سوريا تتلمّس خطاها الجديدة: محاولات لضبط الفوضى

 
تعيش سوريا أياماً من الفوضى بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، الذي ترك البلاد وهرب إلى روسيا، وسط محاولات مستمرة على مستويات عدة، أهلية وفصائلية، لضبط الأوضاع. 

وفي هذا الإطار، بدأ العمل على تشكيل حكومة مؤقتة جديدة لفترة انتقالية، تمّ تكليف رئيس «حكومة الإنقاذ» العاملة في إدلب، محمد البشير، برئاستها وتشكيلها، في وقت تتابع فيه إسرائيل اعتداءاتها المستمرة على مختلف المدن السورية، ضمن خطة تستهدف إنهاء القدرات العسكرية السورية بمختلف أنواعها، بعد إعلان العدو احتلال أراض سورية جديدة في المنطقة المنزوعة السلاح في القنيطرة.

وعلى خلاف حالة الهدوء والانضباط النسبي في حلب وحماة وحمص، تعيش دمشق واللاذقية حالة من الفوضى، بعد أن ترك عناصر الشرطة والأمن أسلحتهم وهربوا، الأمر الذي أفسح المجال لانتشار الأسلحة بشكل كبير في الشارع. 

ويترافق ذلك مع حالة شغب تشهد خلالها المؤسسات والدوائر الحكومية أعمال سرقة وتخريب ممنهجة، طاولت مؤسسات حساسة، بينها القصر العدلي ودائرة الهجرة والجوازات، إلى جانب سرقة عدد كبير من محالّ بيع الأدوات الكهربائية وبعض المصانع والمشاغل الصغيرة.

وفي السياق، وثّقت مشاهد عديدة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بعض عمليات التخريب والإحراق، ما دفع وجهاء المجتمع المدني إلى عقد سلسلة من الاجتماعات لوضع حد لهذه الظواهر، في وقت أعلنت فيه «إدارة العمليات العسكرية» بدء نشر عناصرها لضبط الأمن في المدينتين، وفرض حظر للتجول في دمشق واللاذقية وطرطوس من الساعة 5 مساء وحتى الخامسة فجراً، 

والإعلان عن عقوبات صارمة بحق كل من يحمل سلاحاً أو يعتدي على الأملاك العامة والخاصة. 

كما تم وضع أرقام للإبلاغ العاجل عن هذه الحالات، بالتوازي مع بدء حملة كبيرة لضبط الأسلحة عبر تسليمها لـ«الإدارة»، التي أعلنت أنها ستكون جزءاً من القوات السورية بعد اندماج كل الفصائل في هيكلية موحّدة.

ويبدو أن تمهّل «إدارة العمليات العسكرية» التي تقودها «هيئة تحرير الشام» في دخول اللاذقية وطرطوس، جاء بناءً على طلب من الفعاليات الأهلية والمجتمعية، بهدف تهيئة الأجواء وإزالة مظاهر الخوف الذي راكمته سنوات الحرب الـ13 الماضية. 

وفي سياق محاولة الدفع بمزيد من التطمينات، أعلنت «الإدارة» عن عفو عام عن جميع عناصر الجيش السوري الذين كانوا في الخدمة الإلزامية، ودعتهم إلى العودة إلى منازلهم. 

كما تم فتح عدد من مراكز «المصالحة» لتسوية أوضاع المقاتلين في الفصائل التي كانت تعمل إلى جانب قوات الجيش السوري، وبينها «لواء القدس» الذي كان ينشط في حلب، والذي أعلن قائده عبر بيان رسمي تسليم الأسلحة، وحثّ عناصره على ذلك تمهيداً لعودتهم إلى منازلهم بشكل آمن.
 
ولم تُسجل أي احتكاكات أو مخالفات تُذكر بين مقاتلي «الإدارة العسكرية» الذين انتشروا بشكل جزئي في دمشق واللاذقية وطرطوس، باستثناء الإبلاغ عن بعض حالات المضايقة ببعض الأسئلة المتعلقة بالهوية الدينية والانتماء الطائفي، وفق ما أظهرت تسجيلات مصوّرة قام خلالها الذين تعرضوا لهذه المضايقات بالإعلان عنها عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ودفع ذلك «إدارة العمليات العسكرية» إلى إصدار سلسلة من البلاغات لعناصرها بمنع هذه المظاهر، والتهديد بمعاقبة مرتكبيها.

وأعادت وسائل إعلام سورية حالة الانضباط الظاهرة إلى ما وصفتها بـ«ترتيبات دولية» عاجلة تمّ التوصل إليها خلال الاجتماع الأخير الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة، والذي ضم 8 دول (الدول الضامنة لمسار أستانا: روسيا وإيران وتركيا، بالإضافة إلى السعودية ومصر والعراق وقطر والأردن) بعد التأكد من نهاية النظام القائم،

 إذ أعدّت هذه الدول، بحسب ما تم تداوله، خطة من ستة بنود تهدف بشكل أساسي إلى ترتيبات انتقال سلس للسلطة، بعد خروج الأسد، وضمانات للبعثات الدبلوماسية، وأخرى لبدء تطببيق فعلي لقرار مجلس الأمن 2254، والذي يتضمن حكماً انتقالياً يتم خلاله الاتفاق على دستور جديد للبلاد ينهي الحرب. 

وفي الوقت نفسه، تناقلت وسائل إعلام عربية أنباء عن مساعٍ أميركية لإزالة «هيئة تحرير الشام» من قوائم الإرهاب.

ومنذ سقوط نظام الأسد، تحوّلت أنظار الجميع حول السجون والمعتقلات، خصوصاً بعد أن تم إطلاق جميع السجناء في حمص وحماة وحلب، ما دفع إلى إطلاق مناشدات بضرورة إعادة النظر في هذه الخطوة، خصوصاً أن قسماً كبيراً من السجناء قد ارتكبوا فعلاً جرائم «يجب أن يعاقبوا عليها»، إضافة إلى مخاطر إطلاق سراحهم في هذه الفترة، وفق ما تم رصده عبر منشورات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وعلى عكس ردة الفعل على إطلاق سراح السجناء في السجون النظامية، امتلأت مواقع التواصل بدعوات عاجلة إلى إفراغ المعتقلات السياسية، وعلى رأسها سجن صيدنايا السيّئ السمعة. 

وأظهرت الصور والتسجيلات المصوّرة لعمليات إطلاق سراح السجناء من المعتقلات، أوضاعاً مأساوية للمعتقلين الذين عاش بعضهم عقوداً تحت الأرض، بالإضافة إلى وجود أطفال ولدوا في هذا السجن وعاشوا سنوات حياتهم الأولى لا يعرفون إلا جدرانه. 

كذلك، تمّ رصد حالات عديدة لسجناء فقدوا قدراتهم العقلية بسبب التعذيب.

 وعلى خلفية هذه الصور الصادمة، تناقلت وسائل إعلام وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تتحدّث عن وجود سجون سرية أخرى، من بينها واحد تحت سجن صيدنايا، قبل أن يتم نفي هذه الأنباء، بعد إخراج بعض المعتقلين الذين كانوا مسجونين في حفر صغيرة داخل السجن.