“الأسد والتنين”.. هل تتوقّف لعبة الخرائط والحدود في سورية؟

يوشك الرئيس السوري بشار الأسد على اختتام زيارته الى الصين، ما قيل عنها وفيها من تصريحات ومواقف عن التعاون وتعزيز العلاقات، ومدى إمكانية مساعدة الصين لسورية في مواجهة الحصار الأمريكي الخانق وتجاوز العقوبات، هام ومحل اختبار في المرحلة المقبلة، خاصة اننا نتحدث عن عملاق اقتصادي يتمدد في الجغرافيا السياسية، ويضع النظام الدولي الذي تهيمن عليه المنظومة الغربية بعد الحرب العالمية موضع المراجعة.

الأسد في الصين مشهد يتجاوز بتقديرنا العناوين الرائجة التي رافقت الزيارة، وجزئية المساعدة لتخطي العقوبات في بعض القطاعات الحيوية.

تلك العقوبات لا وصف لها اخر سوى جرائم ضد الإنسانية وضعت شعب كامل تحت وطأة المعاناة والفقر وانعدام مقومات الحياة الطبيعية، بذريعة الضغط السياسي على النظام لتقديم تنازلات في السياسية والدور والقرار.

ان من الساذجة والخفة وقصر النظر والفكر معا، مد اليد لملاقاة السياسيات الامريكية في سورية وباعتقاد ان دعمها والتحالف معها والوقوف في صفها سوف يجلب التغيير المنشود نحو دولة ديمقراطية ورفاهية وانعاش اقتصادي وحرية سياسية الخ. وليس من باب التنظير او الموقف المبدئي من النهج الأمريكي في التعامل مع المنطقة العربية عموما، و من باب التجربة والممارسة والحسابات والمصالح، واشنطن تحقق أهدافها هي واهداف إسرائيل، وليست معنية باي تحولات ذات منفعة للدول العربية او الشعوب.

وان قضايا مثل حرية الشعوب والقوى السياسية المعارضة والنخب المتحمسة وذرائع مثل الفساد وحقوق الانسان مجرد “عدة الشغل” ا الادهى هو ان الدول تدفع الثمن من امنها واستقرارها ووحدتها ونسيجها الاجتماعي لاحقا، دون مسائلة للولايات المتحدة ومنظومتها الغربية عن النتائج او محاسبة للقوى والنخب المحلية التي زجت ببلادها في اتون الفشل والتمزق والاقتتال.

لمصلحة من تدفع الولايات المتحدة اليوم نحو فصل الجنوب السوري؟ سوى لهدف تفتيت واضعاف سورية لحماية امن إسرائيل. وبكل اسف هناك من السوريين من يتباهى بانه تلقى اتصالات تشجيع وتحميس من هذا المسؤول الأمريكي او ذاك.

ان معارضة النظام لا تبرر اللحاق بمشاريع تدمير سورية وتقسيمها ورهن مستقبلها لمصلحة إسرائيل. ان سرقة الولايات المتحدة للنفط والغاز السوري شرق البلاد، في الوقت الذي يئن فيه المواطن السوري البسيط تحت حاجته للمحروقات والكهرباء لهو بلطجة ليس لها أي مسوغ قانوني او انساني، ويجب ان تكون محل اجماع لدى كل السوريين بغض النظر عن موقفهم السياسي.

في هذا السياق زيارة الرئيس الأسد للصين، متجاوزة اطار تحسين العلاقات او خلق فرص تخفف من وطأة الحصار.

الولايات المتحدة خلال شهرين ماضيين تجاوزت حدود اللعبة في سورية، وقررت إدارة خطة خطرة منفردة. الهجوم التدريجي لفرض وقائع جديدة على الأرض باستخدام القوة العسكرية و أدوات محلية والتحكم بالمجريات وتوجيهها نحو أهدافها، هذا تطلب بتقديرنا بالمقابل قرارات حاسمة.

قرار الأسد التوجه نحو الصين هو قرار استراتيجي كبير يتجاوز في حدوده الحاجة الى مساهمة اقتصادية انقاذية تخص الوضع المعيشي. جوهره وضوح في الرؤية السورية لصراع الخرائط والممرات الدولية وحسم الخيار وعدم الانتظار.

