قرار الجنائية الدولية صدمة قوية لإسرائيل وبداية النهاية لها من الإفلات من العقاب

 قراءة وتحليل مفصل  لأهمية وخلفيات وتأثيرات وتداعيات هذا القرار وتفسير الاسباب الحقيقية لرفض القرار أمريكيا ....

اخيرا وبعد اكثر من 400 يوم  من الحرب على غزة  اصدرت محكمة الجنايات الدولية قرارا تاريخي غير مسبوق  "مذكرتي الاعتقال" بحق مجرمي الحرب نيتنياهو رئيس حكومة الكيان  الاسرائيلي  ووزير دفاعه  المقال جالنت.

صدر القرار برغم مختلف الضغوط والتهديدات الشديدة التي مارستها الدولة الأعظم في العالم إمريكا  ضد قضاة المحكمة ومدعيها العام  في سبيل منعهم من إصدار مذكرات الإعتقال إلا انهم اصروا على الإنتصار للقانون الدولي والعدالة الإنسانية ومكافحة الإفلات من العقاب .

فشكرا لجنوب إفريقيا رئيسا وحكومة وشعبا .

وشكرا لقضاة محكمة الجنايات الدوليها ومدعيها العام.

* قرار المحكمة بإعتقال نيتنياهو وجالنت  قرار  قضائي وليس سياسي : 

جميع شعوب العالم وحكوماتهم   تنظر لقرار المحكمة الدولية على انه قرار قضائي بحت ذات خلفية قانونية إرتكز على شواهد موثقة وحيثيات وأدلة  قانونية تجعل من نيتنياهو وجالنت مجرمي حرب إرتكبوا جرائم الابادة الجماعية ضد سكان غزة ،

 وأن قرار المحكمة لم يك قرارا سياسيا إرتكز على ضغوط سياسية مورست ضد قضاة المحكمة .

 وهذا ما يجعل للقرار قبول عالمي وقوةأخلاقية من معظم  شعوب العالم وحكوماتها ، وان من سيرفض قرار المحكمة كما هو الحال مع الادارة الامريكية سيجعل منها شريكة في  هذه الجرائم الإسرائيلية وسيسقطها إخلاقيا وقيميا وقانونيا  في عيونهم .

* قرار المحكمة  الدولية ضد إسرائيل تحول تاريخي : 

هذا القرار يعتبر بداية النهاية لإسرائيل وقادتها ومسؤوليها من الأفلات من العقاب ، ورد إعتبار للقانون الإنساني الدولي ، وأن صدوره اعاد الأمل للمجتمع الدولي بعد ان  إنتابه الخوف واليأس من سقوط القانون الانساني  الدولي نهائيا وإستبدالة بقانون الغاب في العلاقة بين البشر  من خلال ما ترتكبه إسرائيل من إبادة  في غزة ، وهو قرار تاريخي لإنه صدر ضد إسرائيل وقادتها الذين حضوا طوال العشرات من السنين  بحماية كبيرة وغير مسبوقة من قبل( الصhيونية العالمية) عبر الولايات المتحدة الامريكية الدولة الأعظم بكل ثقلها وقوتها وبكل ما تمتلكه من ادوات ضغط ضخمة ومؤثرة  سخرتها طوال تلك المدة من اجل ان يبقى(  الكيان العبري) فوق القانون الدولي مهما ارتكب جيشه من جرائم ومجازر وابادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المحيطة به .

وكون هذا القرار قد صدر هذا يعني ان الولايات المتحدة الامريكية بكل قوتها  وبكل ماتملك قد  فشلت من منع صدوره وإبقاء إسرائيل في دائرة  الافلات من العقاب .

* تأثيرات  قرار المحكمة الدولية بإعتقال نيتنياهو وجالنت  وتداعياته : 

سنتعرض لأهم العوامل والتداعيات : 

اولا :  بمجرد صدور هذا القرار يعتبر  نيتنياهو وجالنت ملاحقين قضائيا ويجب على دول العالم  جلبهم مكبلين  لمحكمة الجنايات الدولية :

فبمجرد وصول ايا منهم في اي وقت  لأي منفذ بري او جوي او بحري الى احد الدول الموقعة على نظام  روما المؤسس  للمحكمة  الدولية والتي لازالت لم تنسحب منها وعددها124 دولة ستقوم الاجهزة القانونية والقضائية والامنية المختصة فيها بالقبض عليهم وتسليمهم للمحكمة الدولية .

