طوفان الأقصى والمأزق الأمريكي الاسرائيلي

 لم يعد خافيا على أحد الدور الأمريكي في الدعم والمشاركة في جرائم الإبادة التي تقوم بها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر في العام الماضي وحتى الان ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والآن في لبنان فعمدت إدارة بايدن إلى تزويد إسرائيل بمختلف أنواع الأسلحة  ومنها أنظمة دفاع جوية أمريكية التي أعلن البنتاغون على نشرها بطواقهما في إسرائيل ,

وهذه المنظومة المعروفة بمنظومة "ثاد" (THAAD) المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة ومتوسطة المدى، في الأراضي المحتلة، وذلك تحسّباً لضربات إيرانية مستقبلية بعد أن فشلت المنظومات الإسرائيلية في اعتراض معظم الصواريخ الإيرانية التي استهدفت قواعد عسكرية وأهدافاً حيوية ..

لقد بات واضحا دعم إدارة بايدن السخي وغير المشروط لإسرائيل سياسيا وعسكريا يتجاوز أي رقابة أو تقييد , أما المسؤولية القانونية والأخلاقية فإن الدعم والتسليح الأمريكي لإسرائيل في زمن الحرب يعد انتهاكًا لاتفاقية منع الإبادة الجماعية التي وُقعت عام 1948؛ رغم أن من مسؤوليات الولايات المتحدة الأميركية منع الإبادة الجماعية بموجب القوانين والأعراف الدولية ,

إلا أن الواقع هو أن  إدارة بايدن ساهمت فعليا في الإبادة الجماعية؛ فقد عطلت أي محاولة لإيقاف الحرب في مجلس الأمن من جهة، وزودت إسرائيل بأطنان من الأسلحة خلال الحرب من جهة أخرى، ودافعت عن أداء جيش الإحتلال وبررت له باستمرار خلال الحرب , وهذا ما يؤكد الدور الأمريكي في جميع الجرائم التي ترتكب في المنطقة حتى تلك التي استهدفت القيادات في حزب الله واستشهاد السيد حسن نصر الله وجميعها لم تكن إلا بمشاركة امريكية ,

ولتأكيد هذا الدورهو وصول  15 ضابطاً أميركياً من وكالة الاستخبارات المركزية قبل أيام إلى مطار بيروت في سيارات مصفحة، دون لوحات تعريفية ، للمساعدة في إدارة فرع وكالة الاستخبارات المركزية في لبنان الذي يضم 12 ضابطاً يتمركزون في منطقة السفارة الأميركية .

إذا دققنا في كل ما يجري في المنطقة خلال هذه الفترة هو ما تقوم به إدارة بايدن حاليا نتيجة ضعف هذه الإدارة خلال فترة الصمت السياسي لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في الخامس من تشرين الثاني المقبل ، وهذا ما يستغله جيدا نتنياهو في استمرار جرائم الإبادة ومحاولته توسيع هذه الحرب ضد إيران وتوريط الإدراة الأمريكية في هذه الحرب , ويستند نتنياهو في سياسته في هذه الفترة إلى دعم الدولة العميقة في الولايات المتحدة من المتطرفين الليبراليين من أجل دعم رؤيته في الحرب ضد إيران ,

وهذا ما يؤكد أن الكيان في ورطة ونتنياهو يريد ذلك من أجل مصلحته ورهاناته تتمحور لصالح انجرار أميركا إلى الحرب، خاصة في الفترة المتبقية قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بينما النفوذ الأمريكي يتهاوى في الشرق الأوسط .... فهل تندلع هذه الحرب ؟

إن هذه الحرب التي يسعى لها نتنياهو بدعم أمريكي خاصة بعد أن ضاعفت الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران على إسرائيل مؤخرا ردا على غطرستها وجرائمها، وأصاب نحو 80 بالمئة منها أهدافا عسكرية مختلفة من قواعد ومطارات ومراكز، ليزيد ذلك تخبط نتنياهو الذي يحاول فرض واقع جديد ينطلق من أن إسرائيل هي القوة الضاربة في منطقة الشرق الأوسط بحماية أميركية، لها كلمتها ولا يستطيع أي كان مواجهتها أو إستهدافها وبالتالي فإن نتنياهو يقع اليوم بين نارين، فإذا كان رد إسرائيل على إيران محدودا فإن هذه القوة التي يطمح لإعادة بنائها ستسقط وسيدفع الثمن في الداخل الاسرائيلي، وفي حال كان الرد بسقف مرتفع فإنه قد يجرّ المنطقة الى حرب إقليمية شاملة لا تريدها أميركا.

