أردوغان وشروط دمشق للمصالحة

 
هذا هو أردوغان عندما يضيق به الوضع ينقلب على كل ما كان يقوم به في السابق ما دام ذلك يخدم سياسته , وخطواته الحالية باتجاه سورية تؤكد ذلك من أجل المصالحة  ولقاء الرئيس الأسد , فيما يقابل ذلك صمت سوري مع إمكانية الإنفتاح على أي مبادرة للمصالحة ولكن بشروك سورية .

إن تحرك اردوغان الجديد للمصالحة ليس حبا بالسوريين وإنما ليتخلص من مأزقه الداخلي بعد ان انعكس ما تسبب به من نشر للإرهاب في سورية لتدمير الدولة السورية عليه وتراجع شعبيته وانتشار الإرهاب وتدهور الإقتصاد التركي وانعكاس مشكلة اللاجئين السوريين التي تسبب بها على وضعه الداخلي مع ضغط كبير من المعارضة التركية في هذا المجال , كل ذلك جعله  يستدير ويطرق أبواب دمشق ليس من الآن وإنما منذ سنوات , ولكن مأزقه الآن أكبر وتصريحاته شبه يومية حول إمكانية عقد اللقاء مع الرئيس الأسد يشير إلى استعجاله لذلك , بينما صمت دمشق يؤكد انها غير مستعجلة إلا إذا كان هناك في المقابل خطوات جدية على الأرض تؤكد انسحاب القوات التركية من الشمال السوري.

إذا دققنا في تصريحات أردوغان المتتالية حول إمكانية اللقاء مع الرئيس الأسد برعاية روسيا والعراق يشير إلى استعجاله لذلك , أما الرئيس الأسد فقد أكد خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، على انفتاح سورية على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سورية وتركيا، والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى, هذا الموقف هو الأساس لعودة العلاقات ...

وفي تصريحات سابقة للرئيس الأسد لوكالة أنباء "ريا نوفوستي" الروسية،  قال : هدفنا هو الانسحاب من الأراضي السورية بينما هدف أردوغان هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سورية، فلذلك لا يمكن أن يتم اللقاء تحت شروط أردوغان".

ولدى سؤاله عن تصريحات أردوغان التي تحدث فيها مرارا بأن الانسحاب التركي لن يتم من سورية مادام هناك إرهاب يهدد الدولة التركية، قال الأسد: "الحقيقة، الإرهاب الموجود في سورية هو صناعة تركية، جبهة النصرة، أحرار الشام هي تسميات مختلفة لجهة واحدة كلها صناعة تركية وتمّول حتى هذه اللحظة من تركيا، إذن عن أي إرهاب يتحدث ...

من الواضح جدا ان سورية ليست مستعجلة إلا وفق أسس قوية تدعم هذه المصالحة في مقدمتها انسحاب القوات التركية من الشمال السوري , وهذا الشرط الأساسي للإنتقال إلى مراحل أخرى من التفاوض لعودة العلاقات خاصة وأن الجميع يعرف جيدا تصرفات أردوغان وتقلباته وتراجعه عن مواقفه , ولكن بسبب الضغوط الداخلية هي التي دفعته للطلب من العراق وإيران وروسيا التوسط لإعادة اللقاء وترتيب اللقاء مع الرئيس الأسد من أجل أن يحصل على أوراق بوجه المعارضة التركية داخليا منها ما يتعلق اللاجئين السوريين واستحقاقات أمنية خارج الحدود خاصة فيما يتعلق بالأكراد  لأن أنقرة تضع الملف الكردي في سلّم أولوياتها  وهي تدرك أنّ إغلاق هذا الملف ، سيكون مستحيلاً دون التنسيق مع دمشق , على الرغم من أنّ المقاربة السورية لملف الكرد ليست متطابقة مع المقاربة التركية.
    
  *المعارضة التركية تتسابق مع أردوغان لزيارة دمشق ولقاء الرئيس الأسد*

من الواضح ان استعجال اردوغان للمصالحة مع دمشق يريد أن ينتقل إلى مرحلة أخرى لمواجهة المعارضة الداخلية لتنقية سيرته السيئة خلال فترته الرئاسية الأخيرة , والمعارضة تعرف ذلك جيدا فباتت هي الأخرى تتسابق لزيارة دمشق للقاء الرئيس الأسد , وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في تركيا، أوزغور أوزال، إنه يقوم بمحاولات لترتيب لقاء مع الرئيس الأسد، وسوف أبذل كل ما بوسعي لتحقيق المصالحة.

مساعي المصالحة لم تقتصر على أردوغان وأوزال ، بل معظم الأحزاب السياسية أيضاً تسعى للتواصل مع القيادات السورية عبر القنوات المختلفة ومنها قيادات حزب الشعوب والمساواة الديمقراطي الكردي ، لبحث موضوع المصالحة التركية السورية ، وقالت الرئيسة المشتركة للحزب تولاي حاتم أوغوللاري: "إن الحل الديمقراطي للمشكلة الكردية سيساهم في إنهاء كل مشكلات المنطقة بعيداً عن التدخلات الخارجية".

إن التحركات التركية في الآونة الأخيرة سواء كان من أردوغان او من المعارضة لإعادة العلاقات مع دمشق خطوة إيجابية قد تغير مسار العلاقات بين البلدين وتساهم في تحقيق المصالحة وفق الشروط والمطالب السورية بعد اعترافات الرئيس إردوغان بشكل مباشر وغير مباشر بخطأ السياسات التركية في سورية، وهو ما أكّدته أحزاب المعارضة منذ الأيام الأولى للأزمة في سورية  .

 فهل يسارع أردوغان لسحب قواته من الشمال السوري؟

إن دمشق التي تعرف جيدا تقلبات أردوغان لن تستعجل المصالحة , وفي حال بدأت أنقرة تسريع الخطوات المطلوبة منها , بالتأكيد ستنتقل العلاقات إلى مرحلة متقدمة لتكون كما كانت قبل بدء الأزمة ... 

* أ. نضال بركات -  إعلامي وكاتب سوري