"Tomdispatch": انحطاط الرئاسة الأميركية وانهيارها

 موقع "Tomdispatch" ينشر مقالاً للكاتب توم إنغلهارت، يتحدث فيه عن تراجع الهيمنة الأميركية على العالم، خصوصاً في حال فوز دونالد ترامب، الكبير في السن، بالرئاسة.

  نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

خطأ فادح أن يصوّت الأميركيون في تشرين الثاني/نوفمبر لمصلحة رجل واحد من رجلين طاعنين في السن، أحدهما يبلغ 77 عاماً والآخر 81 عاماً، وكلاهما أظهر بوضوح مشكلات لغوية وفكرية لفترة طويلة من الزمن، إلا أنّ جو بايدن تنحّى مساء اليوم الأحد.

وللتوضيح، تذكّروا أنّه حتى دخول رونالد ريغان فترة ولايته الثانية في منصبه عام 1985 (التي أصيب خلالها بالخرف قبل مغادرة البيت الأبيض عن عمر يناهز 77 عاماً)، كان أكبر الرؤساء سناً هو دوايت د. أيزنهاور، وكان عمره 70 عاماً (نعم، 70 عاماً!)، ليس عند دخوله البيت الأبيض، ولكن عند مغادرته بعد فترة ولايته الثانية عام 1961.

بالطبع، كانت تلك أميركا أخرى في عصر آخر، وكان من الطبيعي للغاية أن يكون لدينا أصغر رئيس على الإطلاق، وهو جون إف كينيدي، الذي كان يبلغ 46 عاماً فقط عندما اغتيل.

وقد حدث ذلك عام 1963 أو في وقت مبكر نسبياً مما كان يعرف سابقاً بـ"القرن الأميركي". في الواقع، استُخدمت هذه العبارة لأول مرة في شباط/فبراير 1941 قبل قدوم جو بايدن أو دونالد ترامب أو مؤلف هذا المقال إلى الحياة. وكانت عنوان افتتاحية في مجلة "لايف" (LIFE) لصاحبها هنري لوس، كتب فيها: "القرن العشرون هو القرن الأميركي".

ومن خلال وضع صورة إمبريالية واضحة لمستقبل أميركا بالكامل في ذهنه، كان لوس يحثّ على دخول البلاد بشكل كبير إلى "المشهد العالمي"، ويدافع عن بريطانيا العظمى، إلى ما أصبح يعرف باسم الحرب العالمية الثانية. كما كان مقتنعاً بأن القرن العشرين سيكون بالفعل "القرن الأول للولايات المتحدة كقوة مهيمنة في العالم".

وعندما يتعلق الأمر بالقوى العظمى، لم تكن الولايات المتحدة وحدها موجودة على الأرض، على الرغم من موقعها المهيمن، إذ كان هناك الصراع العالمي الذي أصبح يُعرف باسم الحرب الباردة، والذي غالباً ما كان يذهب في اتجاه أكثر سخونة مع الاتحاد السوفياتي (وحليفته الصين الشيوعية التي حاربت الولايات المتحدة قوّاتها بقوة في الحرب الكورية مطلع الخمسينيات). وفي أواخر الخمسينيات، عندما كنا، جو ودونالد وأنا، "ننحني ونحتمي" تحت مقاعدنا الدراسية، كان بإمكان هذا البلد أو الاتحاد السوفياتي إنهاء كل شيء بترساناتهما النووية الآخذة في التوسع.

ومع ذلك، كانت السنوات من عام 1945 وحتى لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 سنوات أميركية بالكامل، وكان هذا هو الشعور السائد في هذا البلد، فقد امتد حكم واشنطن من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى حلف جنوب شرق آسيا (سياتو)، وكانت لديها مشكلاتها الخاصة باعتراف الجميع.

على الرغم من ضخها أموالاً لمصلحة جيشها (كما هي الحال في يومنا هذا) أكثر بكثير من أي دولة أخرى على هذه الأرض، من كوريا إلى فيتنام، فقد أثبتت أنها غير قادرة على الفوز في حرب كبرى في آسيا. ورغم ذلك، كانت حقيقةً، ومن عدة نواحٍ، قوة مهيمنة عالمياً، وإن لم تكن القوة الوحيدة. والأطفال مثلي أو مثل جو ودونالد ممن نشأوا في مثل هذا العالم شعروا بأنهم يعيشون بشكل واضح في عصر "ثقافة النصر".

وبطبيعة الحال، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بدا كل ذلك أبعد من أن يكون بديهياً، وبدا هنري لوس شخصاً مهماً. في ذلك الوقت، كانت هذه الدولة وحدها من حيث القوى العظمى تتمتع بكل القوّة الموجودة على الكرة الأرضية، وشهدت المرحلة التي كان فيها المسؤولون الأميركيون يحبذون الإشارة إلى الولايات المتحدة باعتبارها "القوة العظمى الباقية" أو "الوحيدة" أو حتى "القوة العظمى المطلقة".