وحتى بقية الدول الغير موقعة على نظامها قد تتطوع وتقوم بتنفيذ قرار المحكمة وتقبض عليهم إن هم دخلوا اراضيها .

ثانيا : من الضروري ان هذا القرار سينسحب على معظم القادة العسكريين لجيش الاحتلال الاسرائيلي الذين شاركوا في الحرب على غزة وعلى رأسهم رئيس هيئة الاركان و قادة القوات الجوية والبرية والبحرية وقادة الفرق  العسكرية والالوية والطيارين وغيرهم ، لإن  هذه الدول الاعضاء في المحكمة سوف  تمنعهم من  دخول اراضيها وحتى لو لم يشملهم مذكرات الإعتقال الصادرة من محكمة الجنايات الدولية ، فهم فعليا من نفذوا جرائم الابادة الانسانية  وبالتالي من الناحية الإخلاقية سيكون من العار الكبير على هذه الدول القيام بإستقبالهم في اراضيها وستواجهها معارضة شعبية ومن منظمات المجتمع المدني والانساني داخل هذه الدول على ذلك.

بالإضافة الى انهم مرشحين بقوة لإن تصدر فيهم  مذكرات إعتقال بحقهم من  قبل المحكمة الدولية لاحقا .

ثالثا : هذا القرار يعد  في غاية  الأهمية بما  يشكله من عامل ضغط إضافي  على الإحتلال الاسرائيلي امام المجتمع الدولي وشعوبه ودوله وليؤكد ان الشعب الفلسطيني شعب تحت الاحتلال الاسرائيلي ومن الضروري  تحرره من الاحتلال وتقرير مصيره وإستعادة كل حقوقه وعلى رأسها قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وخاصة وان محكمة العدل الدولية قبل أشهر قد سبق لها واصدرت قرار وفتوى تؤكد عدم قانونية إحتلال إسرائيل لكافة اراضي الضفة الغربية بمافيها القدس وانها  ملكية هذه الاراضي تعود  للشعب الفلسطيني ، واعطت مهلة 6 اشهر لجيش الاحتلال الاسرائيلي بالخروج والانسحاب منها وتسليمها للشعب الفلسطيني .

وهو ما سيزيد من صعوبة مقدرة قيام إسرائيل بإتخاذ قرار التهجير للشعب الفلسطيني من قطاع غزة والضفة الغربية .

رابعا : قرار المحكمة يسقط "إسرائيل" أخلاقيا ويضرب سمعتها ويزيد من عزلتها ويهشم صورتها  امام كل شعوب العالم ويحولها بنظر شعوب  العالم على انها دولة إجرامية محتلة  ومارقة ترتكب الابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وتسرق اراضيهم  .

خامسا : قرار المحكمة بإصدار مذكرات إعتقال بحق  نيتنياهو ووزير دفاعه جالنت سيعتبره كل طلاب الجامعات الامريكية والاوربية كدليل شرعي قوي  يؤكد مصداقية تحركهم المحق  عندما  إعتصموا في جامعاتهم مطالبين بوقف الحرب والابادة الجماعية في غزة والذي واجهته سلطات دولهم بالقمع وفضت إعتصامهم بالقوة ومارست الكثير من الضغوط والتضييق  والتنكيل عليهم .

يل ان هذا القرار سيكون لهم دافع إضافي على الخروج  والاعتصامات في جامعاتهم مرة اخرى في سبيل ممارسة مزيد من  الضغوط على دولهم على وقف التعاون مع إسرائيل والمطالبة بوقف الحرب على غزة .

سادسا :  قرار المحكمة يحول إسرائيل ومسؤوليها وشعبها من كيان تعرضوا لجرائم الابادة في المانيا واروبا وان لهم مظلومية وانهم يعانون من  معادة السامية  حسب سرديتهم التي رسموها في عقول  شعوب العالم ليحصلوا على تعاطفهم معهم ، يحولهم هذا القرار امام معظم شعوب العالم  الى مجرمي حرب بحق الانسانية إرتكبوا جرائم الابادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني ، وما له من أثر  وتداعيات على علاقاتهم مع شعوب العالم  وحكومتها .

