من النشطاء أعادوا التذكير بمواقف صالح السابقة ونشر صوره إلى جوار القيادي العسكري الحوثي عبد الله الحاكم (أبو علي الحاكم)، وصور أخرى من دورات تدريب القناصة التي كان يقيمها إبان تحالفه مع الحوثيين في صنعاء، مشيرين إلى أن القناصين ما زالوا يحاصرون المدينة ويوقعون الضحايا بشكل شبه يومي.

نايف القداسي