الصراع على الجغرافية السورية والحدود يمكن ان يتضح لاحقا بشكل اكبر، لكن في مستواه الان يمكن توقع المآلات.

اعلان الرئيس جو بادين خلال قمة العشرين عن المرر الاقتصادي الذي يربط الهند بأوروبا مرورا بالمنطقة، كان احد دوافع الصين لفتح أبواب بكين مشرعة امام الأسد، الجغرافية السورية هي الطريق البديل للصين في صراعها على تثبيت ممر الحزام الطريق العالمي القرار السياسي في سورية خارج عن نطاق الهيمنة الامريكية وهذا مهم للصين. تمكن الولايات المتحدة من الإمساك بالجغرافية السورية خطوة متقدمة في خطط الإدارة الامريكية لتعطيل تنفيذ المشروع الصيني، وهي تفعل.

فصل الجنوب السوري المحاولات التي تجري الان في السويداء، لا يقتصر على تحقيق هدف امن إسرائيل فقط، هو إضافة الى ذلك عزل العبور بين الحدود مع الأردن والخليج، اما في الشرق يجري تدريجا عزل سورية عن العراق، التحركات العسكرية الامريكية بدأت منذ اشهر لتحقيق ذلك، وفي الغرب ستكبر قصة التهريب وعبور النازحين من سورية الى لبنان “يجري تضخيمها وتحويلها لقضية راي عام” تمهيدا لقبول امر واقع تحت ضغط شعبي ومن قوى سياسية لبنانية تحت عنوان ضبط الحدود لتوضع تحت السيطرة الامريكية بشكل او باخر وعزل سورية عن لبنان، وفي الشمال مع تركيا الوضع لا يحتاج الى توضيح. وبالتالي أغلقت سورية كمعبر وطريق وعزلت.

هذه الاستراتيجية التدريجية حتى الان تمرر خلسة بعناوين محلية “غضب أهالي السويداء”، خطورة النزوح والتهريب على لبنان”، تعزيز وضع القوات وزيادة عديد المليشيات المحلية التابعة للقوات الامريكية شرق سورية بذريعة عودة تنظيم “داعش”. الصين ابرز المستهدفين من لعبة العبث بالخرائط وخلق حقائق ميدانية يصعب التعامل معها لاحقا. وهو ما دفعها لرفع ورقة التحدي للولايات المتحدة في سورية.

وقضية أخرى مخفية وان لم تحضر على مائدة الاعلام، هي حاضرة على طاولة السياسية، تخص الحوض السوري للنفط والغاز في المتوسط وفي البر، التقديرات ودون أي مبالغة تتحدث عن كميات تتجاوز ما لدى بعض الدول الخليجية. هذه الحقيقة تعرفها جيدا عواصم القرار، وهي تفسر خطوات أمريكية للتمدد شمالا على سواحل لبنان، توسيع السفارة الامريكية شمال بيروت، وإعادة احياء مطالب تشغيل مطار القليعات المغلق منذ الحرب الاهلية شمال لبنان بالقرب من السواحل السورية هي خطوات مازالت أولية، ومن المحتمل اننا سنشهد المزيد منها خلال الفترة المقبلة. كل ما سبق لا يعني النجاح والتنفيذ وقضي الامر. من الملاحظ مثلا ان الولايات المتحدة فرملت سرعة اندفاع تنفيذ مشروعها في السويداء وجنوب سورية في اللحظة التي تم اعلان دمشق عن زيارة الأسد لبكين. لكن كيف سيكون شكل الصراع لاحقا؟، وكيف سيتم اجبار الولايات المتحدة على ترك لعبة الحدود والعبث بالخرائط ومصير الشعب السوري ووحدته؟ وهل ستقع المهمة على سورية ومحور المقاومة ام المحور الدولي الاخذ بالتشكل ضد الهيمنة الامريكية. وكم سيكلف ذلك

*  كمال خلف- كاتب واعلامي فلسطيني