السلطة المأزومة.. رحلة الحوثي من المظلومية إلى الاستبداد

يضيق الوطن فتتسع السجون، والعكس صحيح أيضاً. 

ما كشف عنه النائب في برلمان صنعاء، أحمد سيف حاشد، عن مصدر خاص عاش تجربة الاعتقال في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع لسلطة الحوثي، يبدو أنه كافٍ جداً للحديث عن سلطة لطالما ادَّعت مظلومية الاعتقالات والتعذيب في السجون والزنازين من قبل نظام بائد كما يحلو لها أن تسميه، 

وإذا بها، عندما وجدت نفسها قد أصبحت هي السلطة وهي الحاكم، تتفنن أكثر وأكثر في ابتكار وتوسعة وتطوير أساليب التعذيب بما يتناسب مع نفسيتها المأزومة.

هي جماعة مأزومة شكلاً ومضموناً، وعليها الاعتراف بذلك. 

فمن يقرأ أدبياتها وشعاراتها عندما كانت لا تزال عبارة عن حركة تنظيمية في صعدة يجد أن كل حديثها كان محصوراً في مظالم السلطة وسجونها ومعتقلاتها وتخليها عن مسؤوليتها في خدمة الشعب، 

وكيف أن الناس يتضورون جوعاً والجرع تنهال على رؤوسهم بلا رحمة، وأنه لا بد من أن يثور الناس على كل ذلك الجور الذي حل بهم، بحيث لا عزاء ولا مبرر لتلك السلطة سوى أن ترحل.

لقد تحدثت كثيراً وبإسهاب عن مسؤولية الحاكم أمام الله وأمام شعبه، وعن كل حاكم ظالم متسلط على رقاب الخلق كيف يقتل الناس ويجوعهم ويقطع أرزاقهم ويملأ سجونه وزنازينه بالمعتقلين، وكيف يمارس ضدهم أساليب تعذيب مرعبة متهماً إياهم بالعمالة والخيانة والتآمر لمجرد أنهم انتقدوه أو طالبوه بشيء من حقوقهم… الخ. 

حتى إذا أصبحت هي ذلك الحاكم المتسلط على رقاب الناس، نبذت كل ذلك وراء ظهرها وراحت تمارس الأسلوب نفسه الذي كانت تدينه وتنتقده، بل إنها راحت تمارسه بطريقة أكثر بشاعة ولؤماً ومرَضاً.

ولقد تحدثت كثيراً عن جماعات دينية تسعى إلى الحكم تحت عباءة الدين، كالإخوان المسلمين والوهابية وغيرهما، وكيف أن تلك تستحل كل من ليس معها وتجعل منهم إما كفَّاراً أو منافقين أو مرتدين أو مجتمعات جاهلية لتستحل دماءهم وأموالهم بدون حق، وإذا بها تمارس نفس الممارسات التي تنتقدها في تلك الجماعات.

تحدثت أيضاً ومن باب السخرية، وربما الحسد باعتبار أن الطينة هي نفسها، كيف أن حزب الإصلاح كان يستغل موقف اليمنيين تجاه القضية الفلسطينية فراح ينشئ الجمعيات والصناديق ويقود حملات تبرعات لا تنتهي تحت مسمى دعم الأقصى وفلسطين، ليؤول كل ذلك إلى حالة ثراء فاحشة يتمتع بها قيادات الحزب الملتحية، أمثال صعتر والزنداني وغيرهما، والذين كانت تطلق عليهم وصف آكلي السحت، وإذا بها هي الأخرى تتحول إلى آكلة سحت، وتحت العناوين نفسها.

الخلاصة أنها لم تترك شيئاً تحدثت عنه بانتقاد عندما كانت ما تزال عبارة عن حركة ناشئة إلا ومارسته بكل حذافيره عندما أصبحت سلطة حاكمة، حتى لقد آن أن يقال لها: ما الذي أبقيتِ من عيوب ومظالم حتى لا تكوني في نظر شعبك سلطة مأزومة بامتياز؟!