القلق من خلافات السلطة في عدن

 تتهرب الأحزاب اليمنية من مسألة حيوية للغاية وهي إصلاح هياكلها وتجديد قياداتها بمبرر "الظروف"، لكن نفس هذه "الظروف" لا تمنعها من ابتكار مظلات تخمن أنها تقيها انتقادات وإحباطات الناس من أدائها الهزيل الذي ازداد ابتعاداً من الواقع بعد هروبها من الجغرافية الداخلية مفضلة العمل من خارج الحدود بحجة "الظروف" مرة أخرى.

المشهد الحالي يقدم لوحة مشوهة عن الهروب من مواجهة الأمر، وتجاهل أن ما تفتقده القيادات الحزبية هو غياب الخيال السياسي المجدد، مما يدفعها إلى الهروب من مجابهة الاستحقاقات العاجلة والقادمة بسبب ضعفها البنيوي المتراكم وعجزها عن ابتكار الحلول والمداخل جديدة التي يمكن أن تساعدها في تغيير المشهد الراكد والرتيب الذي صنعته هي نفسها بكسلها وخمولها وهروبها عن التفكير الواقعي العقلاني.

هذا بطبيعة الحال لا يعني بأي حال أن الكيانات السياسية التي تعيش في صنعاء أفضل حالاً أو أنها تمارس نشاطاً حقيقياً حراً ونشطاً. 

الفارق بينها وبين تلك التي تعيش معظم قياداتها خارج البلاد هو أن الذين في صنعاء صاروا نسخة مشوهة أخرى ولا يمكنهم التعبير بحرية عن حقيقة أوضاعهم أو أوضاع البلد، إذ إن سلطة الحوثي لا تسمح بأي ممارسة سياسية جادة أو مجرد شكلية.

الواقع السياسي في اليمن، والحزبي منه على وجه التحديد، يمر بمرحلة تقترب إلى الموت السريري الذي تكون فيه حياة المريض معلقة برحمة الله بعد فشل الأطباء والمنشطات ثم توقف كامل الأجهزة الوظيفية في جسده. 

هكذا هي حال حياة الأحزاب التي كانت تملأ الدنيا ضجيجاً، وتحولت تدريجاً إلى عناوين متهالكة يعيش بعض قادتها في كنف السلطة ومساعدتها. 

في المقابل تحتاجهم السلطة لملء الفراغات في قاعات الاجتماعات التي تستدعي وجودهم المعنوي. في لحظة صدق قال لي أخيراً أحد القادة الحزبيين "نحن ندرك أن أغلب العناوين الحزبية لا قيمة لها على الأرض، ولكننا نحتاج إلى تضخيم العدد لأنه يبهر الناس".

طالما أن الأحزاب والكيانات الحقيقية موجودة في مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء فما كانت هناك حاجة للمزيد من الإرباك بإقحام كيانات جديدة بمسميات لم تعد تثير اهتمام الناس ولا حماستهم. 

إن ما يحتاجه اليمنيون هو ترتيب العلاقة بين مؤسسات السلطة في عدن والعمل على خلق الانسجام بينها لتقوم بالحد الأدنى من المهام الدستورية المناطة بها.
 
لقد خرجت إلى العلن الخلافات داخل مؤسسات الحكم في عدن بصورة تبعث على القلق حول إمكانية قيامها بمسؤوليتها. صحيح أن الأوضاع المالية خانقة، لكن الانهماك في تنازع السلطات والنفوذ داخل مؤسسات متضخمة هشة وركيكة يفاقم من صعوبات العمل الحكومي. 

هنا تظهر مسؤولية مجلس القيادة الرئاسي الذي تم تفويضه بضبط إيقاع العمل الحكومي، ولكنه بحكم تكوينه غير المتجانس غير قادر على القيام بهذه المهمة.

حتى هذه اللحظة لا تبدو الحلول ظاهرة أو ممكنة بسبب غياب جهة دستورية لها من الصلاحيات ما يتيح إعادة الهيكلة. لهذا يكون المسار الأنسب هو المصارحة الكاملة داخل مجلس القيادة الرئاسي أولاً، وعليه أن يضع كل المعوقات على الطاولة. 

الأهم أن ينغمس الأعضاء في البحث عن السبل التي يجب انتهاجها لحل مشكلة التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في المحافظات التي تقع خارج مجال هيمنة الحوثيين. 

كما يجب توقف التدخلات في عمل الـمؤسسات بعيداً من القنوات الحكومية مهما بلغ ضعفها، لأن تعريضها إلى المزيد من التهشيم والتهميش والإقصاء سيسهم بالمزيد من الاهتراء والعجز والإرباك.

حين أقول إن على مجلس القيادة الرئاسي تقع المسؤولية التاريخية في قيادة المرحلة الراهنة، فإني أقول إن المطلوب التوقف فوراً عن الخلط بين القضايا الحزبية والسياسية وتلك التي تهم مجمل الناس. 

هنا يقع الحمل الأكبر على المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمتلك مفاتيح الاستقرار في كل الجنوب وتقع عليه مسؤولية ما يحدث سلباً وإيجاباً.

وحده "المجلس الانتقالي" من يمتلك من مفاتيح الانفراجات ما يكفي لاستعادة السلم الاجتماعي والوطني وفتح قنوات الحوار الجاد والصريح مع شركائه في مجلس القيادة الرئاسي وفي المجتمع. 

من دون ذلك سيكون الثمن مكلفاً على الجميع، ولن يتمكن البلد مجتمعاً أو منقسماً من تحقيق ما يتوق إليه الناس.

ليس تجنياً إلقاء مسؤولية الجزء الأكبر من العلل على "الانتقالي" لأنه بالغ في الإعلان عن أهداف لا يمكنه إنجازها بمفرده، ليس بسبب القصور الذاتي، ولكن لكونها تحتاج إلى توافقات أكبر وتفاهمات أعمق مع الجميع. 

وهو وحده من يستطيع أن يساعد في استقرار اليمن بأكمله والمنطقة.

إن الحديث عن الرغبة في استعادة الدولة وإسقاط السلطة في صنعاء له مدخل واحد فقط وهو تفعيل دور السلطة في عدن وكل الجنوب. من دون ذلك سيبقى الوضع يراوح بقعته من دون قدرة ولا أمل في الانتقال إلى مرحلة أكثر إيجابية. 

أ. مصطفى النعمان، دبلوماسي وسياسي يمني