دروس الميدان الأوكراني تنعكس على الأسلحة الجديدة في أوروبا

 تستمر العمليات العسكرية في الميادين الشرقية والجنوبية في أوكرانيا، ويتزايد معها حجم الدروس الميدانية المستفادة، سواء ما يتعلق بالمعارك الجوية والمسيرة، أو مواجهات الوحدات المدرعة، أو المعارك البحرية غير التقليدية، وهو الوضع الذي تظهر بصورة متزايدة انعكاساته على حالة التسلح العالمية، وعلى الأنظمة القتالية التي يتم ابتكارها وتطويرها على مستوى العالم.

موسكو، من جانبها، في ضوء تجربة الذخائر المتسكعة في ميادين القتال المتعددة في أوكرانيا، بدأت، عبر مجمع الصناعات الدفاعية الروسي، تطوير عدة أنواع جديدة من الذخائر الجوالة والطائرات من دون طيار، منها الذخيرة الجوالة الجديدة "Tubus"، والتي تم تصميمها بهدف أساسي هو استهداف المركبات المدرعة والمدفعية للعدو في عمق الخطوط الأمامية.

ومن أهم مميزات هذه الذخيرة الجوالة الجديدة، سرعة طيرانها التي يمكن أن تصل إلى 300 كيلومتر في الساعة، وهو ما يجعلها عملياً من أسرع الذخائر الجوالة في الترسانة الروسية، والتي تطير عادة بسرعات تتراوح بين 100 و150 كيلومتراً في الساعة، وهذا يوفر لهذا النوع الجديد، قدرات أفضل بالنسبة إلى هدفها المحدد بسرعة، وتفرض هذه السرعة أيضاً تحديات أكبر على وسائل الدفاع الجوي المعادية.

الطائرات من دون طيار والذخائر المتسكعة الجديدة

يبلغ مدى هذه الذخيرة الجديدة – التي تم اختبارها في الأراضي الروسية – بين 30 و40 كيلومتراً، وهذا ما يجعلها ملائمة لاستهداف مرابض مدفعية العدو في عمق الخطوط الأمامية، وتزن نحو 10 كيلوغرامات. وتقول المصادر الروسية إنها مقاومة بصورة كبيرة لتدابير الحرب الإلكترونية المتعددة، وخصوصاً أنه يتم توجيهها عن طريق آلية مستقلة عن أنظمة التوجيه بالأقمار الصناعية، بحيث تعتمد على الإحداثيات المحددة مسبقاً للمواقع المعادية، سواء كانت هذه الإحداثيات نتيجة لعمليات استطلاع سابقة لمواقع محددة، أو نتيجة لعمليات استطلاع تنفذها في الوقت الحقيقي طائرات استطلاع من دون طيار. ويتوقع أن تتم تجربة هذا النوع من الذخائر الجوالة في الميدان الأوكراني، بحلول أوائل العام المقبل، وهو ما سيوفر تقويماً أكثر شمولاً لأدائها على المستوى العملياتي.

في الإطار نفسه، وبناءً على التجربة الناجحة للذخائر الروسية الجوالة "Lancet" في أوكرانيا، بدأت وحدات الجيش الروسي استخدام الذخائر الجوالة الجديدة "Scalpel" في الجبهة الشرقية الأوكرانية، وهي بديل أصغر حجماً وأقل تكلفة من ذخائر "Lancet" التي تم استخدامها بصورة مكثفة في أوكرانيا. وبدا أن موسكو باتت تعاني نقصاً في الأعداد المتوافرة منها. تم تصميم الذخيرة الجوالة الجديدة في مكتب "Vostok" للتصميمات الجوية، ويبلغ قطرها 125 ملم، وطولها الإجمالي 650 ملم، وتتضمن رأساً حربياً متفجراً تبلغ زنته 5 كيلوغرامات، ويصل مداها الأقصى إلى 40 كيلومتراً، وسرعتها القصوى تبلغ 120 كيلومتراً في الساعة.