ويكفي ان تعلموا انه وبمجرد صدور قرار المحكمة بإعتقال نيتنياهو وجالنت الغى وزير الخارجية الهولندية زيارته الى "إسرائيل" وهو مؤشر قوي على تحول إسرائيل إلى  دولة مارقة وتتعمق عزلتها يوم بعد يوم .

* لماذا إنسحبت امريكا من عضوية محكمة الجنايات الدولية ؟؟؟ : 

في عهد ادارة الرئيس الامريكي  كلينتون وقعت واشنطن على النظام الاساسي للمحكمة الدولية  واصبحت عضو كامل العضوية في المحكمة .

وقام  الرئيس الامريكي بوش الابن  بعد ذلك بالانسحاب منها لإنه كان يبيت النية في إنتهاج سياسة عنيفة في حروب سيشنها  الجيش الامريكي في افغانستان  والعراق  وسوريا وغيرها  من الدول لا تلتزم بالقانون الإنساني الدولي  ، وبالتالي  إستبق ذلك بإصدار قراره بالإنسحاب من عضوية محكمة الجنايات الدولية ، لكي يزيل كل العقبات امام الجيش الامريكي ليفعل ما يريد  ويرتكب  المجازر والابادة الجماعية  وإنتهاك القانون الانساني الدولي في هذه الدول بدون ان يتعرض المسؤولين الامريكين وقادة الجيش الامريكي إلى اي  ملاحقة قانونية  من قبل المحكمة الدولية بسبب هذه التجاوزات .

وجميع شعوب العالم  بعد ذلك شاهدوا   بأم اعينهم وعبر وسائل الاعلام  كيف قام الجيش الامريكي بارتكاب ابشع الجرائم والمجازر والقتل  ضد المدنيين الابرياء بحق الشعب الافغاني والعراقي والسوري ، وحجم الدمار الكبير الذي احدثه في هذه الدول وغيرها ، وبدون ان تستطيع المحكمة ملاحقاتهم قانونيا .

* الاسباب الحقيقية لرفض الادارة الامريكية لقرار محكمة الجنيات الدولية بإعتقال نيتنياهو وجالنت:

الإدارة الامريكية الحالية برئاسة بايدن او القادمة برئاسة ترامب تعتبر إسرائيل جزء لايتجزء من امنها القومي وتتعهد الى ابعد الحدود بالدفاع عنها وحمايتها بكل ما اتيت من قوة ، وتتماهي الى ابعد الحدود مع ما تريده إسرائيل وترفضه إسرائيل ، وعلى رأسها الرفض المطلق لقيام الدولة الفلسطينية  وحتى لم يصرح به علانية مسؤوليها ، ومن اجل تحقيق هذا الهدف امام اسرائيل وامريكا  خيار واحد  ، وهو ان  عليهم التخلص من الشعب الفلسطيني وتهجيره خارج قطاع غزة والضفة الغربية وجعلها غير قابلة للحياة بالنسبة لهم  ، ولايتأتى ذلك إلا بشن حرب عليهم تتجاوز فيها  القانون الانساني الدولي ويمارس بحقهم كل انواع الابادة الجماعية من اجل تحقيق هذا الهدف  .

اما الخيار الثاني الذي امامهم إذا فشلوا في تحقيق الخيار الاول  هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية على اراضي عام 67 وعاصمتها القدس وهو خيار ترفضه اسرائيل وإمريكا على حدا سوا ، وما تعلنه واشنطن من تصريحات  منمقة وعلى إستحياء بالدعوة  الى حل الدولتين هو فقط من باب التكتيك وإلهاء الراي العام وكسب الوقت من اجل الوصول الى تحقيق ضم الضفة الغربية وقطاع غزة نهائيا الى كيان العدو الاسرائيلي .

