كيسنجر مجرم حرب خدم الإمبريالية الأميركية

 أكد موقع "morning star online" أنّ مكانة وزير الخارجية الأميركية الأسبق، هنري كسينجر، في التاريخ، سيتم تحديدها من خلال جرائم الحرب التي بدأها أو أيدها، مشيراً أنّه جمع أسوأ جرائمه ضد الإنسانية من تلك 100 عام التي عاشها. وذلك في "الحرب الباردة" ومحاربة السوفياتية، وفي الحرب في فيتنام، والانقلاب في تشيلي، وإشعال "ثورة" في البرتغال، إلى دعم باكستان ضد بنغلادش، بالإضافة إلى الاحتلال الأميركي للعراق. 

فيما يلي النص منقولاً إلى العربية:

توفي هنري كيسنجر، الدبلوماسي والسياسي الأميركي، المرتبط ببعض أسوأ جرائم "الحرب الباردة"، عن عمر يناهز 100 عام.

وفي 6 سنوات شغل فيها مسؤوليات رسمية رفيعة كمستشار للأمن القومي أو كوزير للخارجية، وأحياناً في كليهما، مع الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد من عام 1969 إلى عام 1975، جمع أسوأ جرائمه ضد الإنسانية من تلك المائة عام التي عاشها.

كان كيسنجر، متأثراً بالدبلوماسي النمساوي، كليمنس فون مترنيش، الذي اشتهر في دهائه المرتكز على استقاء النظرية السياسية من الواقع التي تخدم بجدارة المصالح الإمبريالية الأميركية، دون أي اعتبار لأي أمر إنساني أو أخلاقي.

وقبل أن ترتبط "دبلوماسيته" بتحقيق أول تواصل للولايات المتحدة مع الصين، ارتبط اسمه أكثر من كل شيئ بالتفجير القاتل لكمبوديا، فضلاً عن دعم الانقلاب الفاشي في تشيلي في عام 1973، والدور المريب الذي لعبه خلال حرب "يوم الغفران" بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

ولد كيسنجر عام 1923 في ألمانيا، ولجأ مع عائلته اليهودية  عام 1938 كفارين من النازية إلى الولايات المتحدة. كان في بعض الأحيان يسخر منه بسبب اللكنة الألمانية القوية التي لازمته  لبقية حياته.

احتفظ هنري كيسنجر بنفوذ كبير لمدة عقود في أروقة صنع القرار، حيث قدم المشورة للإدارات الأميركية المتعاقبة والعديد من العملاء من كافة القطاعات الرسمية والخاصة حول الشؤون الدولية. 

بعد الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الثانية، تابع دراسته الأكاديمية بينما قدم نفسه في الوقت نفسه إلى "مكتب التحقيقات الفيدرالي" كعميل سري. ولم يحب كيسنجر لعب الأدوار الأكاديمية البحتة، وبدأ تسلقه إلى المشهد السياسي من خلال تقديم نفسه كمستشار للمرشحين الجمهوريين في منتصف القرن المنصرم، حين كان المشهد الدولي في ذروة مواجهة "الحرب الباردة" بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، التي كانت في أوج قوتها آنذاك واستمرت إلى العام 1990.

ومنذ البداية عزّز التزامه النهج البراغماتي في السياسة الخارجية يعطي الأولوية للمصالح "العليا" على اعتبارات العدالة أو ما هو صواب وما هو خطأ بشكل واضح، فالهدف هو سياسات توازن القوى وتعزيز الموقف الأمريكي بأي تكلفة مادية وبشرية، لفرض تسويات براغماتية مع القوى العالمية الأخرى، والمقصود بشكل أساسي الاتحاد السوفيتي والصين.

كان هنري كيسنجر بهذا المعنى لا ينافق، ويختلف إلى حد ما عن "المحافظين الجدد" في واشنطن، الذين غطوا مغامراتهم المتهورة في كثير من الأحيان، مثل احتلال حرب العراق بخطاب أخلاقي وديمقراطي زائف.