في الجانب الأوكراني، استثمرت كييف نجاح بعض أنواع طائرات الاستطلاع من دون طيار، محلية الصنع، وبدأت اختبار نسخ مطورة عنها. ومن الأمثل على ذلك مشروع طائرات الاستطلاع المشترك بين أوكرانيا والتشيك "Leleka"، والذي تم بموجه إنتاج عشرات الطائرات من هذا النوع، والتي تم استخدامها لتوجيه نيران المدفعية الأوكرانية خلال المراحل السابقة من العمليات. أعلنت كييف مؤخراً بدء إنتاج نسخة جديدة عن هذه الطائرة تحت اسم "Leleka LR"، والتي سيتم تصنيعها في مصانع خارج أوكرانيا.

تختص الطائرة الجديدة في المقام الأول بعمليات الاستطلاع وتعديل نيران المدفعية وراجمات الصواريخ، وتتميز بوحدة إلكترونية بصرية ذات محورين، مع إمكان التقريب، بصرياً ورقمياً، وإمكانات متقدمة للتصوير الحراري الليلي، مع استخدام كمبيوتر مدمج يتضمن خوارزميات للمعالجة الرقمية للبث المصور، الأمر الذي يتيح التتبع التلقائي للأجسام الثابتة والمتحركة. تستطيع هذه الطائرة العمل على ارتفاعات تصل إلى 2000 متر، وتستطيع نقل حمولة تصل زنتها إلى 600 غرام، والتحليق بصورة متواصلة مدة أربع ساعات، إلى مدى يصل إلى 90 كيلومتراً.

اللافت في هذا الإطار أن شركات متعددة، على مستوى العالم، استفادت من تجربة أوكرانيا وروسيا في مجال استخدام الطائرات من دون طيار ذات الاستخدام المدني، والتي يتم تعديلها لتحمل ذخائر، من أجل الاستفادة من آلية توجيهها باستخدام منظور الشخص الأول "FPV".

وبدأت هذه الشركات إنتاج أنواع جديدة من الطائرات من دون طيار، اعتماداً على هذه التجربة، ومنها شركة "PR-DC" الصربية، التي أعلنت تطويرها ذخيرة جوالة من دون طيار عمودية الإقلاع، تم تصميمها خصيصاً لحمل قنبلة جوية تعتمد على قذيفة هاون معدلة من طراز "M736"، مجهزة بصمام "M68P1-D"، مصمم خصيصاً لعمليات الطائرات من دون طيار. وبات هذا التكامل بين الذخائر التقليدية وتكنولوجيا الطائرات من دون طيار المتقدمة، بمثابة تدشين عملي لحقبة جديدة في مجال التقنيات المسيرة.

يصل المدى العملياتي لهذه الذخيرة إلى 15 كيلومتراً، ويتم توجيهها بأنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية، من أجل التنقل عبر النقاط الجغرافية المحددة لها مسبقاً. ويُعَدّ نظام تشغيل هذا النوع من الذخائر من أهم ميزاتها، إذ تم تصميم البرنامج المتكامل، والذي يتم تشغيله من محطة أرضية واحدة، بصورة تسمح بالتحكم في عدة ذخائر جوالة من هذا النوع في وقت واحد، وهو ما يعني إمكان تشغيل سرب من هذه الذخائر في وقت واحد، ويوفر مزايا استراتيجية وتكتيكية إضافية في كل من العمليات الهجومية والدفاعية.

القوة المدرعة والميل إلى تطوير "عربات القتال الخفيفة"

كانت بيلاروسيا - روسيا البيضاء - من أهم الدول التي وجدت نفسها خلال العامين الأخيرين، في خضم متغيرات إقليمية كبيرة، عمت شرقي أوروبا، مع بدء المعارك في أوكرانيا، وهو ما جعلها تلقي نظرة فاحصة إلى تسليح جيشها. لقد عانى الجيش البيلاروسي منذ تأسيسه عام 1992، نقصاً مستمراً في قدراته القتالية، نتيجة لتراجع قدرات بيلاروسيا المادية، الأمر الذي أجبره على المحاولة الدائمة لإطالة الأمد العملياتي للمنظومات القتالية التي يمتلكها، مع توفير ما يمكن من تمويل لشراء بعض وحدات الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة من روسيا بأسعار تفضيلية.

