انقلاب على العدالة في صنعاء!

أثار تعديل قانون السلطة القضائية الذي قدمته سلطة الحوثي جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية بسبب التعديلات الكبيرة التي أدخلت عليه. 

رغم الجدل القائم منذ تقديم المشروع إلى مجلس النواب، تم إقرار القانون في فترة وجيزة (أربعة أيام فقط)، مما أثار تساؤلات حول مدى دستورية الإجراءات المتبعة والتسرع في إصداره.

تم إقرار التعديلات بدايةً في مجلس الوزراء، ثم في مجلس النواب، وصدر القانون في سابقة تعتبر فريدة في تاريخ التشريع اليمني، مما أثار انتقادات من العديد من أعضاء البرلمان والقانونيين. 

ورغم الاعتراضات، تم تمرير القانون بالأغلبية، متجاوزًا بذلك الإجراءات الدستورية المعتادة التي تتطلب فترة أطول لمناقشة مثل هذه التعديلات.

النائب عبده بشر أشار إلى أن عقد الجلسات الاستثنائية يتطلب أحداثاً جسيمة وليس لتعديل قانون بسرعة كبيرة. وشدد على أن أي تعديل قانوني يجب أن يمر عبر اللجنة الدستورية لمراجعة دستوريته قبل مناقشته في اللجان المتخصصة.

 إلا أن التعديلات تمت بسرعة غير مبررة، ما يثير تساؤلات حول مبرراتها القانونية والشفافية في اتخاذ القرار.

تضمنت التعديلات 12 مادة رئيسية وأضيفت مادة جديدة (57 مكرر) تمنح رئيس الجمهورية صلاحية تعيين أعضاء من خارج السلطة القضائية، وهو ما أثار غضب نقابة المحامين اليمنيين، التي اعتبرت هذه التعديلات غير دستورية ومخالفة لنصوص الدستور اليمني المتعلقة بالفصل بين السلطات واستقلال القضاء. 

النقابة دعت جميع المحامين والقضاة للتصدي لهذه التعديلات التي تعتبرها تهديدًا لاستقلال القضاء.

يرى المحامي زياد عبدالسلام أن التعديلات تخالف العديد من المواد الدستورية، مؤكداً أنها تهدر مبدأ تكافؤ الفرص وتعد خرقًا واضحًا لاستقلال القضاء. 

وأشار إلى أن هذه التعديلات تهدف إلى جعل السلطة القضائية تحت سيطرة السلطة التنفيذية، مما يعني تقليص استقلالية القضاء.

المذكرة التفسيرية المرفقة بمشروع التعديلات قدمت تبريرات تعتبر أن السلطة القضائية تجاوزت حدود استقلاليتها، مستندة إلى تجارب غير محددة لدول أخرى. 

ومع ذلك، انتقد الخبراء القانونيون مثل الدكتور إسماعيل الوزير هذه المذكرة، معتبرين أنها تحتوي على مغالطات وغير مستندة إلى حقائق قانونية واضحة.

المحامي مجيب عبد الرحمن اعتبر أن التعديلات تشير إلى توجه استبدادي، وأنها تهدف إلى تقويض سلطة القضاء لصالح السلطة التنفيذية. 

ويرى القاضي روضة العريقي أن هذه التعديلات شرعنت المساس باستقلال القضاء وربطته بالسلطة التنفيذية، مما يتناقض مع الحكم الصادر عن الدائرة الدستورية في 2013، الذي كرس مبدأ استقلال القضاء.

واحدة من المواد المثيرة للجدل هي الفقرة “ب” من المادة 122 المعدلة، التي تمنح القضاة حق منع المحامين من الترافع لمدة تصل إلى ثلاث سنوات إذا ثبت أن دفاعهم كان كيديًا. 

هذه المادة أثارت غضب المحامين، الذين رأوا أنها تجعل المحامي في موقف ضعف أمام القاضي وتفتح الباب للصراعات الشخصية بين القضاة والمحامين.

المحامي عبد الفتاح الوشلي تساءل عن طبيعة القرار الذي يصدره القاضي بحق المحامي، مشيرًا إلى أن القاضي لا ينبغي أن يكون خصمًا وحكمًا في الوقت نفسه. 

كما أضاف أن هذا التعديل قد يؤدي إلى نزاعات مباشرة بين القضاء الواقف والجالس.

التعديلات تضمنت أيضًا تعيين قاضي صلح داخل المحاكم، وهو ما انتقده الدكتور إسماعيل الوزير بشدة، معتبراً أن هذا التعديل سيضر بسير الجلسات وبالقرارات القضائية. 

وأشار إلى أن القضاء الصلح يتطلب نهجًا مختلفًا عن القضاة النظاميين، حيث أن الصلح قد يكون خيارًا بديلاً، وليس جزءًا من النظام القضائي الملزم.

في السياق نفسه، تم توسيع مجلس القضاء ليشمل ثلاثة أعضاء من خارج السلطة القضائية، ما اعتبره الوزير إضعافًا لمجلس القضاء وتحويله إلى مؤسسة فضفاضة. 

ويرى العديد من القانونيين أن هذه التعديلات تهدف إلى السيطرة الكاملة على القضاء وتحويله إلى ذراع للسلطة التنفيذية.

نقابة المحامين كانت تأمل أن يتم إعادة القانون إلى مجلس النواب لمراجعة التعديلات، إلا أن القانون صدر رسمياً، مما يترك الخيار أمام النقابة هو اللجوء إلى المحكمة العليا للطعن بعدم دستورية القانون.

بهذا، تتضح الصورة بأن التعديلات الجديدة على قانون السلطة القضائية تهدف إلى تقويض استقلال القضاء وربطه بالسلطة التنفيذية، ما يشكل تهديدًا على مبدأ الفصل بين السلطات ويفتح الباب لمزيد من الصراعات بين السلطات القضائية والتنفيذية في اليمن.

أ. أنس القباطي