صعد هنري كسنجر إلى أقصى مجده مع قدر كبير من النفوذ بانتخاب ريتشارد نيكسون رئيساً للولايات المتحدة، حيث تولى منصب مستشار الأمن القومي في عام 1969. وهيمن تماماً على وزير الخارجية ويليام روجرز، الذي كان اسمياً الشخصية المسؤولة عن الدبلوماسية الأميركية.

كان نيكسون وكيسنجر متطابقين بشكل جيد، وكلاهما غارق في صنع المؤامرات وميل لعمليات سرية بعيداً عن الأنظار، بحكم اشتراكهما بنسج براغماتية استراتيجية واسعة.

وقد انعكس ذلك في تعاملهما مع حرب فيتنام، وهو عدوان ورثوه من الإدارات السابقة والذي كان يثبت بعد ذلك أنه لا يمكن الفوز به عسكرياً بينما يقسم المجتمع الأميركي بمرارة. وقد واصل كيسنجر دعم النظام العميل في جنوب فيتنام على أساس أن هذا كان ضرورياً للحفاظ على قوة واشنطن العالمية، في وقت يخوض فيه بمحادثات سرية لتسوية سلمية مع الحزب الشيوعي الفيتنامي.

وقد أثمرت هذه في نهاية المطاف وتم التوصل إلى اتفاق بين كيسنجر وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفيتنامي لو دوك ثو يسمح بإنهاء التدخل العسكري الأميركي المباشر في فيتنام.

وفي سوء تقدير مثير للسخرية، منحت لجنة جائزة نوبل للسلام جائزتها لعام 1973 إلى كيسنجر وثو معاً، على الرغم من أن السلام لم يقع بعد في فيتنام، رفض ثو قبول الجائزة، لكن كيسنجر فعل ذلك، مع بعض التردد الواضح. بعد ذلك بعامين، تم توحيد فيتنام كدولة اشتراكية. 

وزعم كيسنجر أن الهزيمة في فيتنام يرجع إلى فشل الكونغرس الأميركي في الموافقة على المساعدات العسكرية الكافية للنظام العميل.

كذلك، وسع نيكسون وكيسنجر حروبهما الدموية إلى كمبوديا، ولا زالت حملات القصف الجوي شاهدة وخارجة عن القانون وكلفت مئات الآلاف من الأرواح من الكمبوديين. وفي وقت لاحق، كان كيسنجر كريما ومتساهلا مع نظام الخمير الحمر القاتل الذي سيطر على السلطة من عام 1975 حتى أطاح به التدخل العسكري لفيتنام في عام 1979، وأسفر ذلك عن مقتل ملايين المواطنين.

كذلك يعتبر فتح كيسنجر لقنوات سرية مع حكومة جمهورية الصين الشعبية، التي لم تكن للولايات المتحدة علاقات رسمية معها في ذلك الوقت، لأن مصالح واشنطن آنذاك اقتضت الضغط على الاتحاد السوفيتي عبر الاستفادة من الخلافات بين الزعيم الصيني ماو تسي تونغ والزعيم السوفياتي جوزف ستالين.

نجحت دبلوماسية كيسنجر السرية مع رئيس الوزراء الصيني تشو إن لاي، وفتحت الطريق أمام الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين في عام 1972، وشكلت بداية التفاهم بين بكين وواشنطن لمناهضة السوفييت.

على الرغم من عدم تطبيع العلاقات الكاملة بين البلدين حتى العام 1979، لكن هذا لم يمنع كيسنجر ونيكسون أيضاً من السعي إلى إبرام اتفاقات مع الحكومة السوفيتية، بشأن الحد من التسلح على وجه الخصوص. أثبتت هذه السنوات أنها كانت ذروة الانفراج بين الشرق والغرب والهدوء النسبي في الحرب الباردة، والتي كانت ستشتعل مرة أخرى مع انتخاب رونالد ريغان في عام 1980. 

كان كيسنجر غير مهتم أساساً بتغيير النظام الداخلي في الاتحاد السوفيتي، على عكس ريغان، ولكنه كان مهتماً جداً بالحد من التأثير العالمي للاتحاد السوفيتي والاشتراكية بشكل عام.

