ما هي فرص تحقيق السلام في ظل الوضع الراهن؟

رغم الفشل الذي فرضته مليشيات الحوثي على مفاوضات السلام مع السعوديين في العاصمة صنعاء، إلا أن المفاوضات يبدو أنها في طريقها إلى الاستئناف مجددًا، ليس لأن الحوثيين يريدون استئنافها، ولكن لأن العالم والإقليم يسعى إلى سلام حقيقي في اليمن، لا يمثل هدفًا بالنسبة لمليشيات الحوثي.

فالحوثيون لا يأبهون بأية جهود لتحقيق السلام في اليمن، ولا ينظرون إلى تلك الجهود إلا بأنها مجرد أداة للابتزاز السياسي بحق المجتمعين الإقليمي والدولي، وفرصة لإطالة أمد حالة اللا سلم واللا حرب المسيطرة حاليًا على المشهد اليمني، واللعب على الاستقرار النسبي وتبعاته الإنسانية الذي يتمسك به الجميع باستثناء الحوثيين.

وهو ما أكدته أسابيع الجولة الأولى من المفاوضات في صنعاء والتي سبقت عيد الفطر الماضي، ولم تفضِ إلى أية نتائج ملموسة، كان متوقعًا الإعلان عنها أواخر شهر رمضان، غير أن السعوديين اكتفوا خلال تلك الفترة بإصدار بيان تحدثوا فيه عن النقاط التي دارت حولها المفاوضات، دون تحقيق أي تقدم يذكر، لسبب وحيد تركز حول تعنت الحوثيين واشتراطاتهم المبالغ بها.

حينها أنهى السعوديون الجولة الأولى من المفاوضات في صنعاء قبيل عيد الفطر، ببيان طغت عليه الصبغة الدبلوماسية، لم يشيروا فيه إلى ذلك التعنت الحوثي ومطالبهم غير الواقعية، ربما بسبب رغبتهم في استمرار التفاوض وآمالهم بإمكانية استجابة المليشيات لجهود السلام.

غير أن تقارير إعلامية دولية كشفت خلال الأيام الماضية عورات الحوثيين وغاياتهم في إفشال المفاوضات رغبةً منهم في رفض السلام والإبقاء على حالة الصراع والحرب التي تخدمهم أكثر من سلامٍ سيكون بمثابة النهاية بالنسبة لهم، وهم يدركون ذلك ويستوعبونه.

ولهذا لم تخرج الجولة الأولى من مفاوضات صنعاء بأي جديد، ولم يكتب لها الخروج باتفاق سلام بين السعوديين والحوثي، لا يدري أحد ما  مصيره أو أين ذهبت مآلاته، سوى أن التزمت الحوثي والتعنت الممارس أثناء المفاوضات واشتراطاتهم التعجيزية، خاصة فيما يتعلق بصرف المرتبات هو ما منع إنجاز اتفاق سلام كان مقررًا الإعلان عنه أواخر شهر رمضان الماضي.

ولعل في التعنت الحوثي ما أجّل عملية التفاوض وتم ترحليها إلى ما بعد عيد الفطر، وهو ما يجري الترتيب له حاليًا وفق تقارير إعلامية عربية ودولية كشفت عن استئناف المفاوضات بين الرياض وصنعاء، بوساطة عُمانية ورعاية أممية، كما جرت العادة.

> عودة واستئناف المفاوضات

استئناف جولة جديدة من المفاوضات بين السعوديين والحوثيين في صنعاء نقلته تقارير صحفية خليجية، بعد تأكيدات من مصادر يمنية تحدثت عن عودة قريبة للوفدين السعودي والعماني إلى مدينة صنعاء؛ لاستكمال المفاوضات التي توقفت نهاية رمضان الماضي دون الخروج بتفاهمات حقيقية، حيث من المقرر البدء بجولة ثانية من المفاوضات، يتم حاليًا إجراء الترتيبات اللازمة لذلك.

ورغم توقعات المراقبين والسياسيين اليمنيين باستئناف المفاوضات مجددًا في صنعاء، من خلال جولة جديدة، توقعوا أيضًا بأن تشهد هذه الجولة تجاوز جميع الخلافات والعوائق التي تقف عائقًا أمام إعلان هدنة مستدامة كما كان مرتباً له في الجولة الأولى من المفاوضات، وبدء الخطوات التمهيدية من خارطة الطريق المرسومة للسلام والحل النهائي في اليمن، بناءً على المبادرة السعودية.

