أكبر عدوان صهيوني : «سوريا الجديدة» في خطر

 ما لبث أن سقط النظام في سوريا حتّى بدأ كيان الاحتلال الصهيوني أوّل غزو برّي لسوريا منذ عام 1973، وصل عبره إلى قرى في ريف دمشق بالتزامن مع حملة قصف ضخمة بلغت مئات المرّات على الأراضي السورية كافّة في غضون ثلاثة أيّام فقط. 

الحجّة المعلنة كانت منع وقوع قدرات الجيش السوري في يَد «جهات معادية» كما وصفها الكيان. 

لكنّ الهدف الحقيقي هو استغلال الفرصة لتدمير قدرات سوريا العسكرية المتراكمة منذ استقلالها، واحتلال المزيد من أراضيها تحقيقاً للحلم الصهيوني بالوصول إلى دمشق كجزء من «إسرائيل الكبرى».

ورغم إدانة المبعوث الأممي الخاصّ إلى سوريا غير بدرسون العدوان الصهيوني والتأكيد على مخالفته القوانين الدولية، إضافة إلى إدانات من بضع دول، إلّا أنّه كالعادة، لا ينقل الإعلام بمختلف جنسيّاته سوى ما يحقّق له أجنداته.
 
وبما أن لا فرصة للاستغلال السياسي في هذه الحالة كما كانت إبّان العدوان الصهيوني على لبنان، فقد فرض بغالبيّته تعتيماً على ما يحدث، رغم عيش السوريّين تحت الرعب باستمرار واهتزاز منازلهم جرّاء القصف المتواصل وعدم قدرتهم على الحصول على ساعة نوم. 

محلّياً، نقلت القنوات اللبنانية الخبر بشكل عابر، باستثناء «الجديد» التي وضعت الموضوع عنواناً أساسيّاً في نشراتها وبثّت مشاهد لغارات مختلفة، و«المنار» التي أعطت الخبر أهمّية قصوى كما تفعل مع كلّ جرائم الكيان أينما وقعت. 

كما أعطت قناة «الميادين» أهمّية قصوى للحدث، إضافة إلى بعض القنوات العالمية هنا وهناك مثل RT الروسية التي خصّصت نشرات شبه كاملة له بمختلف لغاتها.

 كما نقل «التلفزيون العربي» القطري مجريات الغزو البرّي واستعان بمراسلين له، وكذلك فعلت «سكاي نيوز عربية»، فيما تطرّقت إليه «العربية الحدث» بشكل عابر. 

أمّا القنوات العربية الأخرى، فتجاهلت الأمر بشكل شبه تامّ، تماماً كما فعل الإعلام الغربي مع بعض الاستثناءات. على سبيل المثال، تطرّقت قنوات مثل «العربية و«الشرق» إلى الموضوع بشكل عابر، واستمرّت «الجزيرة» القطرية في تغطية الإبادة الجماعية في غزّة والخروقات في لبنان، فيما لم تنقل من سوريا سوى مشاهد احتفال السوريّين بسقوط نظام الأسد وتسلّم الفصائل  بقيادة «هيئة تحرير الشام» زمام الأمور.

وللمفارقة، نقلت «الجزيرة الإنكليزية» مجريات العدوان على سوريا، في انعكاس لاختلاف الأجندات بحسب الجمهور المستهدف، والذي لطالما اتُّهمت به القناة.

من جهة أخرى، تجاهلت TRT التركية التي دأبت على نقل المجازر في غزّة العدوان الصهيوني كلّياً وركّزت على الاحتفال بسقوط النظام. وفيما دأب الإعلام العبري على إعطاء الذرائع للعدوان، وهو أمر متوقّع بما أنّه بغالبيّته يلتزم بالرقابة العسكرية ويدعم المجهود الحربي للكيان دائماً، فرض الإعلام الغربي تعتيماً شاملاً عليه، مثلما يفعل منذ أكثر من سنة من العدوان على غزّة ولبنان. 

وتركّزت أخبار سوريا لدى القنوات الأميركية والحكومية الأوروبية على النظام السابق و«هيئة تحرير الشام» في استغلال للفرصة لإسباغ الشرعية على البروباغندا التي تعتمدها ضدّ خصوم الغرب مثل روسيا وإيران والصين وحركات المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني. 

وأثارت هذه القنوات الانتقادات بين ناشطين في الغرب بسبب تغيير لهجتها تجاه «هيئة تحرير الشام» بعد سنوات من انتقادها واعتبارها منظّمة إرهابية، إضافة إلى استخدامها بطاقة الحجاب الإلزامي وحجب الكحول وغيرها فقط عندما تكون دولة خصمة للغرب متَّهمة بفرضها.

في كلّ الأحوال، بدأت الصورة تتّضح أكثر حول حقيقة الكيان الصهيوني الذي بدأ عدوانه على سوريا من دون أن «يُعطى الحجّة» كما درج لبعض الإعلام القول لتبرير العدوان على غزّة ثمّ لبنان.

 وبات بإمكان شعوب المنطقة على اختلافها رؤية مَن هو العدوّ الحقيقي لها، وأنّ مَن كانوا يحذّرون ممّا يحصل اليوم، لم يكونوا يهوّلون ولا يهمّهم الدفاع عن نظام معيّن كما اتُّهموا بقدر اهتمامهم بوحدة الأراضي السورية وخوفهم من احتلالها من كيانات معادية مختلفة. 

المهمّ أنّها فرصة يجب استغلالها للوحدة ضدّ هذا العدوّ، كما لملاحظة مدى التماهي الإعلامي الغربي وخصوصاً الأميركي معه، ولا سيّما بعد سقوط حجّة «حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس» واتّضاح أنّها ليست سوى شمّاعة لمزيد من الاحتلال فيما لا يُمنح هذا الحقّ للدول الأخرى في المنطقة.