قراءات غربية في «الردع» الأميركي: واشنطن توسّع «سجلّ» إخفاقاتها

 ليست المآزق التي تواجهها الولايات المتحدة، ومن خلفها إسرائيل، في الشرق الأوسط اليوم، سوى صورة مصغرة من أزمة «أعقد» يواجهها النظام العالمي بقيادة واشنطن على الساحة العالمية، 

سرّعت عملية «طوفان الأقصى» وتبعاتها من تفاقمها، بعدما بات بالإمكان إضافة «إخفاق» صنّاع السياسة في واشنطن، في التعامل مع الحرب الدائرة حالياً، بحسب عدد كبير من المراقبين، إلى «جملة» الإخفاقات الأميركية الأخرى في منطقتنا على مدى سنوات طويلة ماضية. 

وفي السياق، يلفت تقرير أوردته مجلة «فورين أفيرز» الأميركية إلى أنّ على واشنطن أن تدرك أنّ سياساتها الحالية في الشرق الأوسط «عفا عليها الزمن»، وأصبحت غير كافية لاستعادة «الردع» الأميركي، ولا سيما أنّ «الجماعات المسلحة في المنطقة تشعر حالياً بأنها قادرة على التصرف بتهور».
 
وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، لا تزال الاستراتيجيات الحالية تعتمد، إلى حد كبير، «على الأساليب العسكرية التقليدية للردع، والتي تفشل في الأخذ في الحسبان التحوّلات التي تعصف بالمنطقة»، ما يخاطر بانجرار القوات الأميركية إلى صراع إقليمي، ستنعكس تبعاته على العالم بأجمعه.

 ويتابع التقرير أنّ «سلوك الحوثيين» يجسّد «التبعات المستفزة والمحفوفة بالمخاطر»، لـ«انهيار الردع»، بعدما فشل التنسيق العسكري بين واشنطن وحلفائها في «كبح جماح الجماعة».

والواقع أن الردع «المتآكل» يعود، طبقاً للمصدر نفسه، إلى حقيقة أوسع، مفادها أنّ الهيمنة الأميركية في المنطقة آخذة في التراجع، جراء «محاولة صناع السياسة الأميركيين الابتعاد عن الشرق الأوسط»، ما شجع الجماعات المشار إليها على «الاستفادة من هذه الفرصة، والسعي لتحقيق أهدافها»، فيما «تم تعزيزها بسهولة بالطائرات المسيّرة والصواريخ» وغيرها. 

وعلى ضوء تلك الوقائع، ينصح أصحاب الرأي المتقدم، واشنطن، بـ«إعادة تقييم نهجها تجاه المنطقة»، بعدما أصبحت المواجهة بين إيران وإسرائيل أمراً «واقعاً»، وفي وقت لا يتم فيه «ردع» الجهات الفاعلة غير الحكومية - أي حركات المقاومة -، 

وتستمر الأخيرة في «التصعيد». وتشمل إعادة التقييم المشار إليها، للتعامل مع ما وصفته المجلة بـ«شرق أوسط جديد أكثر خطورة»، استخدام كل ما في جعبة واشنطن من «أدوات»، ديبلوماسية منها وعسكرية.

من جهتها، تلفت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية إلى أنّه في حين اعتبر كثيرون أنّ «نهاية القرن الأميركي» كانت مع حرب فيتنام أو ما وصفته واشنطن بـ«الحرب على الإرهاب»، فإنّ رئاسة دونالد ترامب سرّعت من «التراجع الأميركي» بشكل لافت. 

ولم يشجع هذا التراجع، بحسب الصحيفة، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وحده، بل إنّ قوة الصين المتزايدة، التي عمد ترامب إلى «تضييق الخناق عليها»، لم تعكس فقط نجاح قيادة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بل أيضاً تصوّر بكين حول أنّ واشنطن أصبحت «قوة عظمى متراجعة».

 ويذكّر التقرير بأنّ «احتضان» جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حالياً، كان يجب أن يحول دون وقوع الحرب في لبنان. 

على أنّ ما حصل، في الواقع، هو أنّ إسرائيل، التي تعتمد على الولايات المتحدة في التزود بالأسلحة، تستخدم تلك الأسلحة لشن هجمات تحذّر منها الولايات المتحدة، قبل أن «ترضخ» واشنطن مراراً وتكراراً لخطط إسرائيل.
 
كذلك، أدى التناقض الصارخ بين «الألم الذي عبّرت عنه الإدارة بشأن الوفيات الأوكرانية، واللامبالاة الواضحة تجاه حياة المدنيين الفلسطينيين في غزة»، إلى زيادة حدة السخرية من واشنطن ومشاعر الغضب تجاهها، على نطاق واسع، في أعقاب انفضاح ازدواجية المعايير الأميركية بشكل أكبر، ما أدى إلى استقالة العشرات من مسؤولي الإدارة، وتحذير ديبلوماسيين أميركيين من أن موقف الولايات المتحدة «يفقدنا الجماهير العربية لجيل كامل».

 وإذ يقرّ أصحاب هذا الرأي بأنّ «الديناميكية» الأميركية المشار إليها ليست جديدة، فهم يلفتون إلى أنّها أصبحت «أكثر إيلاماً وذات عواقب مخيفة» في المرحلة الراهنة، مشيرين إلى أنّه كان على بايدن، الذي «تسرّع جداً» في الانسحاب من أفغانستان، أن يحشد قواته في الشرق الأوسط. 

ويحذّر التقرير من أنّ فوز ترامب في الانتخابات القادمة سيزيد الوضع سوءاً، ويسرّع من «تقلص مكانة واشنطن» في العالم.

وفي تقرير عنونته بـ«أربع سنوات من الفشل الأميركي في الشرق الأوسط»، تصف مجلة «نيوزيوك» الأميركية «النظريات» التي تبنّتها إدارة بايدن، في ما يتعلق بالشرق الأوسط، بـ«الإخفاق المذهل»، بعدما فشلت سياسات بايدن - هاريس في الحفاظ على السلام، وتأمين المصالح الاقتصادية الأميركية، أو حتى الحفاظ على نفوذها مع الحلفاء.

ويشير التقرير إلى «خطأ» الانسحاب من أفغانستان، مضيفاً أنّه «لم يكن هناك داعٍ للانسحاب على عجل»، لافتاً أيضاً إلى أنّه خلال السنوات الأربع الماضية، عزّزت سياسة واشنطن قوة طهران وشجاعتها، في وقت تشكل فيه الأخيرة «أكبر تهديد للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط».

 ويختم التقرير بالقول إنّه من خلال «إذلال نفسها في أفغانستان، وتمكين إيران، والفشل في حماية قناة السويس، وإبعاد الحلفاء القدامى مثل السعودية عنها»، زعزعت الولايات المتحدة «هيكل الردع الاستراتيجي في الشرق الأوسط»، قبل أن «تضاعف» تلك الأخطاء من خلال فشلها في الرد بفعالية على هجمات «حماس» على إسرائيل في السابع من تشرين الأول 2023.

ريم هاني