حملات التضليل تمجد ثوار الناتو: الاعلام في خدمة التكفير
في بانوراما تشبه تلك التي تجريها المحطات التلفزيونية مع نهاية العام، كان السوريون على موعد مع جولة مصوّرة في خريطة وجغرافيا بلدهم. إذ أخذتهم وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي في رحلة سريعة عبر عدد هائل من الفيديوهات والصور والأخبار إلى مدن ومعالم سورية، صوِّرت أخيراً لتثبيت خبر سيطرة أو نفي آخر...
وكل ذلك ضمن حملة إعلامية ضخمة وموجّهة، ومصمّمة بدقة بالتعاون بين فضائيات عربية وتقنيات غربية، وحسابات متنوعة على منصّات التواصل الاجتماعي، جاءت كجزء من العملية العسكرية التي أعلنت عنها الفصائل المسلحة الموالية لتركيا و«هيئة تحرير الشام» الإرهابية قبل أيام في شمال غرب سوريا.
في ساعات قليلة من انطلاق هذه الحملة، «سقطت» مدن و«تحرّرت» أخرى بفعل منشور على فايسبوك أو تغريدة على منصة إكس أو خبر عاجل في محطة ما، فيما احتاجت وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة السورية مزيداً من الوقت لإيجاد خطابها المقاوم للحملة الشرسة التي تتعرض لها.
أمر دفع بعضهم إلى التشكيك بعدم بذلها الجهد الكافي لدحض محتوى الحملة المعارضة، ما ساعد بعض القنوات التلفزيونية العربية في إحكام سيطرتها على الرواية والسردية الرئيسية حول ما يحدث في مدن سورية عدة، على الأقل في الساعات التي تلت إعلان «هيئة تحرير الشام» دخول مدينة حلب.
وفي مقاطع فيديو بُثَّت عدد لا نهائي من المرات لمشاهد لمسلحين من أمام قلعة حلب أو أزقتها، فتحت محطات تلفزيونية إخبارية كـ «الحدث» و«العربية» و«سكاي نيوز» بثاً مباشراً، حاولت فيه ترسيخ وجود الفصائل المسلحة داخل المدينة، معيدةً بذلك فتح قاموس مصطلحاتها القديمة في التعامل مع الملف السوري، متناسية التقارب السوري الخليجي الأخير،
ما دفع رئيس تحرير جريدة «الوطن» السورية شبه الرسمية وضّاح عبد ربه إلى كتابة منشور على حسابه على فايسبوك مخاطباً قناة «العربية» بالتالي: «نعرف جيداً مشاعركم وأمنياتكم وأهدافكم، لكن فقط من باب النصيحة المهنية، الرجاء إضافة وصف إرهابية بعد كلمة فصائل، فهؤلاء لسنا نحن من صنّفهم بذلك بل الأمم المتحدة».
ورغم أنّ اضطراب المعلومات خلال أوقات الحروب أمر طبيعي، إلّا أنَّ ترافُقه مع انتشارٍ كبير في المعلومات المضلّلة والخاطئة دفع عدداً من الصحافيين إلى إعادة تداول ومشاركة محتوى مزيّف أو تم تحريفه بشكل غير مقصود، كمقطع مصور نشرته بعض القنوات على أنّه دخول مركبات عسكرية للفصائل المسلحة إلى مدينة حماه.
تبيّن لاحقاً أنّ المركبات تعود إلى الجيش السوري الذي نفى في بيان الأخبار التي تشير إلى دخول المسلحين مدينة حماه، فيما نشرت حسابات مختلفة فيديو من قلب العاصمة دمشق، وفي الخلفية صوت إطلاق رصاص مرفقاً بأخبار حول محاولة انقلاب. وأظهر التدقيق أنّ الصوت تم تركيبه على الفيديو، الذي أسهمت في تكذيبه أيضاً مبادرة عدد من الصحافيين إلى إطلاق بث مباشر عبر حساباتهم من داخل المدينة.
أما التهويل الأكبر، فكان حول تركيز وسائل إعلام على وجود الرئيس السوري بشار الأسد خارج البلاد، أو حتى «وجود خطر» على حياته كما جاء في أحد تقارير «سكاي نيوز» الإماراتية، التي لم تتراجع عنه إلا بعد نشر الرئاسة السورية خبر اتصال الرئيس الأسد بنظيره الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان.
في المقابل، حرصت قناة «الجزيرة» القطرية على تقديم عناصر الفصائل المسلّحة المتطرفة بصورة جديدة أكثر عصرية ركزت فيها على تغييب معالم التطرف عن المهاجمين وتجنّب عرض أي أجنبي ضمن قوات «هيئة تحرير الشام»، بل وصلت إلى حدّ نشر فيديوهات تحاول تقديم المسلّحين كمقاتلين معتدلين ومتسامحين.
إلا أن كل ذلك لم ينفع، فالذاكرة السورية القريبة ما زالت تحمل صور قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث الذي مارسته الفصائل المسلحة في المدن التي دخلتها سابقاً. وهذا ما دفع بعض العائلات المسيحية في مدينة حلب إلى التخلص من زينة الميلاد التي كانت قد أعدّت لها، بالتزامن مع انتشار فيديو قديم لتحطيم شجرة الميلاد من قبل أحد المسلحين.
الهجمة الإعلامية الشرسة التي قدمت فيها وسائل إعلام عربية كبرى ومنصات معارضة سيناريوهات مجنونة وغريبة وتآمرية يسهل انتشارها كالنار في الهشيم في أوقات مماثلة، زادت من صعوبة مهمّة الصحافيين في التصدي لها، وخصوصاً في بلد كسوريا لا يرى الصحافة صناعةً احترافية.
وفي هذا السياق، كتبت المذيعة في قناة «الميادين» راميا إبراهيم عبر حسابها على منصة إكس: «محور المقاومة ينظر إلى الإعلام وأهميته ودوره على أنه درجة ثانية أو ثالثة ويبقى دائماً في موقع الدفاع التقليدي أمام هجمات كبريات وسائل الإعلام الغربية والعربية.
وهذا يجب أن يتغير، فالحرب أكثر من نصفها إعلام»، فيما من المهم وجود آليات واهتمام بفهم الروايات المضادة، والعمل على مكافحتها بدلاً من الرد على الأشخاص والشائعات كأمثلة فردية كفيديو هنا ومنشور هناك، فيقع الصحافيون في فخّ دحض الأكاذيب بدلاً من سد الفجوات في المعلومات.
الحملة الإعلامية التي تعرض لها المواطن السوري في الأيام الثلاثة الماضية، والتي لم تنته بعد، تُشبه في حجمها وضخّها حملات الدعاية السلبية والتحريض ضد المقاومة الإسلامية في لبنان في حربها ضد العدو الإسرائيلي. ورغم تراجع تأثير وسائل الإعلام التقليدية في هذه المعركة بسبب فقدانها مصداقيتها بعد سنوات من نشر معلومات مضللة وكاذبة في ما سمّي بـ «الربيع العربي»، لا تزال الجماهير العربية،
في المقابل، عرضةً لآلاف الأخبار الكاذبة على منصّات التواصل. وكما حولت الثورة التكنولوجية والمعلوماتية المواطن العادي إلى صحافي، حوّلت الصحافي أيضاً إلى مواطن عادي يستقي أخباره من منصات التواصل والمواقع غير الرسمية، إذا لم يتمكّن من امتلاك المهارة والمعرفة اللازمة لمحاربة الأخبار الكاذبة في الأوقات التي تزداد فيها الحاجة إلى صحافة مهنية ومحترفة.
مروة جردي