خطاب نتنياهو في الكونغرس تحريض على الحرب

لقد بات واضحا بأن الإستعراض اللافت لنتنياهو في خطابه امام الكونغرس يعبر عن المأزق الحقيقي لكيانه للحالة التي وصل إليها بعد ما يقارب الأشهر العشرة من حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والفشل في تحقيق الأهداف التي رسمها للقضاء على المقاومة والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين , محرضا الولايات المتحدة بان تكون بقوة إلى جانب كيانه لمواجهة إيران التي هي السبب وراء كل ما يجري في المنطقة حسب ما أدعى نتنياهو في خطابه مستجديا اشنطن مشاركة كيانه هذا القلق لمخاطر ذلك على الغرب ومصالحه في المنطقة .

وحاول النتن ياهو التركيز في خطابه على إيران عندما قال: بمواجهتنا لإيران لا نحمي أنفسنا فقط بل نحمي الولايات المتحدة أيضا وهذا هو المهم من وراء ذلك وهو جرها إلى معركة يريدها لتحقيق مآربه وإنقاذ مستقبله السياسي حتى ولو أدى ذلك إلى معركة كبرى مدمرة , والولايات المتحدة تعي جيدا مخاطرها وهي لا تريدها لأن خطرها على مصالحها في الشرق الأوسط كبيرة جدا , ورغم ذلك كانت لهجة النتن ياهو تصعيدية بقوله : نحن على مفترق طرق تاريخي والشرق الأوسط يغلي والصراع ليس بين حضارات وإنما بين البربرية والتحضر وهذا يؤكد ضرورة أن تقف الولايات المتحدة وإسرائيل سوية, وحين نقوم بذلك سننتصر وهم سيهزمون , 

ولهذا كانت اللهجة التصعيدية للحرب في خطاب نتنياهو عندما قال إن هجوم السابع من أكتوبر يشبه الحادي عشر من سبتمبر مضاعفا عشرين مرة وهو تصعيد أراده أن يكون ضخما لهذا عكسه وشبه ما جرى بأحداث سبتمبر ليحرك المشاعر الأمريكية ضد إيران , وإذا كان نتنياهو طالب في خطابه بتسريع إرسال المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل من أجل إنهاء حرب غزة فإن الخطوة التالية التي يريدها في اليوم التالي هي الحرب ضد إيران وجبهات الإسناد من اليمن إلى المقاومة العراقية والمقاومة اللبنانية بدعم ومشاركة أمريكية فهل تتورط واشنطن في هذه الحرب؟

من غير المتوقع أن تتورط واشنطن بهذه الحرب لأن ما قامت به جبهات الإسناد يؤكد أن معركتهم خاسرة وعلى جميع الجبهات والشواهد على ذلك كثيرة في البحر الأحمر وما قامت به القوات اليمنية ضد السفن والبوارج الحربية ومنع السفن المتوجهة إلى الكيان الغاصب من المرور في البحر الأحمر وقصفها عبر المسيرات والصواريخ مواقع عديدة في الكيان والتي كان آخرها عبر مسيرة وصلت إلى تل أبيب وأثارت الرعب لدى الإسرائيليين حتى رد الإسرائيليين على هذه العملية بقصف الحديدة زاد من عزيمة اليمنيين على مواصلة قصفهم للمواقع الإسرائيلية فما بالكم ما تقوم به المقاومة في لبنان والعراق يوميا وأرعبت الإسرائيليين.

بالطبع هذا التحريض ضد إيران ليس بجديد فقد حاول نتنياهو توريط واشنطن في حرب ضد إيران عندما وقعت الولايات المتحدة الإتفاق النووي مع إيران فمارس التحريض في كل المنتديات وحتى داخل الكونغرس في العام 2015 وهاجم الرئيس الأمريكي في حينه باراك اوباما حتى الغى الرئيس ترامب الإتفاق عام 2018 , ولهذا يحاول نتنياهو استغلال الفرصة والتحريض ضد إيران على أمل وصول صديقه ترامب إلى البيت الأبيض ليكون إلى جانبه وتحميل إيران جميع مشاكل المنطقة التي تتسبب بها إسرائيل وليس إيران ,فهل يمكن لواشنطن أن تستجيب لنتنياهو الذي كان فرحا في تأييد وتصفيق أعضاء الكونغرس له أثناء خطابه؟

إن الأوضاع والتطورات الخطيرة في المنطقة لا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تسير وراء ما يريده نتنياهو لأن النتائج ستكون كارثية, ورغم ذلك فقد حاول نتنياهو التغطية على فشله بخطاب عنصري واضح هدفه التحالف مع العنصرية الأميركية التي تجسّد بعضها داخل الكونغرس من خلال الإستقبال والتصفيق الحار له أثناء دخوله الكونغرس وأثناء خطابه الذي يعد الرابع له في الكونغرس للتمويه على مأزقه في الداخل الإسرائيلي ، حيث وصف زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد كلامه بخطاب العار ومن المخزي أن يتحدث نتنياهو ساعة كاملة من دون أن يشير إلى صفقة لعودة المختطفين الإسرائيليين في غزة...

إن ما كان ظاهرا على نتنياهو أثناء خطابه هو الثقة الزائدة , لكنه كان قلقا من التظاهرات داخل الولايات المتحدة ، وأعداد المحتجين بالقرب من مبنى "الكابيتول" كانت ضخمة قبل ساعات من خطابه وهم يلوّحون بلافتات ويرددون شعارات مناهضة له وللرئيس بايدن , فشن نتنياهو هجوما عنيفا على كل من يقوم بالاحتجاجات على حربه معتبرا أنهم ينفذون سياسة إيران، فضلا عن تجاوزه قرار محكمة العدل الدولية، وبأنه ملاحق قضائيا في عشرات الدول التي باتت مستعدة لإلقاء القبض عليه كمجرم حرب , 

ولم يكن مستغربا أن يشن هجوما على هذه الإحتجاجات ليتهم إيران بانها هي من تحركهم وهذا يؤكد حالة الضعف والقلق لديه لأنه يريد مخرجا لمأزقه ومساعدة من الولايات المتحدة في إيجاد هذا المخرج.

لم يكن مستغربا من لهجة نتنياهو التصعيدية في خطابه وخلطه الأوراق لإبقاء المنطقة على صفيح ساخن ومحاولة منه لتوريط الولايات المتحدة في حربه رغم أن الكثير من المسؤولين الأمريكيين باتوا مقتنعين بأن استمرار نتنياهو في السلطة سيعيق الحلول ووقف حرب الإبادة ضد الفلسطينيين والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة , 

وبالتالي فإن مشهد اليوم التالي هو إما السير بما يريده نتنياهو لحرب إقليمية تهدد الجميع في المنطقة بما فيها المصالح الأمريكية أو التخلص منه لإنقاذ الكيان من الهلاك وهذا ليس ببعيد ..

* أ. نضال بركات -  إعلامي وكاتب سوري