عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق ضرورة

 صحيفة "استقلال" التركية تنشر مقالاً للكاتب زكي أوزدمير، يتحدث فيه عن احتمال عودة العلاقات السورية التركية، وإدراك الرئيس التركي أنّ القضاء على حزب العمال الكردستاني لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعاون مع روسيا وسوريا وإيران، عسكرياً واقتصادياً.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

في الـ4 من نيسان/أبريل 2023، كانت تركيا أبرمت مع العراق مجموعة من الاتفاقيات الاستراتيجية والحيوية ذات الأفق الموسع في المجالات التجارية والأمنية والعسكرية، بعيدة المدى، بحيث بدأ تعاون وثيق بين الطرفين بهدف الاتحاد الاقتصادي التجاري والقضاء على العدو المشترك، متمثّلاً بحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب.
 
وقطعت تركيا شوطاً كبيراً في الآونة الأخيرة على صعيد سياستها الخارجية، إذ زادت في علاقاتها الاستراتيجية والودّية وتعاونها مع الدول المحيطة بها، ومع عدد من دول الشرق الأوسط، بغية تعزيز السلام والأمن في المنطقة.
 
فبعد حرب ناغورنو كاراباخ، بدأت تركيا التطبيع مع أرمينيا، كما بدأت تحسين علاقاتها بجارتها اليونان، وأعادت تواصلها مع مصر وبعض دول الخليج، بعد تجميد العلاقات على مدى 12 عاماً، وشرعت في التعاون معها في مجال الأمن والطاقة في شرقي المتوسط.

أما فيما يتعلق بسوريا، فظلّت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة منذ بداية الحرب قبل 13 عاماً، بيد أنّ التطورات والمستجدات، التي ظهرت في الأسبوع الأخير من حزيران/يونيو الفائت، ولَّدت لتركيا إمكان بناء علاقات بسوريا، على غرار الاتفاقيات الأمنية والتجارية التي أبرمتها تركيا مع العراق.
 
في الأسبوع الأخير من شهر حزيران/يونيو، اجتمع الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، ألكسندر لافرنتيف، بالرئيس بشار الأسد، الذي أكد حينها أنه ليس هناك ما يمنع إجراء اتصالات دبلوماسية بتركيا، وإعادة العلاقات إلى طبيعتها، بشرط وحدة سوريا السياسية وسيادتها والمحافظة على كامل ترابها الوطني، وإزالة التنظيمات الإرهابية كافةً من أراضيها.

من جانبه، أبدى لافرنتيف استعداد بلاده للمساهمة في تحريك عجلة المفاوضات بين البلدين لإنشاء جسر التعاون بينهما. وسرعان ما لفت الرئيس رجب طيب إردوغان إلى إمكان إعادة العلاقات بين البلدين إلى نصابها، واحتمال لقائه الأسد.

وعقب اجتماع إردوغان وبوتين في العاصمة الكازاخية، آستانا في الـ4 من تموز/يوليو، قال إردوغان إنّه قد يدعو بوتين والأسد إلى عقد قمة ثلاثية في أنقرة من أجل البحث في تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا، موضحاً أنّ زيارة بوتين لتركيا ستكون بداية مرحلة جديدة من أجل إحلال السلام والأمن في المنطقة.

كل هذا يعني أنّه جرت نقاشات هادئة وعميقة على المستوى الاستخباري، وأنّ الظروف باتت مواتية لبدء تحسين العلاقات الدبلوماسية. بسبب وجود عدو مشترك، فمن هو هذا العدو، الذي قسَّم سوريا وأنهكها؟ إنّه الغرب المتمثل بأميركا وأوروبا وأدواتها، التي تعمل كالبيادق، من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وتنظيم "داعش" و"إسرائيل"، التي تحلم بتأسيس "إسرائيل" الكبرى (أرض الميعاد). ومن أجل تحقيق هذا الحلم، أُسست في الشمال السوري "دولة إسرائيل" الثانية، وهي "الدولة" الإرهابية التي يقودها حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب، في خطوة لتوحيد "الدولتين الإسرائيليتين" الإرهابيتين مستقبلاً.

ويعلم بوتين والأسد جيداً بأنّه لا يمكن إزالة مختلف أنواع التهديدات ومخاطر الانقسام والتجزُّؤ في المنطقة، كما لا يمكن دحر الغرب من سوريا، من دون تعاون مع تركيا التي تعاني الاضطرابات الأمنية منذ نحو 40 عاماً، وتخوض حرب وجود في مكافحة حزب العمال الكردستاني، وهي تدرك جيداً أنّه يجب القضاء على هذا الحزب، الذي يشكل تهديداً مشتركاً بالنسبة إلى تركيا وإيران والعراق وسوريا. كما أنها تدرك أنه يجب طرد الإمبريالية الغربية من هذه المنطقة بصورة تامة، من أجل إحلال السلام والأمن في المنطقة. وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تطوير العلاقات والتعاون والترابط الوجودي والتحالف التاريخي والاستراتيجي مع دول المنطقة، ولاسيما سوريا.

ترى تركيا أيضاً أنّه لا يمكن القضاء على العمال الكردستاني والصهيونية، ودفن المجازر الجماعية في صفحات التاريخ، وطرد الإمبريالية الغربية والمحتلين من المنطقة، إلا عبر التعاون مع روسيا وسوريا وإيران، عسكرياً واقتصادياً، ويمكن إضافة دول أخرى إلى هذا التعاون إذا اقتضى الأمر.

وهذا ما يضمن عودة اللاجئين السوريين، غير المندمجين اجتماعياً وثقافياً في المجتمع التركي، إلى وطنهم سوريا، بصورة آمنة، الأمر الذي يضمن حماية النسيج الديموغرافي السوري.

ونأمل أن تقوم تركيا، في المستقبل القريب، بتعزيز علاقات الأخوة والصداقة القائمة على حسن الجوار ونبذ النزاع وبناء العلاقات الاستراتيجية والتحالفية وإبرام المعاهدات العسكرية والأمنية، والعمل على التعاون الاقتصادي المتكامل مع سوريا، كما فعلت مع العراق. وعبر ذلك، يمكن القضاء على العدو المشترك ودحر المحتلين والصهاينة والإمبرياليين من المنطقة. فالظروف الآن مواتية لذلك، كما لم تكن من قبل.