حيث تتضمن المبادرة السعودية وقف إطلاق نار شامل، وفتح مطار صنعاء، وموانئ الحديدة، وصرف مرتبات الموظفين، وإطلاق جميع الأسرى "تصفير السجون"، وفتح الطرق والمعابر، وبدء مشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة، وهو ما كان مقررًا أن يتم في نهاية الجولة الأولى، غير أنه تأجل إلى الجولة الجديدة.

لكن ثمة ما قد يعرقل كل مبادرات السلام هذه، وينسف جهود التسوية المنشودة والمرتقبة، وذلك يكمن في استمرار الرفض الحوثي لكل ما من شأنه إيقاف الحرب وتحقيق سلام شامل يحفظ ما تبقى من دولة في اليمن، ويصون كرامة اليمنيين التي بعثرتها حروب المليشيات الرافضة لكل جهود التهدئة.

الأمر الذي يجعل من فرص السلام في ظل هذا التعنت الحوثي أمرًا صعبًا وسط هذا الفكر المليشياوي الرافض لكل الفرص حتى الآن، وهي حقيقة متجذرة في الثقافة العميقة لدى الحوثيين، تنعكس على سلوكياتهم المتمردة ذات النزعة الدموية، وهو ما تنبهت له الدوائر السياسية الغربية التي بدأت بالفعل تتململ من الممارسات الحوثية تجاه جهود السلام.

لكن هذا التنبه الذي كشفت عنه عدد من الجهات الدبلوماسية الغربية، جاء متأخرًا بعد أن حذر منه اليمنيون من الساسة والإعلاميين والمراقبين منذ سنوات، إلا أن المجتمع الدولي مضى في سياسة التماهي مع تعنت ورفض الحوثيين للسلام خلال السنوات الماضية؛ ما أدى إلى إطالة أمد الحرب وتكليف اليمنيين ثمنًا غاليًا من دمائهم ومعاناتهم وسنوات عمرهم.

ولعل استئناف المفاوضات في صنعاء خلال الأيام القادمة قد يأتي بجديد، بعد تنبه الدوائر الدبلوماسية الغربية لهذا التعنت، والتوجه للضغط على المليشيات ودفعهم للاستجابة لمطالب السلام، وهو ما تجلى في اللهجة المغايرة لعدد من السفراء الغربيين تجاه تصرفات الحوثيين، واتهامهم بالتورط بفشل كل محاولات وجهود السلام في اليمن.

> الحوثيون.. وإفشال فرص السلام

ردة فعل المجتمع الدولي على تصرفات وسلوكيات الحوثيين المعرقلة لجهود السلام، عكستها التصريحات الأخيرة للسفير الفرنسي لدى اليمن الذي اتهم الحوثيين بوضع عراقيل أمام التسوية السياسية، وهو رأي ليس مقتصرًا على فرنسا فقط، والتي لا يمكن أن تُعبر عنه بمنأى عن حلفائها في بريطانيا والولايات المتحدة والمعنيين بالملف اليمني.

حتى أن سفيري لندن وواشنطن تحدثا خلال الأيام الماضية، قبل وبعد تصريح السفير الفرنسي بشأن عرقلة الحوثيين لعملية السلام، عن مثل هذا التوجه في مسئولية مليشيات الحوثي بإفشال جهود السلام في اليمن، رغم الكم الهائل من التنازلات التي يقدمها التحالف العربي والشرعية اليمنية، وهو ما يؤكد أن العالم ضاق ذرعًا بسلوكيات الحوثيين هذه.

خاصةً وأن لهجة السفير الفرنسي لدى اليمن كانت قوية وهو يتهم الحوثيين بتفويت ما وصفها بـ"الفرصة التاريخية" لتحقيق السلام في اليمن، مؤكدًا أن الحوثيين هم من يضع العراقيل لكل جهود التسوية، وهو أمر كان الجميع يدركه غير أنهم كانوا يُفضلون اتخاذ موقف محايد حتى لا تنهار عملية السلام، لكن الممارسات الحوثية فاقت كل محاولات الحياد؛ ما جعل من مواجهتهم ومكاشفتهم والإفصاح عن الجهات المسئولة عن العرقلة والمتمثلة بالحوثيين أمرًا لا بد منه.

