هل المنطقة أمام صيف ساخن؟

 إن وعد قادة الكيان الصهيوني اللبنانيين بصيف حار, هو الاستعداد لشن عدوان على لبنان لتدمير البنية التحيتة وإعادته إلى العصر الحجري والقضاء على المقاومة وفق ما يدعون, 

وهذا ما كان واضحاً من تحذير وزير الحرب يواف غالانت متوعداً بحرب فتاكة يجري التحضير لها, ومن أجل ذلك طالب رؤساء المستوطنات في الشمال بالاستعداد للمرحلة القادمة ولقتال أكثر صعوبة, حتى تصريح المبعوث الأمريكي إلى لبنان أموس هوكشتاين بأن المفاوضات مع لبنان لوقف التصعيد فشلت, وقد يكون ذلك حجة أو الضوء الأخضر للاحتلال بالهجوم على لبنان, وهذا ما أكدته قيادات عسكرية إسرائيلية من أن خطة الحرب جاهزة, وسينشرون خلال أسبوع التعليمات للمستوطنين في شمال فلسطين المحتلة بشأن الحرب المتوقعة.

إن التهديدات الإسرائيلية بشن العدوان على لبنان ليست جديدة وإنما كانت منذ بدء طوفان الأقصى مع دخول المقاومة كجبهة إسناد للمقاومة في غزة ما أفقد الاحتلال قوته التي كان يتفاخر بها أمام ضربات المقاومة منذ السابع من أكتوبر الماضي في حرب استنزاف طويلة لم يكن معتاداً عليها أدت إلى شلل كبير سياسي وعسكري واقتصادي رغم دعم الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص إلا أنه من مأزق إلى آخر أكبر حتى المبعوث الأمريكي هوكشتاين وزياراته للبنان و”إسرائيل” لم يستطع التوصل إلى الهدنة التي يريدونها فكان رد المقاومة بأنه لا وقف للنار إلا بعد وقف النار في غزة، فزاد مأزقهم لأن ما فعلته المقاومة اللبنانية بالاحتلال أشد خطراً عليه، مما فعلته المقاومة في غزة،

 وبالتالي فإن نتنياهو يريد تحويل البوصلة للمواجهة إلى لبنان لإنهاء المقاومة اللبنانية وفق ما “يدعي” حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير لبنان.

من الواضح بأن المقاومة اللبنانية لديها المعلومات الكاملة عن نية الاحتلال لشن العدوان على لبنان منها تحذير السيد حسن نصر الله لقبرص من مغبة فتح مطاراتها وقواعدها  امام “إسرائيل” لشن هجوم على لبنان مهدداً بأن ذلك سيجعلها جزءاً من الحرب, وهذا التحذير لقبرص ربما ناتج عن عمليات استخبارية تؤكد استعداد الكيان للحرب, 

إضافة إلى حركة طائرات مكثفة ومشبوهة في قاعدة انجيرليك بتركيا وخاصة قاذفات ب 52 والاجتماع الذي عقد في البحرين يوم الإثنين العاشر من حزيران الحالي وضم وفق ما أكد موقع “أكسيوس” الأمريكي القريب من البيت الأبيض، قادة خمسة جيوش عربيّة بحضورِ الجِنرال هرتسي هاليفي رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي وبرعايةِ الجِنرال ميشيل إيريك كوريلا قائد القيادة العسكريّة الأمريكيّة إضافة إلى مشاركة قائد الجيش السعودي إلى جانب نظرائه في مِصر والأردن والإمارات والبحرين.

إن جميع هذه المؤشرات تؤكد النية لشن العدوان على لبنان.. فهل يستطيعون؟

بالتأكيد لن يستطيعوا لأن ما تمتلكه المقاومة من قوة حقيقية تؤكد أنها ستلحق الهزيمة بالعدو وما كشفته المقاومة من خلال أسلوبها في مواجهة الاحتلال يؤكد استحالة إلحاق الهزيمة بها فما بالكم إن توسعت المواجهة لتشمل الجبهة اللبنانية فهل تضمن “إسرائيل” والولايات المتحدة تحقيق الأهداف المرسومة؟.. ففي حال شنت الحرب على لبنان فإن المعركة ستتوسع وهذا ما سمعه مندوب أمريكي اجتمع مع مندوب إيراني مؤخراً في سلطنة عمان من أن أي تحرك ضد المقاومة اللبنانية فإن المعركة ستتوسع وستشارك فيها جميع قوى المقاومة في المحور, 

