أذن ترامب المخدوشة تطوّبه زعيم البيت الأبيض

انتهت الرمادية، أقله بالنسبة إلى أحد أغنى أغنياء العالم، إيلون ماسك. 

فالملياردير الجنوب أفريقي لم يعد خجلاً من إعلان تأييده الصريح للرئيس الـ45 للولايات المتحدة دونالد ترامب عقب الهجوم عليه، كما دعم حملته الانتخابية للسباق الرئاسي في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. 

وقد أعلن ماسك، مالك منصة «إكس»، ذلك في تغريدة حظيت بتفاعل كبير، حاصداً أكثر من 211 مليون مشاهدة و417 ألف إعادة تغريد. تجاوز هذا المستوى من التفاعل، بيان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي أدان فيه العنف السياسي. 

وانضم إلى ماسك في دعم ترامب، مدير صندوق التحوط الملياردير الصهيوني بيل أكمان، الذي كان من أبرز الداعين إلى إزاحة عميدة الدراسات الاجتماعية وعميدة كلية الآداب والعلوم في جامعة «هارفارد» كلودين غاي، بسبب موقفها المناصر للقضية الفلسطينية. 

وذكر أكمان أنه كان قد قرّر سراً تأييد ترامب «منذ بعض الوقت» لكنه لم يشعر بالحاجة الملحة إلى الإعلان عن ذلك حتى الآن.
 
أما صاحب الرأس المال الاستثماري والعملاق الإسرائيلي في مجال التكنولوجيا، ديفيد ساكس، فقد أكد على دعمه للرئيس السابق، علماً أنه كان قد انتقد ترامب في أعقاب أعمال الشغب التي وقعت في مبنى الكابيتول في 6 كانون الأول (يناير) 2021. 

وقد استضاف ساكس أخيراً احتفالاً لجمع التبرعات لترامب بمبالغ طائلة وأشار إليه على أنه «بطل خاطر بكل شيء من أجل هذا البلد».

استخدم ماسك وآخرون منصة «إكس» لانتقاد مبادرات جهاز الخدمة السرية المنوط بحماية الرؤساء الحاليين والسابقين والمرشحين للمنصب، بسبب توظيف الإناث أعضاءً في السلك تحت بند التنوّع (إضافة الإناث إلى الجهاز حصل في زمن إدارة ترامب). 

وقدّم ادعاءات لا أساس لها من الصحة حول عملية إطلاق النار. عملياً، حوّل ماسك المنصة التي يملكها إلى مكبر صوت ضخّم المنشورات التي تسخر من مدير جهاز الخدمة السرية بسبب «تعيينات التنوع»، مردّداً حججاً مماثلة كان قد أدلى بها سابقاً حول صناعة الطيران.

وأتت هذه التأييدات في وقت حاسم قبل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري (RNC) في ميلووكي أول من أمس الإثنين، حيث أعلن الحزب الجمهوري بشكل رسمي عن ترشيح دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، كما أعلن ترامب عن اسم نائب الرئيس جايمس فانس، وهو يشغل حالياً منصب سيناتور عن ولاية أوهايو. 

علماً أن الأخير كان قد وصف ترامب في عام 2016 بأنه «هتلر الولايات المتحدة».

أثار دعم هؤلاء المليارديرات تساؤلات حول تقاطع الثروة والتكنولوجيا والسياسة. أثناء مدة ولاية ترامب، شهد أصحاب المليارات زيادة ثرواتهم الجماعية بمقدار تريليون دولار، مع تحقيقهم مكاسب مالية هائلة بعد التخفيضات الضريبية لعام 2017، ولا سيما إيلون ماسك، الذي شهد زيادة مذهلة بنسبة 1222.8% في صافي ثروته بين كانون الأول (ديسمبر) 2017 وأيلول (سبتمبر) 2023، وفقاً لتقرير نشره موقع «بلومبيرغ» في 30 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2020.
 
ومع اقتراب موعد انتخابات عام 2024، من المرجح أن يظل دور تأييد المليارديرات وتأثيرهم على الرأي العام موضوعاً مقلقاً، وخصوصاً مع كشف موقع «بلومبيرغ» في 13 تموز (يوليو) الحالي أنّ ماسك قدّم تبرعاً كبيراً إلى «لجنة العمل السياسي الكبرى» (Super Pac) الداعمة لترشح دونالد ترامب للبيت الأبيض. 

