بعد قرار مجلس الأمن حول غزة.. هل يزداد مأزق “إسرائيل”؟

 تزداد الأوضاع سوءاً بعد أن انكشف الإجرام الإسرائيلي في قطاع غزة بشكل كبير أمام الرأي العام العالمي ما أفقد الدبلوماسية الأمريكية القائمة على “تقديم الذرائع لنفي الطابع الإجرامي عن ارتكابات جيش الاحتلال ومنع المساءلة عنه” أفقد الكثير من هيبتها وقدرتها على التأثير في اتجاه المنظمات الأممية, خاصة وأن تل أبيب وواشنطن شريكتان في هذا العدوان الذي فشل في تحقيق الأهداف المرسومة وهو القضاء على المقاومة والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ليزيد المأزق والغرق في وحول غزة, ولهذا عمدت واشنطن من خلال قرار مجلس الأمن الأخير تغيير هذا الطابع الإجرامي لـ”إسرائيل” ونصب فخ للمقاومة.

وهذا لم تنجح به لأن المقاومة مطلعة على النوايا الأمريكية الخبيثة فتمسكت بموقفها حول الحصول على تعهد خطي بوقف الحرب بشكل كامل ورحبت بالقرار من خلال تنسيق مشترك بين فصائلها رغم وجود ثغرات فيه, إلا أن “إسرائيل” تحاول الترويج بأن الرد الذي قدمته الفصائل الفلسطينية هو رفض لمقترحات التهدئة, وهذا ما يؤكد مأزق “إسرائيل” ومسؤوليتها عن إعاقة تنفيذ القرار لأنها تسعى من وراء هذه الخطوة إلصاق تهمة إعاقة التنفيذ بالمقاومة, فكان رد المقاومة واضحا ومنسجماً مع قرار مجلس الأمن وبالتالي أكدت أنّ إيجابية المقاومة “لا يجب أن تُقرَأ بصورة خاطئة”، أو فهمها على أنّها تدفع إلى مزيدٍ من التنازلات فتم التأكيد على الالتزامٌ بما تم الالتزام به سابقاً، وهو وقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ولهذا يجب احترام الجهود التي تبذل والتمسك بالحقوق دون التفريط بأي حق من هذه الحقوق لأن المقاومة قادرة على مواصلة القتال في الميدان، وأنّ ما تحقّق في طوفان الأقصى يؤكد أنّ الخيار الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني هو المقاومة إضافة إلى سعي المقاومة لتحقيق وقف إطلاق النار ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني.

إن ما تحاوله واشنطن حالياً هو التوصل إلى اتفاق يتناغم مع رؤيتها ووقوفها إلى جانب “إسرائيل” لأنها تعد طرفا في كل ما يجري وليست وسيطا نزيها وتصريحات الوزير الأمريكي بلينكن تؤكد ذلك عندما قال إنه لا يمكن قبول بعض التعديلات التي وضعتها المقاومة ضمن ردها على مقترح وقف النار , ليرد عليه أحد مسؤوليها وفق ما ذكرت وكالة رويتر بأن الوزير بلينكن، يمثّل جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل, وبالتالي فإن الدعم الأمريكي يتسبب في زيادة الإجرام الإسرائيلي, والغموض في قرار مجلس الأمن الأخير لا يلزم “إسرائيل” بالتنفيذ لأنه تبنى ورقة بايدن للهدنة، وهو قرار وفق الفصل السادس، ولا يلزم “إسرائيل” بوقف إطلاق النار، وهو يحث الأطراف على السير بالهدنة, إضافة إلى أنه، يتحدث عن وقف إطلاق النار الدائم من خلال المفاوضات في المرحلة الثانية.. فهل التفاوض يضمن الوصول إلى الاتفاق؟ ومن يضمن ذلك خاصة وأن القرار ليس ملزماً، وهل يمكن الاعتماد على واشنطن لإلزام “إسرائيل”؟

أسئلة عديدة تدور في مخيلة الكثيرين حول هذا القرار لأنه من غير المعروف بأنه سيؤدي إلى وقف إطلاق النار، 

وبالتالي فإن المرحلة المقبلة ليست بالسهلة وعلينا أن لا نكون متفائلين كثيراً لأن التجارب السابقة كانت واضحة ودائما ما كان الكيان يعرقل المفاوضات بتعنته على عدم تقديم أي وضوح بشأن وقف إطلاق النار.

