دراما رئاسيات أميركا: بايدن يتنحّى... للمجهول

 خلال الأسابيع الأخيرة، وعلى وقع عدم رضى غالبية الأميركيين عن «الدرك السياسي» الذي وصلت إليه الحملات الرئاسية للمرشحَين الديمقراطي والجمهوري، تراكمت العثرات أمام احتمالات فوز الرئيس الأميركي، جو بايدن، بولاية جديدة. 

وهي عثرات بدأت بمناظرته «السيئة الطالع» مع منافسه دونالد ترامب، لِما أسهمت به من إعادة إثارة التكهنات حول مدى أهليته الذهنية والجسدية للترشّح للرئاسة بفعل تقدّمه في السن، وتواصلت مع تراجع نسبة معارضة ترشّحه لدى قاعدة واسعة من الناخبين الديمقراطيين (65%)، ثم بلغت ذروتها بمحاولة اغتيال المرشّح الجمهوري في بنسلفانيا، لِما أعطته من قوّة دفع جديدة لحملة لترامب، ولا سيما بعد الظهور «القوي» للأخير في خطابه في غراند رابيدز في ولاية ميشيغان، والذي يُعد الأول له بصحبة نائبه السيناتور جي دي فانس، وحمل إشارات حول استعادته نبرته «العدوانية» تجاه خصومه السياسيين.

وعلى خلفية كل تلك التطورات، تعالت الأصوات داخل الحزب الديمقراطي الداعية إلى تنحّي بايدن عن السباق الرئاسي في أقرب فرصة ممكنة. 

واكتسبت هذه الأصوات زخماً، مع الإعلان عن إصابة بايدن بفيروس «كورونا»، إلى جانب تسريبات صحافية حول ارتباك أدائه الذهني خلال اجتماع له، عبر تقنية الفيديو، مع عدد من مشرّعي حزبه، وهو ما كان سبباً مباشراً، من ضمن جملة أسباب أخرى - تتعلّق بضغوط كبار مانحي «الديمقراطي»، وتحوّل في موقف أسرة بايدن - في إعلان الرئيس الأميركي، خلال الساعات القليلة الماضية، قراره التنحّي عن مواصلة الانتخابات الرئاسية.

إشارات متضاربة ما قبل التنحي

في «بيان التنحّي»، خاطب بايدن الجمهور الأميركي، مستعرضاً سلسلة ممّا عدّها «إنجازات» عهده على مستويات الصحة، والاقتصاد، والتغير المناخي. كما خاطب جمهور الديمقراطيين، قائلاً إنه «آن أوان التلاحم معاً، والعمل بشكل مشترك على هزيمة ترامب»، 

مبدياً في الوقت نفسه «تأييده المطلق» لأن تحظى نائبته كامالا هاريس، بترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية. وكان الرئيس المنسحب من سباق الترشّح إلى ولاية ثانية، والذي طوى، حاله حال المعسكر الجمهوري، صفحة «الهدنة السياسية» الوجيزة التي أعقبت محاولة اغتيال ترامب، قد بعث بإشارات متضاربة في الأيام القليلة الماضية في شأن مستقبل حملته الانتخابية.

فبعد ساعات من «واقعة بنسلفانيا»، والتي أسهمت في إذكاء حملة «الديمقراطيين» من الداعين منذ أشهر إلى تسمية مرشّح بديل لبايدن، ردّت الحملة الانتخابية للأخير وكبار مسؤولي البيت الأبيض بتأكيد تمسّك الرجل بإكمال معركته الرئاسية. وهو موقف أعقبه شيوع الأنباء عن بدء تعافي الرئيس من إصابته بفيروس «كورونا»، وتطلّعه إلى استئناف نشاطاته في غضون أيام، بقصد التغلّب على ما سمّته الحملة «رؤية ترامب المظلمة للمستقبل (والتي) لا تمثّلنا كأميركيين»، و»فضح التهديد الذي تمثّله أجندة» الرئيس السابق.
 
وفي مقابل تلك المواقف التي وضعها مراقبون في إطار مكابرة بايدن في وجه خصمه، ومحاولته العبثية لوقف دخول حملته في طور «النزع الأخير»، أدلى الرئيس الأميركي، تحت وطأة ضغوط من محازبيه، بتصريحات مغايرة فُهم منها انفتاحه على فكرة الانسحاب، حين أكد، في مقابلة مع محطة «بي إي تي»، أنه سيعيد النظر في خوض الانتخابات، إذا قال له الأطباء إنه يعاني من «مشكلة صحية».

وأشار بايدن إلى أنه أنجز العديد من الأمور خلال ولايته الرئاسية الحالية، ملمّحاً إلى تردده في عدم استكمال تلك المنجزات. والظاهر أن المتغيرات في موقف أسرة الرئيس، لعبت دورها الحاسم في تليين موقفه، وإقناعه بالعدول عن فكرة الترشّح. فقبل أيام قليلة من تنحّي بايدن عن «الرئاسيات»، كشفت تسريبات في وسائل الإعلام الأميركية من الدائرة الضيقة اللصيقة ببايدن، ومن داخل أسرته تحديداً، وجود بحث جدّي في خيار الانسحاب من الانتخابات الرئاسية.

وفي هذا الإطار، نقلت شبكة «إن بي سي»، عن مصادر مطّلعة، قولها إن عائلة الرئيس كانت قد عكفت أخيراً على البحث في آلية الانسحاب، مشيرة إلى أن بايدن قد حسم أمره بالعدول عن الترشّح لاعتبارات تتعلّق بمدى تأثير مضيّه في الحملة على صحته وعائلته واستقرار البلاد.

مناوأة ديمقراطية علنية لبايدن

تقاطعت تلك التسريبات مع سلسلة اجتماعات عقدها بايدن مع كبار المشرّعين الديمقراطيين، وعلى رأسهم آدم شيف، بحضور أعضاء في المجمعات الانتخابية ممثّلين للأقليات من أصول لاتينية وأفريقية، لبحث «خطة الانسحاب»، وصاحبتها مواقف علنية من قِبَل مشرّعين ديمقراطيين كبار، من بينهم السيناتوران إليزابيث وارين وكريس كونز، وشبه علنية لقرابة 50 من قيادات الحزب الديمقراطي، طالبت جميعها بخروج بايدن.

ومن بين تلك القيادات، رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، والرئيس السابق باراك أوباما، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذي أُشيع أنه أسهم أخيراً في حثّ «اللجنة الوطنية الديمقراطية» على تأجيل ترشيح بايدن، بعدما بات هؤلاء أكثر قناعة بضرورة إخلاء الساحة لمرشّح رئاسي جديد، على وقْع تزايد أعداد كبار مموّلي الحزب، من المنادين بتسمية مرشح بديل لبايدن للحفاظ على حظوظهم في انتخابات الكونغرس والرئاسة.

وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن «خطّة» شومر كانت تتركّز على أن يتم التصويت على تسمية المرشح البديل عبر الإنترنت في وقت مبكر من الأول من آب المقبل، مع طيّ صفحة ترشيح بايدن رسمياً بحلول السابع من الشهر نفسه، أي قبل أسبوعين تقريباً من بدء «المؤتمر الوطني الديمقراطي» في شيكاغو.

ومن جملة الأسباب التي أسهمت في تنامي موجة المناوأة لترشيح بايدن في أوساط حزبه، هو ما كشفته شبكة «سي إن إن» من أن محاولة اغتيال ترامب تقرّبه من ضمان الحصول على 330 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابي في «رئاسيات أميركا»، وأن «الأرقام تزداد سوءاً» بالنسبة إلى بايدن.

خضر خروبي