لا شك في أن نتنياهو يطمح الى أن يكون رده فوق سقف الرد الايراني بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد الأول تثبيت قوة إسرائيل في المنطقة، والثاني إستدراج أميركا الى حرب مع إيران في حال كان رد الأخيرة على الرد الاسرائيلي مدمرا كما سبق وهددت.

من الواضح بأن إدارة الأمريكية رغم الدعم اللامحدود لإسرائيل هي في مأزق كبير حتى إسرائيل هي في مأزق أكبر وهو ما أكده الكاتب "الإسرائيلي" ياعوز سيبر وقوله إن الحكومة الإسرائيلية عاجزة عن عن حماية مواطنيها، وفشلها في وضع أي خطة لإنهاء الحرب والعودة إلى الاستقرار .. وقال إن الشمال يحترق ويفرغ من السكان، وكذلك مناطق غلاف غزة، ومئات الآلاف من المستوطنين أصبحوا بلا مأوى أو مستقبل واضح، والكفاءات تهاجر بحثا عن الأمان، ولا يوجد أي خطة واقعية للخروج من الحرب الحالية , أما الكاتب الإسرائيلي روجل ألفر فقد أكد ان إسرائيل قد تكون على شفا انهيار شامل، وحالتها تشبه جذع شجرة يبدو متماسكا من الخارج، لكن حلقاته الداخلية تآكلت حتى أصبح العفن يهدده بالانهيار , 

الكاتب روجل ألفر الذي تحدث عن المأزق الإسرائيلي فإنه يجر في أذياله أيضا مأزقا أمريكيا , وهو ما تحدث عنه المحلل الجيوسياسي الأميركي ( الصهيوني) جورج فريدمان وقال : في حال نشبت الحرب بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة فإن واشنطن ليس لديها سوى القليل لتربحه من هذه الحرب بل على العكس لديها الكثير لتخسره من حرب لا تريدها أما روسيا فإنها تتمنى هذه الحرب لأنها ستوقع أميركا في فخ،  

وتعزز النفوذ الروسي.  كما انها ستفتح الأبواب أمام مشاريع مشتركة بين إيران وروسيا في القوقاز عبر اذربيحان.

وقال فريدمان إن روسيا وإيران لديهما عدو مشترك  هو أميركا،  وهما معا تشكلان قوة كبيرة يعتد بها ، هذا في حين ان روسيا ستتمكن عبر هذه العلاقة من تعزيز جناحها الجنوبي، ثم التموضع للقيام بعمليات أخرى مستقبلا.

إن الدعم الذي قدمته واشنطن لإسرائيل سياسيا وعسكريا لم تستطع تغيير الصورة الإجرامية للكيان الإسرائيلي في جميع أنحاء العالم  , بينما بات نتنياهو عاجزا عن تحقيق أهداف الحرب التي رفعها بعد طوفان الأقصى وعجزه عن تفكيك حزب الله بينما تتكبد قوات الإحتلال يوميا خسائر كبيرة  بمقتل عشرات الضباط والجنود واستطاعت المقاومة اللبنانية توسيع استهداف العمق الإسرائيلي بصواريخ ومسيرات أقلقت الإسرائيليين، إضافة إلى الرد الإيراني الأخير، ليزيد ذلك مأزق إسرائيل ويجر في اذياله أيضا مأزقاً اميركياً كبيرا ...

أ . نضال بركات -  إعلامي وكاتب سوري