حرب أميركية بأيدٍ إسرائيلية: الحسم ليس لانتخابات واشنطن

 عشرة أيام تفصل عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأميركية، والتي ينتظر كثيرون في المنطقة أن تُحدث تأثيراً إيجابياً على الحرب في لبنان وقطاع غزة، رغم احتمالات توسّع هذه الأخيرة لتشمل إيران، وما قد يعنيه ذلك من تورّط أميركي أكبر، في ظل الجنون الإسرائيلي، الذي قيل إن من بين أسباب بلوغه هذا المستوى هو انعدام التأثير الأميركي على إسرائيل بسبب الانتخابات. 

مثل تلك التوقّعات تحتاج إلى الكثير من التدقيق؛ فحتى لو كان ثمة اعتراض أميركي مكبوت حالياً على الجنون الإسرائيلي، فإن الإدارة التي ستأتي بنتيجة الانتخابات، ستتعامل مع الواقع كما هو، ولن تعود إلى الوراء.

لكن لحسن الحظ، فإن الجبهات المشتعلة لم تفرز تقدّماً إسرائيلياً حاسماً، لا في غزة ولا في لبنان، رغم المكاسب التي حقّقتها إسرائيل على الجبهتين حتى الآن. فالقتال الدائر في جنوب لبنان والقطاع، يحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى نتيجة، في أي اتجاه كان. 

وبالتالي، فإن الإدارة الأميركية المقبلة ستتعامل مع جبهات غير محسومة، ومن المؤكد أن الوقت فيها ليس في مصلحة إسرائيل، وإن حاولت الأخيرة أن تظهر بصورة من يستطيع أن يملي الشروط اليوم. 

كما أن التجارب الطويلة للإسرائيليين والأميركيين أنفسهم تؤكد هذا الواقع، وهو ما يجعلهم معاً يحاولون تحقيق ترجمة سياسية سريعة لعمليات القتل والتدمير الجارية حالياً.

كذلك، ثمة أمر يدركه الإسرائيليون، وهو أن المقاومة لا يمكن هزيمتها إلا من الداخل، أي بالفصل بينها وبين مجتمعها، وأن هذا صعب الآن ويصبح أكثر صعوبة مع الوقت، لأن الناس كلما خسرت في الأرواح والممتلكات، كلما تقلّص الهامش أمام العدو لإلحاق خسائر إضافية بها. 

والأهم أنه عندما لا يتوافر بديل من المقاومة، لا يعود ممكناً الرهان على الإيقاع بينها وبين مجتمعها. وهذه الحال تنطبق تماماً في لبنان، لأن صعود المقاومة وانتصارها كانا عنوان صعود تلك البيئة نفسها، والتي تربط الآن مصيرها بمصير المقاومة. 

ثم إن الحال اليوم، رغم الآلام، أفضل بما لا يقاس مما كانت عليه عامَي 1982 و1983، حين احتل الإسرائيليون بيروت ثم جاء المارينز الأميركيون ورحلوا.
 
وإذا كان صحيحاً أن التأثير الأميركي على إسرائيل يَضعف أثناء الحملة الانتخابية، فإن هذا لا يعني أن الأمور ستختلف كثيراً ما بعد الانتخابات، إلا باختلاف المقاربة التفصيلية لكل من مرشحَي الرئاسة إزاء العلاقة مع إسرائيل، والتي تكاد تكون الثابت الأكبر في تلك السياسة، من حيث ارتباط المصلحة الأميركية بها، بما يجعل الحرب أميركية – إسرائيلية، تُخاض بأيد إسرائيلية وبدعم أميركي مطلق، ولا ينهيها إلا توافر ظروف تقنع أميركا وإسرائيل معاً بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وذلك له طريق واحد هو إنهاك العدو. 

ففي الرهان هنا، ليس موقع إسرائيل فقط، وإنما أيضاً هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط. ولكن لأن الدماء التي تسقط في المعركة هي إسرائيلية، وليست أميركية، فقد يتعيّن منذ الآن وضع الانتخابات الإسرائيلية، لا الأميركية، نصب الأعين.

 وهذه مقررة قانونياً في صيف عام 2026، إذا لم يفرض تسارع التطورات في لبنان أو غزة، تبكير موعدها.

أقصى تأثير ممكن للانتخابات الأميركية يتوقّف على العامل الحزبي؛ فإذا فاز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، مثلاً، قد يقنع زعماء دول عربية ممن يفضّلون فوزه ويعملون له،  بالذهاب إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل في ظل استمرار الحرب، لتعزيز موقعها، مقابل صيغة تحالف عسكري يجمع أميركا وإسرائيل وتلك الدول، وهو ما أخفق الديموقراطيون في إقناع الرياض به، نتيجة انعدام ثقة الأخيرة بهم.

أما العامل الآخر الذي قد يختلف بنتيجة الانتخابات الأميركية، فيتعلّق بالتوجه الإسرائيلي في التعامل مع إيران؛ 

وإذا كان معروفاً أن ترامب سيعتمد خطاً أكثر تشدّداً حيال الأخيرة، من المرشحة الديموقراطية، كمالا هاريس، كما فعل خلال ولايته الأولى، فإنه يجب الأخذ في الحسبان أيضاً أن المرشح الجمهوري جعل من أولويات سياسته الخارجية عدم إرسال جنود أميركيين إلى الخارج، في حين أن حرباً مفتوحة مع إيران لا يمكن أن تُخاض إلا بإرسال جنود.

 لذلك، يُتوقّع أن يتمثّل تشدّد ترامب في تشديد الحصار الاقتصادي على طهران، وليس بالهجوم العسكري عليها.

حسين إبراهيم