سورية وتجارب الشعوب

في تاريخنا الحديث تجربتان يمكن أن نستفيد منهما لرسم معالم سورية المستقبل..

الأولى هي جنوب أفريقيا عندما انتصر نضال شعب جنوب أفريقيا ضد السلطات العنصرية وخرج المناضل نيلسون مانديلا من السجن بعد 28 سنة من السجن الانفرادي رفض خلالها مهادنة السلطات العنصرية التي اضطرت في النهاية إلى المجيء اليه وهو في السجن لمفاوضته ثم خرج منتصراً يقود شعبه إلى الحرية.

رغم مرارة السجن والضحايا والمذابح التي ارتكبها العنصريون البيض بحق شعب جنوب أفريقيا لكن مانديلا رفض الانتقام وأعطاهم الأمان وشكل لجنة تحقيق برئاسة الأسقف دزمونت توتو تحت عنوان (الحقيقة والمصالحة) ليس للانتقام وإنما لرد الاعتبار المعنوي إلى الضحايا ثم المسامحة.

بعدها عاشت جنوب أفريقيا حرة وديمقراطية لكل ابنائها وهذا ما أدى إلى تحقيق الاستقرار والنمو والتطور حتى تحولت اليوم إلى واحدة من بين أكبر عشرين دولة في التطور والنمو.

ماحدث في سورية بالتأكيد مختلف عن جنوب أفريقيا بسبب اختلاف الظروف لكن ما يهمنا روح التسامح التي أطلقها مانديلا والاسقف توتو رغم حجم جرائم السلطات العنصرية والتي حمت بلادهم وشقت لها طريق الحرية والديمقراطية والتطور والنمو.

النموذج الثاني من رواندا وهي دولة أفريقية فقيرة وفي مكان غير هام وليس لديها ثروات هامة.

يتكون معظم سكان رواندا من قبيلتي الهوتو والتوتسي حيث ضربتها حرب أهلية طاحنة بين القبيلتين ذهب ضحيتها خلال ثلاثة أشهر أكثر مما سقط في سورية خلال أكثر من ثلاثة عشر عاما.

بقيت الحرب الطاحنة حتى توفر لها زعماء قدموا مصلحة الوطن على مصالح القبيلة وامراء الحرب وتجارها ووافقوا على أن يعيشوا سوية على اسس وطنية مع ضمان الحريات والديمقراطية للجميع.

بعدها نهضت رواندا وحققت نمواً سريعاً وتطوراً مدهشاً حتى تحولت خلال سنوات قليلة إلى واحدة من أكثر دول العالم نمواً وفي جودة التعليم والبحث العلمي وقرات قبل فترة خبرا عن إطلاقها قمرا صناعياً.

هذا يؤكد باننا اذا ما امتلكنا نحن في سورية القادة الوطنيين الذين يقدمون مصلحة الوطن على اي انتماء آخر مع ارادة الخروج من دوامة العنف والحرب وثقافة الاقصاء والالغاء إلى القيم الوطنية وفضاء الحرية والديمقراطية فسوف يدهش الشعب السوري العالم بما تمتلك سورية من موقع استراتيجي هام وثروات وإمكانيات وطاقات كامنة وفي مقدمتها الشعب السوري الخلاق والمبدع.

فهل يحق لنا ان نحلم ونامل بذلك..

بالتأكيد هذا حق مشروع خاصة وأن كل الإمكانات والظروف متوفرة لتحقيق هذا الحلم.

✍️ أ. أحمد رفعت يوسف -  اعلامي وكاتب سوري