خلال الأعوام الأخيرة، بدأت مينسك توطين بعض الصناعات العسكرية ذات الأصول الروسية والصينية، لكنها ما زالت تواجه مشكلة فيما يتعلق بالقدرات المدرعة، بحيث ما زالت القوة المدرعة الرئيسة في جيشها، تتكون من الدبابات المتقادمة "T-72B" وناقلات الجند المدرعة "BMP-2"، والتي لم يتم تطويرها منذ أعوام طويلة، الأمر الذي يفرض على الجيش البيلاروسي تحديات كبيرة، كمياً ونوعياً، بالنظر إلى التطورات الحالية في أوكرانيا.

بدأ بعض الشركات البيلاروسية تنفيذ برامج نوعية لتحديث القوة المدرعة، ومن أهم هذه البرامج مشروع عربة القتال المدرعة "Volat V2"، وهو مشروع قاده مصنع "MZKT" للمدرعات والجرارات. تتسم هذه العربة المدرعة بخيارات واسعة للتسليح الثقيل، بحيث يمكن تجهيزها بعدة أنواع من الأبراج القتالية المأهولة وغير المأهولة، منها ما يتسلح بمدفع من عيار 30 ملم، ومنصات لإطلاق صواريخ "Konkurs" المضادة للدبابات، مع إمكان إبدال هذه المنصات بمنصات منظومة الصواريخ البيلاروسية المضادة للدبابات "Shershen-Q".

النقطة المحورية فيما يتعلق بهذه العربة الجديدة، والتي بدأ الجيش البيلاروسي مؤخراً تقويمها من أجل الإدخال المستقبلي لها في تشكيلاته المدرعة، أنها تفادت معظم العيوب التصميمية التي شابت ناقلات الجند وعربات القتال المدرعة، سوفياتية الأصل، وعلى رأسها سلسلة عربات "BTR" في نسخها المتعددة، بحيث كان لهذه العربات عدد من عيوب التصميم بسبب محركاتها المثبتة في الخلف، مع حيز ضيق لوجود الأفراد وعملهم على متنها، وصعوبات في دخول طواقم هذه العربات وخروجهم، وخصوصاً خلال حالات الطوارئ.

تم تلافي هذه العيوب في هذه العربة الجديدة، بحيث يبلغ وزنها 22 طناً، وتستطيع حمل ما يصل إلى ثمانية جنود، بالإضافة إلى طاقم مكون من شخصين أو ثلاثة، بحسب نوع البرج المزودة به. وتم تزويدها بباب خلفي للدخول، عوضاً من الأبواب الجانبية الضيقة، وتم أيضاً تزويدها بمحرك ديزل بقوة 550 حصاناً، يسمح لها بالتحرك في الطرق الممهدة بسرعة تصل إلى 110 كيلومترات، ويسمح لها باستخدام آلية العبور البرمائي، لعبور العوائق المائية بسرعة تصل إلى 10 كيلومترات في الساعة. على مستوى التدريع، تم تدريع هذه العربة بمستوى التدريع "STANAG 4569 2a/2b"، وهو ما يسمح لقوسها الأمامي بصد الطلقات النارية المتوسطة من عيار 12.7 ملم، ويسمح تصميمها بإجراء تحديثات مستقبلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة وزنها إلى 24 طناً ضمن النسخ اللاحقة.