وهذا هو السبب الذي يدفع بالادارة الامريكية الى رفض قرار محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل رغم انها تعلم علم اليقين ان ما يقوم به الجيش الاسرائيلي في غزة هو جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي بحق الفلسطينين  لا جدال عليه ، بل انها تتماهى مع النهج الاسرائيلي و كل مايجري  في غزة يتم تحت إرادتها وموافقتها اولا بأول  .

وتعلم  ايضا علم اليقين انها لم  تعد تستطع ان تقنع اقوى حلفائها الاستراتيجيين مثل بريطانيا وفرنسا وبقية الدول الاوربية  على الاستمرار في  الذهاب معها الى الاخير في  دعم ماتقوم به إسرائيل بغزة من اباده جماعيةبعد ان  اصبح كل شعوب  العالم يشاهدون  هذه الابادة اليومية من على شاشات وسائل الاعلام  بوضوح وبدون شك ولا جدال فيه  خلال اكثر من سنة  .

مما جعل و ادخل  الولايات المتحدة الامريكية بعزلة ووحيدة في مواجهة كل المجتمع الدولي،  تجلى ذلك بإتخاذها قرار حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار الذي يدعو الى وقف إطلاق النار في غزة قبل ايام ، حيث صوتت مع مشروع القرار 14 دولة في مجلس الامن الدولي ، بما فيها اقوى حلفائها بريطانيا وفرنسا وغيرها .

وهو مايجعل الحرب التي تشن على قطاع غزة حرب إمريكية بإمتياز وكل ما حدث ويحدث في غزة في هذه الحرب يتم بموافقة ومباركة وإرادة امريكية،  بل وتوفر لإسرائيل  الغطاء السياسي والدعم  العسكري والاقتصادي والاعلامي والاستخبارتي وغيرها لكي يفعل  جيشها ما يريد بالفلسطينيين وارضهم .

وبالتالي الموقف الامريكي الرافض لقرار المحكمة الدولية ضد إسرائيل ليس مفاجئا وستستمر بإتخاذ هذا الموقف لانها تعتبر الحرب حربها وحتى لو ذبح الجيش الاسرائيلي مليون فلسطيني في غزة لن تغير من موقفها  .

* اهم ردود الافعال لدول العالم على قرار المحكمة الدولية بإعتقال نيتنياهو  .

اقوى حلفاء إمريكا وإسرائيل اعلنوا إلتزامهم بتنفيذ قرار محكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل .

فقد اعلنت كلا من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وكندا وإيرلندا وهولندا وبلجيكا وغيرها إلتزامهما بتنفيذ القرار .

وهذا يرجع الى انه لم يعد هناك من مجال إخفاء جرائم إسرائيل في غزة ولم يعد بالامكان القفز على كل ما ترتكبه إسرائيل  من إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني امام مسمع ومرأي من شعوب كل العالم ودولهم ومؤسسات النظام الدولي .

وهو ما سيجعل الادارة الامريكية الحالية واللاحقة تقف وحيدة في مواجهة المجتمع  والقانون الدولي الإنساني  والمحكمة الدولية .

إسرائيليا ووجه القرار  بعاصفة رفض من قبل الرئيس الاسرائيلي ونيتنياهو ووزرائه وزعماء المعارضة على حدا سوا وتم نعت المحكمة بمعادة السامية وانها عدوة العدالة و الانسانية .

بالإضافة الى انهم توعدوا بإعداد توصيات ليقدموها للرئيس الامريكي ترامب ليفرض على قضاة المحكمة الدولية ومدعيها العام العقوبات ، وهو ما يعبر عن تخبط ويأس ويوحي ان الارض قد تزلزلت من تحت أقدامهم .

الخاتمة : 

قرار محكمة الجنايات الدولية بإعتقال نيتنياهو وجالنت  قرار تاريخي في غاية الأهمية وغير مسبوق ويمثل منعطف تاريخي وجوهري في تاريخ ومستقبل  العلاقات الدولية لما له من تداعيات وتأثيرات على كل المستويات،  ويمثل بداية النهاية لإسرائيل  من الإفلات من العقاب وحتى لوإمتنع نيتنياهو وجالنت عن السفر الى  خارج حدود فلسطين المحتلة و لم يتم جلبهم  الى محكمة الجنايات الدولية .
 
* آ . صلاح القرشي - باحث وكاتب يمني