في عام 1971 قدمت واشنطن الدعم الكامل للنظام العسكري الباكستاني بقيادة يحيى خان، في حربه لمنع استقلال بنغلاديش. ورفض كيسنجر منتقدي هذه السياسة ووصفهم بأنهم "ينزفون" بسبب "الشعب البنغالي المحتضر"، وطرد كل موظفي وزارة الخارجية الذين وصفوا سلوك باكستان بأنه إبادة جماعية. 

كان موقف كيسنجر مرة أخرى مبنياً إلى حد كبير على معاداة السوفييت لأنه كان يخشى امتداداً للنفوذ الهندي في وقت كانت فيه الهند صديقة لموسكو. 

كما شارك بشكل كامل في تنظيم دعم الانقلاب الذي قام به الجنرال الفاشي بينوشيه ضد حكومة أليندي الاشتراكية في تشيلي في سبتمبر 1973، وهو الشهر عينه الذي أقال فيه نيكسون أخيرا بيل روجرز وعين كيسنجر وزيرا للخارجية مكانه، مع الاحتفاظ بدور المستشار للأمن القومي.

كذلك، أخفى في وقت لاحق رسالة رسمية من الحكومة الأميركية تحذر المجلس العسكري التشيلي من القيام باغتيالات لمعارضيه. مع ذلك اغتيل أورلاندو ليتيلير، أحد وزراء الليندي ، في هجوم بسيارة مفخخة في واشنطن نفذته المخابرات التشيلية.

وبعد أن ترك هنري كيسنجر منصبه، استمر في تورطه في عرقلة الجهود المبذولة لتقديم المذنبين بقتل لأتيليه إلى العدالة.

احتفظ كيسنجر بقيادته للدبلوماسية الأميركية بعد استقالة نيكسون واستبداله بجيرالد فورد، ولم يغير في نهجه السياسي. ثم أيد الغزو التركي لشمال قبرص في عام 1974 والغزو الإندونيسي الأكثر إجراماً لتيمور الشرقية في العام التالي. كما كان محورياً في تنظيم المعارضة للثورة البرتغالية في عام 1974، وسعى إلى عرقلة تطورها في اتجاه الاشتراكية.

بشكل عام، لم يكن هناك نظام بغيض للغاية، ولا طاغية قاتل للغاية، بالنسبة لـ "بركات" سياسات كيسنجر، بشرط أن يدعم فقط المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة ويقف بحزم ضد الاتحاد السوفيتي.

مع ذلك، أصبح كيسنجر لا يحظى بشعبية لدى قطاعات معينة من المؤسسة الأميركية خاصة بعد صعود رونالد ريغان إلى السلطة. وفي سياق تقاعد طويل للغاية، سعى كيسنجر إلى تحقيق مصالح تجارية مربحة، بما في ذلك في الصين وإندونيسيا، فضلاً عن عمله كخبير في السياسة الخارجية للإدارات والساسة الأميركيين على نطاق أوسع. 

استمر كيسنجر في الترويج للتقدم البراغماتي للمصالح الأمريكية، لكنه شارك في غباء أولئك الذين دافعوا عن الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، على الرغم من أنه اعترف بسرعة بأن النصر العسكري لم يكن ممكناً. عارض انضمام أوكرانيا إلى حلف "الناتو".

وظل كيسنجر شخصية مرموقة في الصين كأحد مهندسي المصالحة الأميركية الصينية والتقى بالرئيس شي جين بينغ في بكين هذا العام.

في وفاته أشاد به الكثيرون، باعتباره عبقرياً دبلوماسياً، لكن مكانته في التاريخ سيتم تحديدها في النهاية من خلال جرائم الحرب التي بدأها أو أيدها، وملايين الأرواح التي دمرت والنفاق وعدم الأخلاق المتجذرة في نظرته للعالم. 

خدم هنري كيسنجر إمبرياليته، وعمل في الجانب القبيح من الشارع المظلم الطويل.

*أندرو موراي