الدبلوماسية الغربية والدولية بدأت تصف الحوثيين بأنهم "أعداء أنفسهم" مستبعدةً وجود معتدلين في صفوف مليشيات الحوثي، وهي نعوت توصف بها المليشيات لأول مرة منذ عام 2015، ولم يقف الأمر عند هذا المستوى، ولكن المجتمع الدولي تحدث لأول مرة أيضًا عن وجود تململ شعبي تجاه ممارسات الحوثيين، وخاصة ما يتعلق بنهب الإيرادات وتضييق الحريات، وزيادة معاناة الناس بحرمانهم من مرتباتهم ومصادرة ثرواتهم.

هذه التصريحات تؤكد أن العالم يقف إلى جانب جهود الرياض ومسقط ووساطتهم لحل الأزمة في اليمن، وذلك ضد تعنت ورفض الحوثيين لكافة عمليات وجهود التسوية السياسية، بل وحتى أكاذيب المليشيات التي تحاول إظهار نفسها بأنها حريصة على السلام بينما هي تماطل لإدراكها أن السلام ليس في صالحها أبدًا.

ويعتقد مراقبون أن هذا التحول في لهجة الغرب تجاه الحوثيين، من شأنه أن يُسرّع في التوصل إلى سلام حقيقي، باعتبار أن هذه اللغة تمثل ضغطًا إضافيًا على المليشيات للاستجابة للوساطة السعودية والعمانية التي تسعى إلى إحلال السلام في اليمن، ما يبشر بنتائج إيجابية لمستقبل الجولة الجديدة من مفاوضات صنعاء، بعد هذه الضغوط الأخيرة على الحوثيين.

> عوامل مؤثرة على المفاوضات

من المؤكد أن المفاوضات التي ستُستأنف بين السعوديين والحوثيين في صنعاء ستفضي إلى تسوية حقيقية للصراع في اليمن، وذلك عطفًا على العديد من العوامل المؤثرة والمساعدة في تحقيق هذه الغاية.

ومن تلك العوامل المؤثرة والمساعدة، تغير لغة التعامل مع الحوثيين، واللهجة الشديدة للدبلوماسيين الغربيين تجاه تعنت الحوثي؛ عطفًا على تغير المشهد الدولي وتأثيرات الملف اليمني بهذا التغير الذي انعكس حتى على ما يحدث في جنوب اليمن، والذي شهد هو الآخر تغيرات جذرية عاشها الجنوب خلال الأسبوع الماضي، من خلال توحيد جبهته وغاياته عبر مكوناته وفصائله المختلفة.

هو عامل مهم من عوامل فرض السلام في اليمن، كما أنه مؤشر حقيقي على التمهيد لتسوية سياسية رآها الجنوبيون آتية لا محالة ولهذا سعوا إلى توح صفوفهم، غير أن هذه المؤشرات والعوامل أثارت حفيظة الحوثيين، الذين رأوا فيها إجراءات وترتيبات لفصل جنوب اليمن عن شماله، ومن المؤكد أن تطورًا كهذا سيؤثر على مآلات ومصير مفاوضات صنعاء وجهود السلام في هذا الإطار.

وعوامل كهذه يمكن لها أن تكون سلاحًا ذا حدين، الحد الأول منه يكمن في التسريع نحو عملية السلام، بما يتوافق مع رؤية الخارج لمستقبل شكل الدولة في اليمن والذي من المؤكد أنه سيكون فيدراليًا اتحاديًا. ينتهي بإقليم شمالي بيد الحوثيين، وأقاليم أخرى جنوبًا وشرقًا بيد الانتقالي وباقي مكونات الشرعية، وهو ما يمكن أن يوافق عليه الحوثيون إذا حافظوا على مكاسبهم في الشمال ونسبة من ثروات الجنوب.

لكن ما قد يتسبب بفشل مفاوضات صنعاء بين السعوديين والحوثيين، هو تمسك الأخير برفضه لأية أقاليم بعيدًا عن نفوذ وسيطرة المليشيات، خاصة الأقاليم الجنوبية ذات البُعد الانفصالي، غير أن جميعها تفاهمات واتفاقات ستتمخض عنها نتائج متوقعة تُسرّع نحو حل نهائي وتسوية سياسية شاملة تراعي العوامل المؤثرة والمساعدة.

 عدن الغد  - القسم السياسي