من يحتاج إلى هذه الحرب؟

 منذ أكثر من عام، يستمر القتال على طول الخط الأزرق. هذا القتال الذي كان في البداية مواجهة محدودة مع تبادل ضربات متوسطة الشدة، تحوّل في الواقع، إلى حرب شاملة.
وعلينا أن نعترف بأن لبنان يعيش تجربة أخرى وكابوساً دموياً طال أمده. تنفجر أجهزة الاتصالات، ما يؤدي إلى إصابة آلاف الأشخاص، ومدن بأكملها في جنوب وشرق البلاد تتحول إلى مدن أشباح تحت القصف اليومي، ويتم استهداف بيروت بشكل روتيني، ما اضطر أكثر من مليون شخص إلى الفرار من منازلهم، هرباً من ويلات الحرب. 
حتى إن العديد منهم اتخذوا القرار الصعب بالانتقال إلى سوريا المجاورة التي يعتبرونها أكثر أماناً.
كذلك تتعرض للهجوم المباني السكنية والمؤسسات المالية والبنية التحتية المدنية والمراكز الطبية والقوافل الإنسانية وقواعد حفظ السلام (والخوذ الزرقاء نفسها) التابعة لليونيفل. وكل يوم، يُظهر العدّاد الخبيث للقتلى والجرحى المزيد من الأرقام المأساوية بجشع مجنون.
الغارات البرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي تؤدي إلى اشتباكات عنيفة مع مقاتلي حزب الله. ويتكبّد الجانبان خسائر كبيرة، حتى لو لم يكشفا عن بيانات دقيقة. ومع ذلك، من الواضح أن القوى في هذا الصراع لا تكاد تكون متساوية. إسرائيل، بطبيعة الحال، وبدعم من الولايات المتحدة، تبدي استعدادها للسعي إلى تدمير «المقاومة» اللبنانية مهما كان الثمن.
 بالنسبة إلي شخصياً، الأمر واضح: يحاولون تنفيذ سيناريو محلي في لبنان متكيّف مع الواقع، ومستند إلى نمط المأساة التي تجري في قطاع غزة.
أعتقد بأن خلفية هذه الأحداث لا حاجة إلى شرحها لأحد في لبنان. الجميع يعرف ويفهم حتى الفروقات الدقيقة المتناقضة في هذه المواجهة المطوّلة. 
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً هو كيفية إنهاء هذا الصراع وكيفية إعادة لبنان إلى حالته الطبيعية من الرخاء السلمي.
روسيا لا تشارك في «الهندسة الجيوسياسية» ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة، ولا تقرر لها كيف تعيش. 
ولذلك، فإن موقفنا بشأن لبنان، إلى حد ما، بنّاء وأكثر حيادية من موقف العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية.
بكل تأكيد، نحن ندين الهجمات الإسرائيلية العدوانية المميتة والعشوائية على لبنان. 
ونُصرّ على الوقف الفوري لانتهاكات السيادة اللبنانية. إن تصرفات الإسرائيليين تبدو ساخرة للغاية: فالخسائر في صفوف المدنيين تُعتبر بمثابة نوع من «الأضرار الجانبية».
 وفي الواقع، هذا مجرد مظهر من مظاهر لامبالاتهم المطلقة بالعواقب الإنسانية الناتجة عن مغامراتهم العسكرية.
إننا نتفهّم منطق «الرد» لدى حزب الله في إطار رد فعل على فرض عقوبات جماعية على سكان قطاع غزة.
نتيجة لذلك، فإننا نقع في حلقة مفرغة من العنف والقسوة، اللذين يعاني منهما الأبرياء في المقام الأول. 
والمفارقة المأساوية هي أن طرفَي الصراع ليسا مهتميْن بشكل أساسي بـ «الحرب المفتوحة»، يرغبان في تجنبها وإنهاء المواجهة بسرعة، ولكن بالطبع بشروطهما الخاصة. 
هذه الشروط غير مقبولة من الطرفين في هذه المرحلة.
أنا مقتنع بأن الرغبة في تحقيق الهدف بالصواريخ والدبابات محكوم عليها بالفشل. نوايا «التدمير الكامل» للخصم، واستخدام الأسلحة غير التقليدية، والتكتيكات العلنية لترهيب المدنيين، والقضاء على الشخصيات السياسية، كل هذا وصفةٌ للتطرف، والحفاظ على الصراع، وغياب الحلول الدائمة وهدنة مستقرة.
 
