سلّة أزمات في انتظار ترامب: لا مؤشرات إلى «عهد سلام»

 مع إسدال الستارة على فصل الانتخابات الرئاسية الأميركية، تشخص الأنظار نحو الانعكاسات المحتملة لنتائج تلك الانتخابات على الملفات الإقليمية، كحربي غزة ولبنان، والمواجهة الإسرائيلية - الإيرانية، وكذلك الدولية وفي مقدمتها الوضع في تايوان وحرب أوكرانيا.

حرب غزة ولبنان: «مدة سماح» أم «انقلاب للأمور»؟

لم يكن مفاجئاً حجم الحفاوة التي لاقاها فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في «رئاسيات أميركا»، لدى رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وأركان حكومته، بخاصة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. 

إذ كان نتنياهو أول من أجرى اتصالاً هاتفياً لتهنئة الرئيس الأميركي المنتخب، وإجراء مباحثات للاتفاق على «التعاون من أجل أمن إسرائيل ومناقشة التهديد الإيراني»، وفقاً لبيان صادر عن الحكومة الإسرائيلية، 

في حين بادر بن غفير إلى بث منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملت طابعاً احتفالياً واستعراضياً لـ«قوة» الحلف بين الجانبين، مرفقة بالعلمين الأميركي والإسرائيلي.

ومن هنا، رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن ردود أفعال حكومة اليمين الإسرائيلية تشكل «دليلاً آخر على الحماسة التي تشعر بها (إزاء ولاية ترامب)، وكأنّها هي من فازت للتو في الانتخابات الأميركية»، 

مضيفة أنّ «الغالبية الساحقة من الإسرائيليين يرون أن ترامب يمثل الخيار الأمثل لصون مصالح إسرائيل مقارنة بنائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس، إذ إنهم يفترضون أنه سيكون أكثر تسامحاً مع إسرائيل من إدارة جو بايدن، التي، ورغم دعمها الواسع للحرب الإسرائيلية على غزة خلال العام الماضي، انتقدت التداعيات الإنسانية الناجمة عنها، بما في ذلك ارتفاع عدد القتلى المدنيين (الفلسطينيين)». 

وتتابع الصحيفة أنّ «نتنياهو ربما يشعر بجرأة أكبر حالياً بسبب احتمالات وجود رئيس أميركي أكثر انصياعاً له، لناحية الإصرار على تحقيق النصر الكامل في حروب إسرائيل (في غزة ولبنان)، بموازاة انخراط الأخيرة في مسلسل من تبادل الضربات مع إيران»، 

معتبرة أن هذه التقديرات «تستند إلى حد كبير إلى إرث الولاية الأولى لترامب، عندما أغدق على حكومة نتنياهو وقتذاك الهدايا السياسية، بما في ذلك نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس».

وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب، شأنه شأن الرئيس المنتهية ولايته، قد دعا إلى «إنهاء الحروب» في غزة ولبنان، إلا أن ترامب «ربما يدعم إنهاءها وفقاً لشروط أكثر ملاءمة لإسرائيل». 

ومن هذه الخلفية، ينطلق القنصل العام الإسرائيلي السابق في نيويورك، آلون بينكاس، في تقديره أنّ «ترامب سوف يبادر، على الأرجح، إلى منح نتنياهو مدة سماح (إضافية) قد تمتد لبضعة أشهر على الأقل، لإراحته من الضغوط الممارسة عليه لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، كاشفاً أنّه «بالنسبة إلى نتنياهو، فإن الرئيس (الأميركي) الذي لا يلقي بالأعباء عليه على صعيد القضية الفلسطينية هو رئيس جيد». 

أما الخبير في شؤون الشرق الأوسط في «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» في لندن، مايكل ستيفنز، فيرى أن نتنياهو «كان بصدد انتظار ما سوف تسفر عنه الانتخابات الأميركية للتحرك»، مشيراً إلى أنه مع هزيمة هاريس، «لِمَ قد يبادر نتنياهو إلى منح أي إنجاز لبايدن، الذي دخلت إدارته طور البطة العرجاء الآن؟»، في إشارة إلى انتظار الجانب الإسرائيلي مدة تسلم ترامب رسمياً لمهاتمه قبل المبادرة إلى أي خطوة ديبلوماسية.
 
في المقابل، يتوقف محللون عند محطات توتر ألمّت بالعلاقة بين نتنياهو وترامب، وكان آخرها اتهام الأخير، مطلع العام الجاري، رئيس الحكومة الإسرائيلية بالتراجع عن مشاركة كيانه في اغتيال قائد «فيلق القدس»، اللواء قاسم سليماني، وقبلها، حين هنأ نتنياهو، بايدن، بفوزه بانتخابات الرئاسة لعام 2020،

 وذلك للقول إنّ «سياسات إدارة ترامب القادمة غير معروفة حتى الآن، بالنظر إلى طبيعة شخصية الرئيس غير القابلة للتنبؤ»، واضعين مسارعة نتنياهو إلى تهنئته في إطار محاولته «إزالة هذا الشعور من الاستياء» قبل استلامه سدة الحكم. 

ويعتبر الباحث في «معهد ميسغاف للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية»، كوبي مايكل، أن تفضيل نتنياهو لترامب على هاريس ينطوي على «شكل من أشكال التفكير الرغائبي، لأن ترامب يمكن أن ينقلب علينا (الإسرائيليون) بسهولة في ثوانٍ». 

والموقف نفسه يتبناه الوزير السابق عن حزب العمل الإسرائيلي، نحمان شاي، إذ ينبه إلى أنّ «هناك وهماً حول ترامب عنوانه أنه شخصية داعمة لإسرائيل»، 

متسائلاً: «هل سيعطي ترامب، الذي يتصرّف وفقاً لمبدأ خذ واعطِ، 15 مليار دولار لإسرائيل؟»، في إشارة إلى حزمة المساعدات العسكرية التي وقعها بايدن في نيسان الماضي. 

ويرجّح شاي أن يكون سبب تفضيل رئيس الحكومة الإسرائيلية لتبوء ترامب سدة الرئاسة «نابعاً من اعتقاده بأنّ الأخير أقل اهتماماً بالشؤون الخارجية، إذ سيكون أقل إزعاجاً له في ما يتعلق بالسماح بإدخال المزيد من الطعام إلى غزة».

ومع ذلك، يشير البعض إلى أن المدة الفاصلة بين الإعلان عن فوز ترامب وتنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني المقبل، سوف تكون «مدة محفوفة بالمخاطر والتحديات بالنسبة إلى تنياهو، لا سيما أنّ بايدن لن يكون مقيداً بعد الآن بالاعتبارات الانتخابية» التي كانت تدفعه إلى مراعاة رئيس الحكومة الإسرائيلية، 

خصوصاً مع اقتراب الموعد النهائي المعطى من قبل البيت الأبيض لتل أبيب من أجل تسهيل زيادة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، تحت طائلة النظر في وقف المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل. 

وبالاستناد إلى ذلك، تعتقد المديرة الأولى لأبحاث السياسات في «منتدى السياسة الإسرائيلية» في نيويورك، شيرا إيفرونن، أنّ «مدة الشهرين المقبلين قد تحدد نوع الإرث الذي يريد بايدن تركه» على صعيد العلاقات بينه وبين نتنياهو، مشيرة إلى أنّ فوز ترامب على هاريس قد يدفع بايدن إلى أن يكون «أكثر ميلاً إلى المخاطرة» في هذا الخصوص، بخاصة على صعيد التحركات المحتملة ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، لكونه لم تعد لديه هواجس انتخابية يقلق بشأنها.

خضر خروبي