أذرع الديمقراطية الخبيثة

 لا ديمقراطية في هذا العالم، فما نشاهده ما هو إلا خداع بصري هدفه سَوق الإنسانية إلى المذابح البشرية، لأن جوهرها نهم ومتعطش للمال والدماء، لن أخوض غمار تعريفها لأنها ملأت عقول الناس حتى كادت تخرج من أنوفهم، ولكنها بالتأكيد عملية خداع فكري( سمعي وبصري) تدعو إليه ضرورات المشهد السائد في معاقل مخترعيها، 

ومنها أناقش معكم ما صدر من تصريحات قبل حضور "نتنياهو" رئيس وزراء "إسرائيل" الكيان الصهيوني إلى مجلس النواب الأمريكي؛ 

هذا الذي قام حتى اللحظة مع فريقه السياسي والعسكري بقتل ما يقرب من أربعين ألف فلسطيني شرعي صاحب حق في أرضه وعرضه وماله، وجرح ما يقرب من مئة ألف فلسطيني يعالجون بأبسط أدوات العلاج بعد تدمير جميع المشافي في الجزء الفلسطيني "غزة"  واتخاذ الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) قراراً بعدم الموافقة على حل الدولتين، وإعطاء الإذن بالسيطرة الكاملة على الضفة الغربية، لماذا استعرضتُ هذا؟ 

لأن رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون (جمهوري من لويزيانا) حذر المشرعين باتباع سياسة "عدم التسامح مطلقاً" مع أي اضطرابات خلال خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس، وذلك قبل يوم من إلقاء خطابه، محذراً من أن الضيوف الذين يزعجون الخطاب قد يتم اعتقالهم، وذلك وفقاً لموقع أكسيوس الأمريكي، 

تخيلوا أن يحدث هذا في معقل الديمقراطية الأمريكية، الأمر الذي يدل على التبني الدقيق للذراع الإسرائيلية، وأن كل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من قبل إسرائيل تدعمه أمريكا.

وفي بريطانيا جمد رئيس وزراء بريطانيا العمالي، الذي فاز بأغلبية ساحقة بفضل الطبقة العاملة، سبعة نواب مجنسين لاعتراضهم على خطة رئيس حزبهم، وهددهم بفصلهم من حزبه إذا لم يرتدعوا ويوافقوا على سياساته التي تهدد بالعزل لكل عضو ينتقد إسرائيل، أو ينتقد دعم الحكومة البريطانية لها، ولا ننسى أن بريطانيا تمثل ثاني معقل للديمقراطية في العالم.

نظرية الديمقراطية تتحدث عن أن التعامل مع الأوغاد تحكمها الضرورات،  لكنها لم تحدد من هم الأوغاد، الذين يديرونها أم أولئك المعترضون عليها، هذه الديمقراطية التي تحول الإنسان إلى عبد دون أن يدري، وتعده بالتحول إلى إله بعد أن يموت، 

أية نظرية هذه التي تسيء للأديان وتمجد الأفراد وتعلي من شأن الإباحية من خلال إلغاء قوانين سفاح المحارم وتعزيز المثلية الجنسية تحت شعار المساواة، أية مساواة هذه ومازالت العنصرية تسكن عقل العرق الأمريكي، 

كما تسكن فكره عنصرية التفوق التي تحتكر العلم وترمي بفتاته الاستهلاكي لشعوب العالم الثالث، أية ديمقراطية هذه التي تدير أبشع أنواع الحروب إضافة لافتعال الفتن من أجل دوران صناعات آلاتها العسكرية وأدوات أمنها التجسسية،

 فمن يخالفها تُلقى عليه لعناتها مؤامرات وانقلابات وتصنيع إرهاب، ولكن ضد من؟ بالتأكيد ضد أعداء الديمقراطية.

تخيلوا معي أن "إسرائيل" تطلق على وجودها أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن "أوكرايينا" أيضاً من أهم الدول الديمقراطية في أوروبا، وأن "تايوان" تجسد الدولة الديمقراطية الفريدة في آسيا، وأن "بنما" وقناتها الهامة التي تفصل بين أمريكا الشمالية والجنوبية، وتمثل أمريكا الوسطى، وهي برعاية أمريكية، أهم دولة ديمقراطية في أمريكا الوسطى،

 هذه الأذرع الأمريكية تمثل الرعب والخلاف والاختلاف معها وعليها، فمنها تنطلق شرارات الفتن والحروب والنزاعات ومحاولات إخضاع الدول للدولة الراعية الأم،

 وهي طبعاً الولايات المتحدة الأمريكية، هذه التي تخوض الآن أبشع صور الانتخابات الديمقراطية، المتمثلة بمحاولة اغتيال ترامب رئيس الحزب الجمهوري ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، والمرشح بقوة لرئاستها مرة ثانية، وما يتحدث به في سباقه التنافسي عن خصمه الرئيس الحالي بايدن الذي انسحب من سباق الترشح لصالح نائبته( كاملا هاريس) وما يتحدث به الطرفان بفحش مزعج ومرعب عن بعضهما، 

ومن المؤكد أن العالم يتابع كل ما يتحدثون به، وهذا ينجز سؤالاً هاماً: لماذا كل هذا الضجيج الذي يرافق الانتخابات الأمريكية لمدة عام قبل كل دورة انتخابية ولا نشهد له مثيلاً في أي انتخابات في العالم؟ هل لأنها سيد العالم أو قطبه الواحد أو إلهه؟ 

فلا يوجد صغير أو كبير ولا دولة ولا مجتمع وحتى ساسة العالم واقتصاديوهم إلا ويتابعون هذا الحدث باهتمام بالغ،

 والمهم في هذا السؤال هو: هل هذه هي الديمقراطية؟

 التي تعلم المجتمعات والإنسان السباب والشتائم وفضح تاريخ كل مرشح للآخر أمام الملأ، من علاقته الجنسية وتلاعباته المالية والتشكيك بصحته النفسية والجسدية،

 وأيضاً الانتقاص من ذكاء كل واحد منهما، مشجعين على الكذب والنفاق والتحايل والتلاعب على عقول العالم أجمع، هل هكذا هي الديمقراطية؟ 

أم أنها ديكتاتورية مفرطة غايتها ضرب الأخلاق الإنسانية العالمية وتحويلها إلى أدوات للنزاع وعصابات للإرهاب .. هل هذا صحيح؟ أعتقد ذلك وأدع التحليل والإجابة لفكركم ومخرجاته.  

د. نبيل طعمة