والأخيرة مجموعة تعمل على دعم جهود حملة ترامب، ولا سيما في الولايات المتأرجحة. وكشفت صحيفة «وال ستريت جورنال» أول من أمس أنّ ماسك سيخصّص نحو 45 مليون دولار شهرياً للجنة America PAC المؤيدة لترامب. 

وتمثل هذه الخطوة تحولاً كبيراً بالنسبة إلى ماسك الذي كان يصف نفسه في السابق بأنه مستقل سياسي عازف عن الانخراط في السياسة الحزبية. 

وتعمل America PAC، المتلقية لتبرع ماسك، من وراء الكواليس على تعزيز حملة ترامب على الأرض. وقد أنفقت 15.8 مليون دولار حتى الآن، مع تخصيص 13.1 مليون دولار للعمليات الميدانية. 

وتشمل هذه الجهود مبادرات الإقناع عبر الوصول إلى الناخبين على الأرض ومنازلهم ومبادرات الحصول على أصوات الناخبين، ولا سيما في الولايات الرئيسية.

يُنظر إلى التبرع السياسي الذي قدمه ماسك على أنه قد يغيّر قواعد اللعبة في انتخابات 2024. 

هو لا يوفر دفعة مالية كبيرة لحملة ترامب الانتخابية فقط، بل يشير أيضاً إلى نفوذ ماسك المتزايد في واشنطن بصفته الرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا» و«سابيس إكس» و«إكس» وغيرها من شركات التكنولوجيا،

 إذ تتلقى شركات ماسك عقوداً حكومية كبيرة وكثيراً ما تتعامل مع الوكالات الفيدرالية في المسائل التنظيمية. 

كما يأتي هذا الدعم المالي من ماسك في وقت حاسم بالنسبة إلى حملة ترامب. فقد تفوّق الرئيس السابق أخيراً على منافسه، الرئيس الحالي جو بايدن، في جمع التبرعات، مدعوماً من وول ستريت والشركات المانحة. 

وعلى العكس من ذلك، شهدت جهود بايدن في جمع التبرعات تراجعاً في أعقاب الأداء الضعيف الذي حققه في المناظرة الأولى. 

وقد أثار هذا التطور انتقادات من حملة بايدن، إذ قال المتحدث باسمها جيمس سينغر إن «أصحاب المليارات المتغطرسون الذين لا يهتمون إلا بأنفسهم ليسوا ما تريده أميركا أو ما تحتاجه أميركا».

في عصر ما بعد الحقيقة، يكتسب تأثير عمالقة التكنولوجيا على الانتخابات أهمية أكبر. فقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بمنزلة أرض خصبة للمعلومات المضلّلة ونظريات المؤامرة و«الحقائق البديلة». 

إن محاولة قادة التكنولوجيا التحكّم بهذه المنصات تمنحهم القدرة على تضخيم أو قمع روايات معينة، ما قد يؤدي إلى التأثير على الرأي العام بناءً على أجندات شخصية أو مؤسّسية بدلاً من الحقيقة الموضوعية. يمكن للخوارزميات التي تحدد المحتوى الذي يراه المستخدمون، أن تعزّز توجهات معينة وتزيد من استقطاب الناخبين. 

في ظل هذا المشهد، قد يجد الناخبون أنفسهم يتخذون قراراتهم ليس بناءً على حقائق، بل بناءً على مناشدات عاطفية وولاءات قبلية رقمية وحقائق منسّقة تُعرض عليهم عبر شاشاتهم. 

ونتيجة لذلك، قد لا تكون انتخابات عام 2024 مجرد منافسة بين الأفكار والسياسات، بل قد تكون معركة على الواقع المتصوّر نفسه، وخصوصاً مع عمل عمالقة التكنولوجيا ومنصاتهم «حراساً لبوابة الإنترنت» وصائغي الخطاب العام في بيئة رقمية تزداد تركزاً في أيدي قلة من الأثرياء. 

علي عواد