قلق أوربي من سياسة ترامب تجاه القارة العجوز
بعد فوز ترامب في انتخابات الرئاسة زاد قلق الأوربيين من احتمال اللجوء في ولايته الثانية إلى الحرب التجارية واحتمالية تراجع تمويل واشنطن لحلف شمال الأطلسي (الناتو)،خاصة وأنه حصل على السلطة المطلقة بعد الفوز إضافة إلى سيطرة الجمهوريين على كلا مجلسي الكونغرس والمحكمة العليا ,
وبالتالي فإن الأوربيين يخشون من تهديدات جديدة للاقتصاد الأوروبي لأن ترامب يعتزم فرض تعرفة جمركية تبلغ 10% على الأقل على جميع الواردات إضافة إلى وضع شروط جديدة لأوروبا للحفاظ على حلف شمال الأطلسي. أو- الأمر الأسوأ بالنسبة للأوروبيين- الدخول في مفاوضات مباشرة مع موسكو , ولهذا فإن قادة الإتحاد الأوربي أطلقوا خلال قمتهم التي عقدت يوم الجمعة الماضي في بودابست، خطة واسعة لإصلاحات اقتصادية، بغية تطوير وتعزيز الاقتصاد الأوروبي من أجل "تفعيل القدرة التنافسية الاقتصادية للتكتل" مع الولايات المتحدة والصين سيما بعد انتخاب ترامب.
وخلال القمة أكد قادة دول الاتحاد الأوروبي الحاجة إلى زيادة النمو والإنتاجية مع اقتراب سياسة الحماية التجارية "أميركا أولًا" خاصة وأن ترامب هدد بجعل الاتحاد الأوروبي "يدفع ثمنا باهظا" لعدم شراء ما يكفي من الواردات الأميركية , ولهذا يطمح ترامب إلى تحويل جزء من مصانع الشركات الأوروبية إلى السوق الأميركية في العديد من القطاعات الحيوية، ضمن خطة للوصول إلى أدنى نسبة بطالة على الإطلاق، وهو الجانب الآخر الذي يخشاه الأوروبيون.
وفي تقرير لها ، أوردت صحيفة الغارديان البريطانية، أن أساس مناقشات الزعماء كان مبنيًا على تقرير لرئيس الوزراء الإيطالي السابق ورئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، الذي حذر من أن التكتل يواجه "انحدارا بطيئا ومؤلما" ما لم يتحرك لإنهاء سنوات من الركود.
ووفق موقع "بوليتيكو" فإنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، كان الأوروبيون يفكرون في خطط تهدف إلى "تحصين" المؤسسات والسياسات الأوروبية ضد ترامب، مع التركيز على الحاجة إلى أن تنفق أوروبا المزيد على الدفاع، وإنتاج الأسلحة، والقدرات العسكرية, كما أن هناك الكثير من الحديث حول اتباع نهج جيوستراتيجي أكثر في السياسة الاقتصادية، ليس فقط فيما يتعلق بالصين، ولكن في حالة تصاعد نزعة أحادية وحماية أميركية متزايدة.
وفي مقابل الحرب التجارية المتوقعة للرئيس ترامب فإن قادة الإتحاد الأوربي يخشون من تراجع تمويل حلف شمال الأطلسي (الناتو) واحتمال الإنسحاب من تمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا ..هذه التخوفات قالها صراحة رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، وأكد بأن اوربا لا تستطيع تمويل هذه الحرب بمفردها وما يزال البعض يريد الاستمرار في إرسال مبالغ هائلة من المال إلى هذه الحرب الخاسرة.
ويبدو أن حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قد يكون هو الضحية المقبلة للرئيس ترامب، إذ أعلن في أكثر من مناسبة ضرورة دعم أكبر من الأعضاء للتحالف، وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة.
وفي فبراير/شباط الماضي، ألمح ترامب إلى أن الولايات المتحدة لن تدافع عن الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي "ناتو" التي لا تفي بالتزاماتها المالية للحلف، والرئيس ترامب يتهم الأوروبيين بالاعتماد على الجيش الأميركي لحمايتهم، وإذا ظل ملتزمًا بتهديده بقطع الغطاء الأمني، فإن الكتلة المكوّنة من 27 دولة، والتي ليس لديها قوة موحدة، قد تجد نفسها في مأزق أمني.
وقال الكولونيل ألكسندر فيندمان لديفيد روثكوبف، الذي يكتب لمجلة "نيو ريبابليك": إن فوز ترامب سيؤدي بلا شك إلى نهاية الدعم الأميركي لأوكرانيا"،
وقال: إنه بدون دعم الولايات المتحدة، من المرجح أن تضطر أوكرانيا إلى التفاوض على التنازل عن أراضيها، مما يمنح بوتين نصرًا ذا أهمية كبيرة, أما الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، دميتري أوفيتسيروف بيلسكي فقد قال إن الاتحاد الأوروبي يحاول إعادة خلق ذاتيته على حساب هزيمة استراتيجية لروسيا، ما يعني أن الأوروبيين أصبحوا الآن أكثر عداءً لروسيا من الأمريكيين.
ويحتاج الاتحاد الأوروبي إما إلى هزيمة روسيا بأي ثمن، أو- عندما يصبح من الواضح أن هذا لن ينجح- مراقبة كيفية حل القضايا الرئيسية المتعلقة بالأمن الأوروبي مرة أخرى من خلال المفاوضات الروسية الأمريكية، كما كان الحال في يالطا وبوتسدام، وفي مالطا أو جنيف، ما لم تقنع روسيا هذه المرة الأمريكيين بأنه لا يزال من الممكن السماح للأوروبيين بالمشاركة في حل مشاكل القارة.
الرئيس ترامب الذي يشكك في حلف شمال الأطلسي وفي ضرورة توحيد الشركاء حول الحلف. فإنه يرى في هذا الحلف عبئًا على واشنطن والتزامات مالية وعسكرية مفرطة لمصلحة الحلفاء , وبما أن توسع حلف شمال الأطلسي وانضمام أوكرانيا إليه أمر غير مقبول استراتيجيًا بالنسبة لموسكو، فإن فرص التفاعل بين ترامب وبوتين ستكون فعالة ما يعد مؤشرا ايجابيا على الأرجح.
إن الأوربيين يشعرون بالقلق ويترقبون إن كان ترامب سينفذ ما وعد به خلال حملته الإنتخابية فيما يتعلق بالحرب التجارية أو التراجع عن تمويل حلف شمال الأطلسي (الناتو) واحتمال الإنسحاب من تمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا.... فهل سيقدم ترامب على ذلك ؟ ...
هذا ما سيتبين خلال السياسة التي سيتبعها ترامب بعد استلامه الرئاسة ودخوله البيت الأبيض في العشرين من شهر كانون الثاني.
أ . نضال بركات - إعلامي وكاتب سوري