الفلسطينيون مع المنتظرين: لم يعدنا بألا يستشهد... وإنمـا بالنصر

 جزءٌ من الحزن العميق والصادق الذي تعيشه النخب والفصائل الفلسطينية، لا يرتبط فقط بموقف السيّد الشهيد حسن نصر الله المتقدّم في إسناد غزة، ودفْعُه حياته ثمناً لهذا الموقف، وإنما بما شكّله الأمين العام لـ«حزب الله»، طوال ثلاثين عاماً، من نموذج جدير بالمحاكاة. 

قبل سنوات، أمضى فريح أبو مدين، وهو وزير العدل السابق، وصندوق الراحل ياسر عرفات الأسود، ثلاث ساعات وهو يحكي لكاتب هذه السطور، عن الذي أحدثه انتصار العام 2000 في نفسية وروحية أبو عمار: «لقد كان أبو عمار مسكوناً بتجربة حزب الله وبالسيد حسن نصر الله. 

بعد تحرير لبنان، أدرك أكثر من أي وقت مضى أن السلاح يمكن أن ينجز في مواجهة إسرائيل إذا أحسنّا استخدامه وتوظيفه. 

في ذلك العام، كان عرفات يعلم موقف السيّد نصر الله السلبي جداً منه بعد توقيعه اتفاق أوسلو، فلم يجد إلا الشهيد عماد مغنية لكي يكسر هذا الجمود. وقد وصلت رسل نصر الله إلى الضفة الغربية المحتلة».

من وجهة نظر فصائل المقاومة، كان السيّد نموذجاً قيادياً فريداً، عبر بـ «حزب الله» أصعب الظروف، وهو شاب في الثلاثينيات من العمر، وبنى حزباً مؤسساتياً يستند إلى أعلى مستويات الأخلاقية والصدق، في الخصومة والاتفاق والحرب والسلم، وصنع حاضنة شعبية وبيئة موالية للمقاومة، على نسق لا يمكن الفتك به مهما كانت التحديات. 

وذلك، وفق ما يقوله قياديٌ في حركة الجهاد الإسلامي، «كان محل اهتمام وتفحص وإلهام»، مضيفاً: «لقد تحول حزب الله بقيادة السيّد نصر الله إلى نموذج، نحاول محاكاته على صعيد التنظيم والعسكر والإعلام والتعبئة. 

ولم يكن هذا حالنا وحدنا، فلو راقبت الإنتاج الإعلامي للفصائل الصغيرة والكبيرة، والتي هي انعكاس لقدر المراقبة والمتابعة، ستدرك كيف صنع السيّد نصر الله من حزبه مدرسة للأحرار والمقاومين».

وأبعد من ذلك، لا يزال «حزب الله» حتى في ذروة امتحانه المفصلي والتاريخي، يسير على النهج نفسه الذي خطّه الأمين العام. وهنا، تحضر جملة من الالتقاطات التي جابت جلسات الأهالي ومواقع التواصل الاجتماعي. يتحدّث الناس عن مواصلة «حزب الله» السير على نهج سيّده في تحري الموضوعية والصدق، حتى في أصعب المفاصل والامتحانات.

 ويقول حسين عبد العزيز، وهو ناشط سياسي ومعلم حكومي : «لقد خرج السيّد قبل أيام عقب مجزرة البيجر، وقال بمنتهى الموضوعية والوضوح إننا تعرضنا لضربة كبيرة، ثم التزم حزب الله الصمت، وأعلن عندما تأكد من استشهاد سيّده بوضوح أنه استشهد. حزب الله مدرسة في الوضوح والصدق، والالتزام بالخط الصادق الواضح، هو نموذج قلّ مثيله».
 
وفي مجلس آخر، دار حديث أكثر عمقاً عن مركزية دور السيّد في مسيرة «حزب الله»، وأنه الرجل الذي استطاع صناعة صبغة الحزب المتميزة. 

ويقول محمود الأستاذ  «لقد صنع السيد نصر الله صورة الحزب المنتصر دائماً، الحزب الذي يُمتحن في كل مرحلة ثم يخرج أقوى من ذي قبل. في هذه الحرب، تمنيت أن يبقى حياً، ليس من منطق عاطفي ووجداني فقط، وإنما لأن الهزيمة تُستطاب بحياته أكثر من الانتصار بمقتله واستشهاده».

كذلك، يدور حديث آخر ونقاش طويل، عن الأمين العام المرتقب: هل يصنع المنجزات والانتصارات والصبغة والبصمة والإلهام، أم أن القيادة والتأثير سرّ أكبر؟ أما ما هو أصعب من كل ما سبق، فهو حديث تثيره أداة الشرط «لو».

 يطرق الجميع اليوم أبواب السؤال «ماذا لو هُزم حزب الله في هذه الحرب؟»، والإجابة هنا يطول سردها. يقول محمد ضرغام في صفحته على «فايسبوك»: «سينضج مشروع إسرائيل الكبرى، سيدمّرون سوريا واليمن والعراق وإيران، ويهجّرون الضفة وغزة ويحتلّون لبنان». 

ويتابع: «لقد التقط محمود عباس وهو في أقصى النقيض المواقفي من السيّد نصر الله آثار الإنكسار، لا قدر الله، وبعث بتعزية باسمه وباسم حركة فتح، لأنه يدرك أن حزب الله يخوض معركة فيصلية».

أما في مخيم جباليا، وبالقرب من مفترق الترنس الذي دمره جيش الاحتلال في اقتحامه الأخير للمخيم، فثمة من حفظ من السيّد جملة ورفعها في فعالية نُظمت حداداً على روحه: «أنا لا أعدكم بألا أستشهد في أي حرب مقبلة، لكني أعدكم بالنصر».

يوسف فارس