إذا دققنا في جميع المحاولات الأمريكية والإسرائيلية منذ بدء طوفان الأقصى هو التلاعب بالتفاوض لإلصاق تهمة الفشل بالمقاومة رغم ان الجميع يعرف مسؤولية “إسرائيل” والولايات المتحدة في هذا الفشل لأن هدفهما واحد وهو القضاء على المقاومة, وما كانت تقوم به تل أبيب وواشنطن هو محاصرة المقاومة سياسياً وإعلامياً لإلصاق تهمة تعطيل الحل بها وهذا لم تنجح به لتضطر واشنطن إلى تقديم نص مكتوب شامل يلبي ما تريده المقاومة في صيغة مشروع قرار معدل لمجلس الأمن كي تتفادى الفيتو فتمسكت المقاومة بقرار مجلس الأمن وقدمت ردها عليه لتضع “إسرائيل” في الزاوية لأنها هي من تعطل جميع المبادرات للحل التي باتت واشنطن تحتاجه حاليا أكثر من أي وقت مضى بسبب مأزقها قبل دخولها في سبات سياسي لاقتراب موعد انتخابات الرئاسة المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل والمرشح فيها عن الحزب الديمقراطي الرئيس بايدن, وهذا ما يؤكد حاجة واشنطن للإسراع في إيجاد الحل, 

إلا أن ما يتم طرحه سيزيد المأزق لديهما خاصة, لأن صمود فصائل المقاومة منذ السابع من أكتوبر كان أسطورياً.. فكيف لتل أبيب أن تفرض في المفاوضات ما عجزت عنه عسكرياً؟

 بالتأكيد لن ينجح الاحتلال بتحقيق إنجاز في المفاوضات أمام صلابة موقف المقاومة, لكنه يريد التخلص من مأزق غزة وتحويل الأنظار إلى الضفة الغربية بعد فشله في غزة وعجزه عن إحراز تقدم مقابل تجاوز المقاومة لحظة حرجة مفترضة كان اسمها معركة رفح وإثبات قدرتها على تحويلها من تحدّ إلى فرصة, 

ولذلك بدأ الاحتلال بنقل وحدات النخبة إلى الضفة وتكثيف العمليات فيها لأن نتائج معركة الضفة يمكن أن تقرّر طبيعة الحلّ في غزة وفق ما يدعي الاحتلال.

بالتأكيد لن يستطيع الاحتلال فرض هذه المعادلة لأن الوضع تغير كثيراً بعد طوفان التظاهرات وضغط الرأي العام العالمي فباتت المقاومة محصنة أكثر من أي وقت مضى وكما كانت قوية ومحصنة في غزة فإنها كذلك في الضفة, وما يفكر فيه الاحتلال لن يستطيع تحقيقه حتى قراره بإبعاد المقاومة عن غزة سيفشل وستبقى في غزة مسيطرة بقوتها العسكرية إضافة إلى سيطرتها على كافة المؤسسات المدنية في القطاع, وهذا ما يؤكد تفاقم المأزق في “إسرائيل” وفي الولايات المتحدة أيضاً.

فهل تتغير الأوضاع في المرحلة المقبلة؟ وهل تهرب “إسرائيل” إلى الأمام لتشن حرباً على لبنان للخروج من مأزقها؟ وما هي الضوابط الأمريكية لهذا الخطر مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة؟.. 

بالتأكيد المرحلة المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت، وما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله.

* أ. نضال بركات - كاتب وإعلامي سوري