هناك فارق بسيط آخر مهم للغاية. بينما تمر البلاد بوقت عصيب، تحاول بعض الأحزاب اللبنانية، بتحريض من لاعبين خارجيين، اغتنام الفرصة لمحاولة «إعادة تشكيل» الجمهورية حسب تقديرها الخاص، للإخلال بتوازن القوى الطائفي الهشّ الذي تقوم السلطة عليه.
إذا ما كان هناك مطلب حقيقي للتغيير وإعادة التفكير في المشهد السياسي، فاتخاذ القرار ليس متروكاً لي أو لأي قوى خارجية. 
في الوقت نفسه، ليس مستبعداً أن لبنان سيتغير بطريقة أو بأخرى من أجل البقاء على قيد الحياة في هذه الفترة المصيرية من تاريخه. 
السؤال هو: هل سيكون ذلك تحوّلاً عضوياً وطبيعياً - بروح اتفاق الطائف الذي اتّفق عليه الجميع - أو تحوّلاً قسرياً ومصطنعاً، بناءً على «نصائح» إنذار من جهات خارجية؟.
توجد كل الأسباب للاعتقاد بأن هذه المحاولات التي تهدف إلى إحداث تغيير جذري، في ظروف المواجهة المسلحة مع إسرائيل، ستؤدي إلى زيادة هائلة في التوترات بين الطوائف. 
ومثل هذا السيناريو محفوف بعواقب وخيمة. سيكون هناك احتمال لزعزعة الاستقرار بشكل خارج عن السيطرة، وفتح جروح قديمة ولكنها غير منسيّة. والشعب اللبناني يعرف ويتذكّر بشكل جيد ما يمكن أن تؤدي إليه هذه التوترات.
من الواضح أن هذه الجوانب المتعددة الأوجه والمعقّدة للمسألة اللبنانية والإقليمية تجري باهتمام وثيق من المجتمع الدولي. عندها يبرز سؤال منطقي: ما هو دور المجتمع الدولي في حل المواجهة اللبنانية - الإسرائيلية؟
 لماذا يبدو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خاملاً؟ الجواب بسيط جداً. هو أن بعض أعضاء مجلس الأمن، في نوبة إصرار أعمى، يسعون بأي ثمن إلى إفلات حلفائهم من العدالة الدولية عندما يرتكبون أعمالاً غير قانونية تجاه دول أخرى. 
إن أي محاولة للقيام بعمل ما لحفظ السلام تُقابَل بالمعارضة والفيتو.
ماذا علينا أن نفعل؟ علينا أن نعود إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1701. حتى اليوم، ليس لهذا الحل بديل. 
أجل، يستطيع المرء أن يشكو لفترة طويلة من أن عدداً من المطالب الرئيسية التي وردت في قرار عام 2006 لم يتم الوفاء بها من قِبَل الجانبين - لا لبنان ولا إسرائيل. لكن لا يمكننا إلا الاعتراف بأن القرار أنجز مهمته الأساسية. 
وفي الوقت الذي تمّ فيه اعتماد هذه الوثيقة، كان من الضروري وقف إراقة الدماء. 
وفي النهاية كان من الممكن الحفاظ على هدوء نسبي لمدة 17 عاماً. لكن من الواضح أن القرار الذي تم اتخاذه على عجل كان منفصلاً عن الواقع. لقد غضّوا الطرف عن عدم الالتزام بالشروط، لأن الوضع على الأرض سمح بحدوث ذلك.
الآن الوضع مختلف تماماً. استقرار الوضع على المدى الطويل في جنوب لبنان يتطلب الالتزام الصارم بروح القرار 1701 ونصه، وتنفيذه من قبل الجانبين، ليس بالأقوال، بل بالأفعال.
ومن الواضح أنه نظراً إلى كثرة التفاصيل الدقيقة والاستخفاف بالواقع اللبناني، فإن القيام بذلك ليس بالأمر السهل. لكن نظراً إلى الافتقار الحالي لخيارات أخرى قابلة للتطبيق وعالمية حقاً بالمعنى القانوني الدولي، فإن ذلك ضروري للغاية.
من هنا يترتب على ذلك أن السبيل الوحيد للخروج من مأزق الحرب الحالية هو وقف إطلاق النار والعودة إلى الدبلوماسية، واتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذ عناصر القرار 1701 ذات الصلة، وتعزيز هذه الإجراءات من خلال الانتخابات المبكرة لرئيس لبنان، وتشكيل حكومة ذات صلاحيات.
 وإذا كانت مهمة تحقيق هدنة لا تتوقف بالكامل على اللبنانيين وحدهم، فمن الواضح أن تنفيذ المقتضيات الدستورية هو من مسؤوليتهم.

* ألكسندر روداكوف ، سفير روسيا الاتحادية في بيروت