بحلول ذلك الوقت، كان جو بايدن، البالغ نحو 49 عاماً، عضواً في مجلس الشيوخ في واشنطن العاصمة لمدة 18 عاماً، فيما كان دونالد ترامب، البالغ 45 عاماً، الرئيس "الناجح" لشركة "ترامب مانجمنت" (وهي شركة والده التي أصبح لأجلها "متدرباً"). وعلى الرغم من خسارته ملايين الدولارات في كثير من الأحيان، فإنه كان أيضاً مالكاً لفندق "بلازا" في مدينة نيويورك ومنتجع "مارالاغو" في فلوريدا وعدد من الكازينوهات المتعثرة في أتلانتيك سيتي.

وعام 1991، بدا يقيناً كما لو أنّ كل شخص على هذه الأرض (بما في ذلك جو ودونالد)، سواء كان مهتماً بذلك أم لا، دخل القرن الأميركي بطريقة مبهرة. ونظراً إلى عدم وجود قوى عظمى أخرى، لم تكن الصين قد بدأت "صعودها" بعد، فإن عبارة "القوة العظمى الأخيرة" لم تكن تبدو مبالغة أو حتى تبجحاً في القرن الأميركي الذي كان عمره آنذاك 50 عاماً فقط، وإذا جاز التعبير في مقتبل العمر. لقد كانت بالتأكيد مرحلة اعتقد فيها صنّاع القرار في واشنطن أن العالم تُرك لنا بقفله وأمواله ونفطه، وهي الحالة التي أصابت بشكل طبيعي كلاً من جو بايدن ودونالد ترامب اللذين كانا لا يزالان شابين نسبياً.

إساءة الحديث عن القرن الأميركي

واليوم، بعد مرور 83 عاماً على بداية ذلك القرن، لا أحتاج إلى الإشارة إلى أن هذا الكوكب، أياً كان شكله، ليس كوكباً أميركياً بالكامل. وقد تعتقدون أيضاً أنّ القرن الأميركي في سن الشيخوخة أصبح المكان الرمزي المثالي لترامب في حال فاز بالرئاسة بعد تنحّي بايدن، وسيكون من الصعب الحصول على إحساس أكثر وضوحاً بمدى تقدم القرن الأميركي من خلال مشاهدة ترامب الذي ولد في ذلك القرن يترشح مرة أخرى للرئاسة في عالم أميركي يبدو بوضوح أنّه يقف على حافة الهاوية.

ترامب يرسم صورة لأميركا العجوز. وفي حال فاز في انتخابات عام 2024، يُحتمل أن تشهد الديمقراطية في هذا البلد نهايتها بمعناها الحرفي.

لم أتخيل قط أنني قد أواجه يوماً ما عالماً يمكن فيه لدونالد ترامب أن يمتلك سلطة استثنائية تتمثل في القدرة على جعل عام 2024 آخر عام تحصل فيه انتخابات أميركية حقيقية، ويمكنه بالفعل أن يضع علامة التعجب الأخيرة للعالم الأميركي الذي ألِفته طوال هذه السنوات، سواء فاز بالرئاسة أم لا.

وإذا فاز ترامب أم لا، فإننا سنشاهد قوة إمبريالية عظمى تنهار على كوكب قد يكون بحد ذاته في طريقه نحو السقوط. خلال نشأتي في الخمسينيات، لم أفكر في الولايات المتحدة باعتبارها قوة إمبريالية، فقد كانت بلادي تمثل دولة ديمقراطية (أو هكذا اعتقدت ذات مرة) حققت نتائج جيدة بشكل عام في عالمنا الصعب هذا. واليوم، مهما كان رأيكم في الأمر، يبدو أنها تستعد للسقوط لوقت طويل في عالم أقل أميركية من أي وقت مضى؛ بل وربما بطريقة أسرع في حال تولى دونالد ترامب مقاليد الرئاسة التي أصبحت مؤخراً أكثر استبدادية من قبل محكمته العليا. 

وبات اليوم من الصعب أن نتخيل وجود عالم كانت فيه هذه الدولة "القوة العظمى الوحيدة" بلا منازع. وبدلاً من ذلك، يبدو أن هذا البلد بصدد تحويل نفسه إلى ثقافة مدججة بالسلاح وممتلئة بالعثرات ومسببة للخلافات على كوكب يهدد بالدخول في فوضى من الحروب، فضلاً عن موجات الجفاف والحرائق والفيضانات والعواصف والحرارة غير المسبوقة.

وفي حال أُعيد انتخاب انتخاب دونالد ترامب العجوز في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، والذي كاد يُقتل مؤخراً على يد شاب كان يقف على سطح أحد الأبنية في بتلر بولاية بنسلفانيا ببندقية "إيه آر-15" (AR-15)، فسنجد أنفسنا بلا شك في نسخة لا يمكن تصورها تقريباً من ثقافة الهزيمة!