في الإطار نفسه، وضعت الولايات المتحدة الأميركية نصب عينيها منذ فترة - بناءً على التجارب العسكرية في أفغانستان، والتجربة الروسية في أوكرانيا - إدخال نماذج جديدة عن العربات المدرعة إلى الخدمة، وبُدئ خلال الأسابيع الأخيرة تسلم أُولى وحدات مركبة الدعم الناري الخفيفة "M10 Booker"، والتي تُعَدّ نقلة مهمة في تسليح الوحدات المدرعة الأميركية، وهو ما يسمح بإعادة تعريف ديناميكيات القتال الميداني وعمليات الدعم الناري.

تم تصميم هذه المركبة الجديدة وتطويرها من جانب الشركة الأميركية "General Dynamics"، وتتسلح بصورة أساسية بمدفع رئيس من عيار 105 ملم، وموازٍ له مدفع رشاش من عيار 7.62 ملم موضوع بصورة محورية، إلى جانب مدفع رشاش ثقيل أعلى برج العربة من عيار 12.7 ملم.

وعلى الرغم من وجود تفسيرات متعددة تصنف هذه العربة على أنها "دبابة خفيفة" أو "عربة قتال"، فإن الجيش الأميركي يستهدف، من تطويرها وإدخالها الخدمة، منحَها دوراً محورياً في سيناريوهات القتال المستقبلية، بحيث ستكون مهمتها الأساسية توفير الدعم الناري الفعال لوحدات المشاة، الأمر الذي يؤدي بصورة فعالة إلى سد الفجوة بين فرق المشاة الخفيفة والفرق المدرعة الثقيلة، كما أن تعدد استخدامات المركبة يجعلها خياراً رئيساً لحرب المدن وعمليات مكافحة التمرد ومهمّات الانتشار السريع.

الصين، من جانبها، بدأت مؤخراً تسلم ناقلات جند مدرعة جديدة، وهي الناقلة "VP-10" ثمانية الدفع، والتي يشبه شكلها الخارجي، إلى حد كبير، ناقلة الجنود المدرعة فنلندية الصنع "Patria". تم تزويد هذه الناقلة بمدفع من عيار 105 ملم، وبرج مدرع قوي، بالإضافة إلى دروع مضادة للألغام والعبوات الناسفة، وتستطيع نقل ما يصل إلى ثمانية جنود. لعل أبرز ما يميز هذه الناقلة الجديدة، هو قدرتها على اجتياز الموانع المائية والسير على سطح الماء، على الرغم من أنها تزن ما يناهز 13 طناً، وتم تزويدها بباب أساسي للدخول من الخلف، إلى جانب فتحات علوية للطوارئ.

يتم تشغيل هذه الناقلة بواسطة محرك ديزل بشاحن توربيني بقوة 362 حصاناً، وهي برمائية بالكامل، وتبلغ سرعتها في الماء نحو 8 كيلومترات في الساعة، ويتم تسليحها ببرج غير مأهول يتم التحكم فيه عن بعد، يتسلح بمدفع من عيار 30 ملم، ومدفع رشاش متحد المحور من عيار 7.62 ملم، وهو ما يوفر لها القدرة على الاشتباك بصورة فعالة مع المركبات المدرعة الخفيفة، واستهداف طائرات الهليكوبتر التي تحلق على ارتفاع منخفض.

مما سبق يمكن أن نفهم مدى التأثيرات التي تسببت بها العمليات العسكرية في أوكرانيا، على حالة التسلح الدولية، بحيث بات لها بصمة واضحة في معظم أنواع الأسلحة والمنظومات القتالية التي يتم تطويرها في المدى الحالي والمستقبلي. وعلى القياس نفسه، يمكن القول إن عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سيكون لها - بصورة مؤكدة - تأثير مماثل، وخصوصاً فيما يتعلق بأنظمة القتل الصعب والسهل، والخاصة بالدبابات الثقيلة، او وسائل مكافحة الذخائر الجوالة، او حتى الأنظمة غير المأهولة والخاصة بمراقبة الحدود وحراستها.

*محمد منصور - كاتب مصري وباحث فى الشؤون العسكرية.