وفوق هذا كله ما قاله السيد نصر الله في خطابه الأخير يثبت أن هناك معلومات وتقييماً حقيقياً بنيّة الكيان شن الحرب, ولهذا كان السيد نصر الله واضحاً في خطابه عندما أكد أنه لن يكون هناك مكان في “إسرائيل” آمن في حالة اندلاع حرب أوسع مع “إسرائيل”، 

وإذا كانت المقاومة عرضت ما قامت به مسيرة الهدهد فوق الأراضي المحتلة, فهذا يؤكد حقيقة القوة التكنولوجية التي وصلت إليها المقاومة وفق ما قاله السيد نصر الله,

 وبالتالي فإن الشريط المصور لمسيرة الهدهد رسائل عدة في مقدمتها رسالة إلى نتنياهو في حال أراد توسيع الحرب وأن كل المناطق المصورة 

هي أهداف عسكرية إضافة إلى إظهار الضعف التقني لإسرائيل وإظهار القدرات الاستطلاعية للمقاومة وامتلاك المقاومة بنكاً من الأهداف الحيوية والاستراتيجية والأهم من ذلك كله هو فقدان ثقة المستوطنين بجيشهم بعد اختراقات المقاومة من أجل الضغط على حكومة نتنياهو لردعها عن أي مغامرة واسعة تجاه لبنان.

وبعد رسالة الهدهد فقد كانت رسالة السيد نصر الله الأقوى لأنه عرض الوقائع على طريقته ورد على التهديدات الإسرائيلية بأخرى قائلاً إن المقاومة لا تحتاج إلى أي دعم في أي مواجهة شاملة مع العدو، وهي ستحارب براً وجواً وبحراً بلا ضوابط ولا قواعد مشدداً على أنه ليس هناك مكان في الكيان الإسرائيلي بمنأى عن صواريخ ومسيرات المقاومة, حتى جميع السواحل والبواخر وسفن العدو ستستهدف، وفيما لفت إلى أن دخول الجليل يبقى احتمالاً مطروحاً في حال تطور المواجهة كشف أن المقاومة لديها فائض بشري وأسلحة نوعية.

بالطبع إن هذه التحذيرات جاءت في وقت لم يمتص الشارع الإسرائيلي بعد صدمة فيديو الهدهد الذي أظهر جزءاً صغيراً من قدرات حزب الله وأثبت أن التهويل على لبنان بشن حرب لا يعكس حقيقة الوقائع القائمة على الأرض.

يبدو أننا أمام فترة حساسة, وأمام الكم النوعي من المعلومات التي ذكرها السيد نصر الله فقد كانت لإخافة العدو لإعادة حساباته، حتى ذِكر قبرص، فصحيح أنه تهديد مباشر لكنه تلميح لأميركا وخلفها أوروبا أن النار ستُشعل أطرافكم أيضًا.

بكل الأحوال إذا كان الصيف الحار الذي تتوعد به حكومة الاحتلال وارتكبت هذه الحماقة وشنت حرباً ضد لبنان فإن الوضع لن يكون حاراً إلا عليها, وما أكدته صـحـيـفـة “يـديـعـوت أحـرونـوت” بأن حزب الله حوّل الجليل في الأشهر الأخيرة، ليس إلى قطاع هجره سكانه فحسب، بل إلى مختبر لبحوث وتطوير الوسائل القتالية، بهدف الاستعداد بشكل أفضل وأشد دقةً وفتكًا لمواجهة واسعة مع إسرائيل,

وبالتالي فإن قوة المقاومة وما تمتلكه من إمكانيات لديها و”عرضها السيد نصر الله في خطابه” وتجهلها القيادة العسكرية الإسرائيلية سيزيد مأزق “إسرائيل” ولا تستطيع أن تتحمل الخسائر الكبيرة التي ستلحق بها, وإذا كانت المقاومة في غزة وبإمكانياتها المحدودة أذلت الإسرائيليين, فما بالكم في حال توسعت الحرب مع جبهات إسناد المقاومة.

* أ. نضال بركات - كاتب وإعلامي سوري