(22 مايو) بعد ثُلث قرن.. أين تعثّرت الوحدة، وهل تستطيع مقاومة مشاريع التقويض؟


تحل ذكرى الثاني والعشرين من مايو في كل عام وقد تآكل من رصيدها الكثير في حياة اليمنيين، بسبب حالة الحرب والتمزق والفوضى التي تلف البلاد. 

بدت الوحدة لليمنيّين قبل ثلث قرن (22 مايو 1990)، أشبه بطوق نجاة مأمول، من ارتدادات موجة المتغيرات الكبرى التي بدأت تجتاح العالم وما رافقها من أزمات بنيوية عاصفة داخل الكيانات الواحدة، ورأوا في اندماج سلطتين سياسيتين متناقضتين في الظاهر، خطوةً وطنية يمكن البناء عليها.

الشعارات الوحدوية التي رفعتها القوى الوطنية اليمنية في ذروة المدّ القومي العربي، بدءًا من أواسط خمسينيات القرن المنقضي، وراكمت عليه الأحزاب والتكوينات السياسية طيلة ثلاثة عقود داخل السلطتين وخارجها، صارت أهم حافزات التقارب التي أفضت إلى الاندماج الفوري للسلطتين، اندماج لم يخلُ من انهمارات عاطفية وسيولة سياسية.

كان للخطوات الوحدوية المتباطئة، والتي بدأت بين السلطتين بعيد حرب 1972م في القاهرة وطرابلس، وما شهدته من تسارع خلال مطلع الثمانينيات، أفضت إحداها إلى توافق اللجنة الدستورية المشتركة على مشروع دستور دولة الوحدة في 30 ديسمبر 1981.

دستور صيغ بروحية مستوعبة نضالات الحركة الوطنية في الشطرين، وانتصر للنظام الجمهوري، والتعددية السياسية، وتداول السلطة السلمي، والديموقراطية، وحرية التعبير، وحرية المجتمع المدني والعمل النقابي، وسيادة القانون، والمواطنة المتساوية، وحقوق الإنسان، وحرية الضمير والمعتقد.

وإنّ المتأمّل لهذه المضامين الدستورية، سيرى كيف أنّ التقاطها بروح المسؤولية كان كفيلًا بإنجاز دولة وطنية حديثة تنتصر لنضالات الحركة الوطنية وحلم اليمنيين لعقود في مختلف مناطق اليمن.

غير أنّ اللهاث المحموم في ابتلاع السلطة والموارد وتنميط المجتمع والقضاء على تنوعه وحمَّى الاغتيالات، أنتج حالة الانقسام الأول، الذي تعمّق مع مرور الوقت، ووصل إلى احتقان حقيقيّ لم تستطع تصريفه أو كبح جماحه وثيقة العهد والاتفاق التي توافقت عليها القوى السياسية، وتم التوقيع عليها في العاصمة الأردنية في 18 يناير 1994م. 

انفجرت الحرب في صيف 1994م، على قاعدة تحالفات جديدة كان المتضرِّر الأكبر منها الجنوبيون اليمنيون، خصوصًا أولئك الذين حسبوا على الطرف المنهزم، من عسكريين ومدنيين، فسُرِّح البعض من وظائفهم، وأحيل الكثير منهم إلى تقاعدات قسرية مبكرة بمردودات مالية لا تقيهم شرور الجوع.

بدأت "الأنَّة الجنوبية" الأولى بالمطالبة بتصحيح مسار الوحدة، ولأنّ السلطة المنتشية بالنصر "أخذتها العزة بالإثم" لم تلتفت إلى هذه الأنّة ومضت في غيها. وحينما بدأ الحراك السلمي بمنزعه الحقوقي، قابلته بالقمع والمصادرة، وحين صار صوتًا قويًّا في الشارع يطالب بفك الارتباط، قامت بتشكيل لجان ترقيعية، لم تستطع إصلاح ما أفسدته أدواتها في البر والبحر.

جاء الاجتياح الثاني للجنوب في مطلع العام 2015، من تحالف الحرب الداخلي (صالح والحوثيين)، ليعمق من الهوة أكثر، ويعلي أكثر من سقف المطالب، وعلى رأسها استعادة الدولة الجنوبية بحدود 21 مايو 1990م.

 تفكك الدولة وتذرُّرها بين الداخل والخارج، وما تبع ذلك من استحكامات لسلطات الأمر الواقع على الأرض، جعل من الحديث عن اليمن الموحد، بسلطات متنازعة كهذه، فيه الكثير من الهذيان السياسي.

ما كان ممكنًا بالأمس صار اليوم مستحيلًا، بسبب استقطابات مشاريع التفكيك الممنهجة التي وصلت إلى إنتاج أكثر من سلطة تتقاذفها الجهوية والمناطقية والمذهبية. صارت مع الوقت سلطات متعدّدة الولاءات لصالح متنازعين إقليميين تمكّنوا من توظيف الحالة من أجل استدامة حالة الحرب، وتغذية الكراهية. 

مع كلّ ذلك، يمكن المراهنة على عقلٍ سياسيّ غير ملوّث يأخذ بزمام المبادرة ويستطيع تحويل الفرص القليلة إلى رؤية لصناعة سلام بمداميك قوية، والذهاب تاليًا إلى إنتاج قيادة قوية ومسؤولة تضع في اعتبارها مصلحة اليمنيّين في الجنوب والشمال وما يقرّرونه بشأن مستقبل شكل دولتهم وبمضامين نهضوية حديثة وبأدوات سياسية يتفق عليها الجميع.

 خيوط: