زيلينسكي - الجولاني: استثمارات الحرب بالوكالة

 لا يمكن اعتبار التصريحات الروسية الجديدة حول وجود علاقات تربط أوكرانيا بـ»هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، مفاجئة أو خارجة عن سياق ما يجري على الأرض، 

إذ إن العلاقة بينهما ظهرت بوضوح مع بدء الحرب الروسية في أوكرانيا عام 2022، عندما توجّهت مجموعات متشدّدة عديدة، أبرزها «جماعة أجناد القوقاز»، إلى الأراضي الأوكرانية، غير أن الجديد هذه المرة محاولة كييف توسيع دائرة الصراع ونقله إلى أراضٍ بعيدة، من بينها سوريا، بهدف تحويل هذه الأخيرة من «مصدر للمرتزقة» إلى أرض «قتال بالوكالة».

وجاءت التصريحات الجديدة التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال اجتماع مع سفراء الدول الأجنبية في موسكو، واتّهم فيها الاستخبارات الأوكرانية بتجنيد مرتزقة في سوريا لتنفيذ عمليات «قذرة جديدة» وفق تعبيره، بعد أيام من تصريحات مماثلة أطلقتها الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، حذّرت خلالها من عواقب تجنيد «الإرهابيين» في سوريا من قبل أوكرانيا.

 وكانت صحيفة «أيدينليك» التركية نشرت تقريراً تحدّث عن اجتماعات بين مسؤولين أوكران وقياديين في «الهيئة» التي يقودها أبو محمد الجولاني، تناولت إطلاق سراح مقاتلين شيشان يحتجزهم الأخير في سجونه - ضمن حملة للتفرد بحكم إدلب -، مقابل تقديم كييف 75 طائرة مُسيّرة لـ»تحرير الشام»، على أن تشمل الصفقة «عمر الشيشاني» الملقّب بـ»مسلم الشيشاني»، أحد أبرز قادة الجماعات المتطرفة.

وبالعودة إلى حديث لافروف، فقد أشار إلى أحداث سابقة مشابهة انخرطت فيها كييف، من بينها دعم جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بـ»القاعدة» في مالي، لشن هجمات على مواقع حكومية مالية يتمركز فيها مقاتلون تابعون لمجموعة «فاغنر» الروسية، في شهر تموز الماضي. 

وكانت وسائل إعلام أوكرانية نشرت، وقتذاك، صوراً من أرض المعركة، من بينها صورة تظهر مقاتلين متطرفين يرفعون العلم الأوكراني، في مواجهات تسببت بمقتل العشرات من المقاتلين الروس، قبل أن تستعيد السلطات المالية المناطق التي هاجمها المسلحون، وتقطع علاقتها مع أوكرانيا، وتتبعها النيجر أيضاً، والتي قدّمت، بالتعاون مع مالي وبروكينا فاسو، عريضة إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة الدعم الأوكراني للإرهاب الدولي في منطقة الساحل الأفريقي.

وبالتزامن مع نشرها صوراً توثّق دعم أوكرانيا للجماعة «القاعدية» في مالي، نشرت وسائل إعلام أوكرانية تقارير تتحدّث عن شن هجمات بطائرات مُسيّرة على قاعدة كويرس العسكرية في ريف حلب، والتي تتمركز فيها قوات روسية إلى جانب القوات السورية، ضمن ما سمّته «عملية معقّدة»، من دون الإشارة إلى الطريقة التي تمّت من خلالها هذه العملية.

 لكنّ التقرير التركي الأخير قدّم تفاصيل إضافية حول آلية العمل الأوكرانية، كما قدّم تفسيراً للآلية التي تتّبعها الجماعة المتشددة، والتي تسيطر على إدلب ومناطق في ريف حلب، في الحصول على طائرات مُسيّرة، تستعملها بين وقت وآخر في شن هجمات على مواقع الجيش السوري، ومواقع روسية، من بينها قاعدة «حميميم» في مدينة جبلة، حيث تعلن القوات الروسية بين وقت وآخر التصدي لهجمات بطائرات مُسيّرة تحاول الجماعات المتطرفة شنها.

وعلى عكس التجاهل التركي السابق لنقل مسلحين من سوريا إلى أوكرانيا، عبر الأراضي التركية، يفتح نشر الصحيفة التركية تقريرها، الباب حول أسئلة عديدة تتعلق بموقف أنقرة من التطورات الأخيرة. فبينما يبدو الصمت في السابق متوافقاً مع مصالح تركيا التي تسعى للتخلص، ما أمكن، من عبء الجماعات المتطرفة المحتشدة قرب حدودها، 

يبدو ما يحدث الآن معاكساً تماماً للمصالح التركية، سواء لناحية تقديم أسلحة ومعدات حديثة إلى الجماعات المتطرفة، أو الحديث الذي بدأ يظهر بشكل مطّرد حول سعي أوكرانيا لنسج علاقات مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً، والتي تعتبرها أنقرة امتداداً لـ»حزب العمال الكردستاني» المصنّف على لوائح الإرهاب. ومما يضاعف قلق أنقرة أن هذه التطورات تتزامن مع السعي التركي الحثيث للتطبيع مع سوريا، ضمن عملية طويلة تتوسط فيها روسيا وإيران والعراق.

وكانت صحيفة «واشنطن بوست» سرّبت، العام الماضي، وثيقة قالت إنها تتضمّن مخططاً أوكرانياً لتدريب مسلحين تابعين لـ»قسد» لضرب أهداف عسكرية روسية.

وتحدّثت عن أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أمر بوقف تلك العمليات، لتأتي التطورات الأخيرة وتظهر وجهاً آخر لمحاولات أوكرانيا استثمار الحرب في سوريا، عبر استقدام مرتزقة إلى جبهات القتال مع روسيا، وتقديم الدعم للجماعات الموجودة هناك، بما من شأنه توسيع دائرة الصراع الذي بات يلعب فيه المرتزقة دوراً وازناً.

علاء حلبي