مصر - تركيا: طريق المصالحة سالكة

 أنهى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أول من أمس، زيارة استمرّت بضع ساعات لتركيا، هي الأولى لرئيس مصري إلى هذا البلد منذ 12 عاماً، وتُعَدّ «ردّ زيارة» اليوم الواحد، والتي قام بها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى القاهرة في شباط الماضي. 

وفي التفاصيل، فإنه بعد الاستقبال الرسمي، انتقل الزعيمان إلى القصر الرئاسي في «بش تبه»، حيث عقدا لقاءً ثنائيّاً، ومن ثم ترأّسا الاجتماع الأول لـ»مجلس التعاون الاستراتيجي الأعلى»، وجرى التوقيع على 17 اتفاقاً من جانب الوزراء المعنيين، في مختلف المجالات، ولا سيما في مجال الطاقة والغاز. 

وفي مؤتمرهما الصحافي المشترك، أشار إردوغان إلى أن الحوار مع مصر هو في أعلى مستوياته، مذكّراً بأن «نقطة التحوّل» في العلاقات كانت زيارته الأخيرة للقاهرة، في الرابع عشر من شباط الماضي، فيما أكد أن بلديهما يهدفان إلى رفع حجم التجارة في ما بينهما من ستة مليارات دولار، هو حجمها الحالي، إلى 15 ملياراً. 

وفي السياسة الإقليمية، قال الرئيس التركي إن مشاركة أنقرة والقاهرة في السلام والاستقرار الاقليميَّين له «أهمية مصيرية»، مذكّراً بأن موقفَيهما بالنسبة إلى غزة «واحد»، وأن 32% من المساعدات المرسلة إلى القطاع تأتي من تركيا. 

ولفت أيضاً إلى تصميمهما على تقوية التشاور في شأن القضايا المختلفة، من سوريا إلى ليبيا والسودان وشرق المتوسط وأفريقيا، على أن تمضي العلاقات على قاعدة «رابح - رابح». 

من جهته، رأى السيسي أن زيارة إردوغان للقاهرة أعطت دفعاً قويّاً لتطوير العلاقات الثنائية، ولا سيما التجارية. وقال: «يجب أن نعمل أكثر من أجل إخواننا في غزة وفلسطين»، 

مشدداً على أن «خروج القوات الأجنبية من ليبيا أمر مهمّ»، وأنه «يجب وقف الأزمة في سوريا والتي تنعكس سلباً على الشعب السوري»، معرباً أيضاً عن سروره للتقارب الحاصل بين أنقرة ودمشق.

وفي ردود الفعل التركية على الزيارة، رأى عبد الفتاح سيلفي، المقرّب من إردوغان، في صحيفة «حرييات»، أن «من أهمّ دوافع تقارب إردوغان - السيسي، هو تعزيز الدعم للموقف المصري المتمثل في رفض تهجير الفلسطينيين من غزة. 

وهذا ما لم يكن ممكناً من دون توثيق العلاقات مع مصر». 

من جهته، لفت مراد يتكين إلى أن «زيارة السيسي لأنقرة ليست الأخيرة في سياق الانعطافات الحادّة لتركيا في السياسة الخارجية، بعد المصالحات مع إسرائيل والسعودية والإمارات ومحاولات التقارب مع سوريا». 

وذكّر بأن «غضب تركيا على السيسي بعد إطاحة محمد مرسي لم يكن في مصلحة أنقرة التي خسرت الكثير»، متوقّعاً أن تكون «الانعطافة المقبلة» باللقاء مع الرئيس السوري، بشار الأسد.
 
وفي صحيفة «غازيتيه دوار»، كتب فهيم طاشتكين أن «إردوغان، الذي أراد من تركيا أن تكون بلداً أنموذجاً، امتطى الربيع العربي عبر الإخوان المسلمين لمواجهة الهلال الشيعي، لكن حساباته لم تتحقَّق في أيٍّ من البلدان التي عمل عليها. 

وكان انقلاب السيسي الشعبي، في 3 تموز 2013، أول كابوس يتلقّاه إردوغان». 

ووفقاً لطاشتكين، فإن رئيس الجمهورية «يعتقد أن التطبيع مع مصر مهمّ من أجل التوازن في الطاقة في شرق المتوسط والذي يذهب لمصلحة اليونان وقبرص اليونانية»، لافتاً إلى أن «مصر لن تزعل اليونان وقبرص كرمى لعيون تركيا».

 وأشار أيضاً إلى أن «مشروعية الاتفاقات التي وقّعتها تركيا مع حكومات طرابلس، هي موضع تشكيك. السيسي لم يغيّر من قناعته تجاه ليبيا عندما دعا، أمام إردوغان، إلى سحب القوات الأجنبية من هذا البلد. 

أما بالنسبة إلى مسألة الإخوان المسلمين، فليست بالبساطة التي يمكن أن تقول تركيا عنها: حسناً، لقد أقفلنا هذا الملف».

وبالنسبة إلى مخاطر «سد النهضة» على مصر، يعتزم السيسي، وفق الكاتب، «شراء مسيّرات بيرقدار، لكي يواجه بها مسيّرات بيرقدار التي باعتها تركيا لإثيوبيا. وبيع أنقرة المسيّرات نفسها لأطراف النزاع يمكن أن يخسّرها أحد الطرفين».

 وتحدث طاشتكين أيضاً عن أن «إردوغان عرض على السيسي، في زيارته الأخيرة للقاهرة، أن يقوم بدور الوسيط مع سوريا. 

وكذلك، كان قد قدّم الاقتراح نفسه سابقاً إلى السعودية والإمارات بعدما طبّع العلاقات معهما»، مستدركاً بأن «نموذج التطبيع الذي في رأس إردوغان لا يجد تجاوباً معه في دمشق. 

وبالتالي، فإن السيسي أو أيّ زعيم عربي آخر لن يكون له أيّ تأثير على موقف سوريا».

أمّا مصطفى قره علي أوغلو، فأشار، في صحيفة «قرار»، إلى أن تركيا «لا تحتفظ من علاقاتها مع مصر في عهد السيسي بأيّ ذكرى جميلة. 

وهذا بسبب السياسات الانفعالية لأنقرة. والآن، كما لو أنّنا نبدأ من نقطة الصفر، على أمل أن يكون ذلك درساً باهظاً جداً للأجيال المقبلة».

محمد نور الدين