ملفات تنتظر إدارة ترامب في الشرق الأوسط
تسود حالة من الترقب في منطقة الشرق الأوسط حيال الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب. الجميع في حالة ترقب، من طهران إلى تل أبيب، ومن بغداد إلى الرياض ودمشق. هناك ملفات كثيرة تحتاج إلى موقف أو رأي أميركي بشأنها، بعضها قديم موروث من ولاية ترامب الأولى، والبعض الآخر مستجد.
وتزيد من أهمية الانتظار، الفروقات الكبيرة بين مواقف ومقاربة كل من الإدارتين، إدارة ترامب التي تسلمت مهامها حديثاً، وإدارة جو بايدن التي رحلت بعد أربعة أعوام، تاركة خلفها الكثير من القضايا المعلقة من دون حسم، أو تدخّل كافٍ للوصول إلى تسويات، أو حلول بشأنها.
نتنياهو أول المنتظرين
هناك من ينتظر بدء عمل إدارة ترامب الجديدة كي يذهب في مشاريعه أبعد، كما هو حال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي راهن بقوة على فوز ترامب رغم أن الرئيس السابق جو بايدن كان على الأرجح أكثر رئيس أميركي دعم إسرائيل.
رغم ذلك، يريد نتنياهو من الولايات المتحدة أكثر مما قدمته، وينتظر من ترامب أن يقف إلى جانبه في خطوات عدة ذات طبيعة استراتيجية، يمكن تلخيصها بتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية بصورة غير مسبوقة، قد تصل إلى الضمّ، وتوسيع مجال "اتفاقات أبراهام" الخاصة بالتطبيع لتحقق الهدف المؤجل وهو إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والسعودية،
والشأن الثالث الذي يترقبه رئيس الوزراء الإسرائيلي، يتعلق بالمشروع النووي الإيراني، وما تبقّى من تهديد تمثله أذرع إيران في المنطقة العربية.
إيران بدورها معنية على نحو مثير للقلق بوصول إدارة ترامب إلى السلطة، وهي لا تخفي مواقفها غير الودية تجاهها، بعد أن صرّح أكثر من مسؤول في الإدارة الأميركية الجديدة بأن الملف النووي الإيراني سيعاد فتحه من جديد.
وما هو مطروح من قبل واشنطن لا يرضي سلطات طهران، ويدفع نحو التصعيد الذي قد يذهب إلى المواجهة المسلحة.
ومن بين المنتظرين الآخرين، الإدارة السورية الجديدة، التي نجحت في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي بإسقاط نظام بشار الأسد المتحالف مع إيران وروسيا، ولكنها لا تزال تعاني من العقوبات الدولية، التي كانت مفروضة عليه ولا تزال مستمرة، وهي تعطل إعادة بناء البنى التحتية المدمرة، وهو ما ينتظره الشعب السوري الذي وصل إلى حد الفقر.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك قضية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على نحو ثلث مساحة سورية، وتضع يدها على القسم الأكبر من الثروة النفطية والغازية والزراعية، والمشكلة الأساسية هي أنها تحظى بتغطية سياسية أميركية، ووجود عسكري أميركي قوامه حوالي ألفي جندي، ينتشرون في عدد من القواعد في الشرق السوري، وذلك في إطار الحرب على تنظيم داعش.
ولا تزال صورة الموقف الأميركي غير واضحة من هذه حل المسألة، خصوصاً سحب القوات الأميركية الذي لوّح به ترامب سابقاً.
وبينما تدعو الإدارة الجديدة في دمشق "قسد" إلى حلّ نفسها والاندماج في الجيش الجديد الذي يجري العمل على تأسيسه، ومشاركة الأكراد في العملية السياسية، من حيث هم أحد مكونات الشعب السوري، تناور قيادة "قسد" لانتزاع مكاسب من نمط الحصول على استثناء بحكم مركزي، وهو غير مقبول من دمشق وحليفتها أنقرة، التي تعمل على تحييد واشنطن في حال تمّ اللجوء إلى السلاح.
إدارة ترامب تبني على الدمار
يبدو أن ملف الاستيطان في الضفة الغربية مطروح من جديد على جدول أعمال إدارة ترامب بولايته الثانية، وهو ملف شهد خطوات كبيرة لصالح إسرائيل خلال ولايته الأولى، فترامب هو الذي اعترف بضمّ كل من القدس والجولان المحتلين، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس واعترف بها عاصمة لإسرائيل، وبدل حلّ الدولتين، طرح الرئيس الجمهوري مشروع "صفقة القرن" الذي يعتمد على إنشاء كيان فلسطيني مسخ.
وعشية إعلان قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة يوم الخامس عشر من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، تم تسريب أنباء صحافية تفيد بأن الرئيس الأميركي ضغط من أجل ذلك، كي تتفرغ إدارته لدعم الاستيطان في الضفة الغربية، وقد صورت بعض أوساط رئيس الحكومة الإسرائيلية قبوله بالموافقة على وقف إطلاق النار في غزة بأنه في إطار صفقة، ينال فيها مكافأة من إدارة ترامب لتصعيد الاستيطان في الضفة.
ولا يبدو هذا الأمر بعيداً عن الواقع، لأن حكومة نتنياهو لا يمكن لها أن تستمر من دون ذلك، بسبب الثقل الذي يمثله المستوطنون داخلها.
الملف الثاني يتعلق بـ"اتفاقات ابراهام"، وتتحدث إدارة ترامب عن تعزيزها وتنشيطها وتوسيع مداها لتشمل السعودية.
واعتبر مرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، السيناتور ماركو روبيو، أنه في حال حصول عملية تطبيع بين الرياض وتل أبيب، فإن ذلك سوف يغيّر ديناميات الشرق الأوسط.
ومن المعروف أن هناك اتفاقاً شبه جاهز في هذا الصدد أنجزته الإدارة السابقة، وتوقف بسبب حرب إسرائيل على غزة، ومن المؤكد أن ترامب سوف يبني عليه، ولن يعتمده في صيغته التي تم التوصل إليها في آخر الجولات التي عقدت بين المسؤولين السعوديين والأميركيين خلال زيارة قام بها مسؤول الملف مستشار الأمن السابق في إدارة بايدن، جيك سوليفان، إلى الظهران في 18 مايو/أيار الماضي، حين التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وعلى الأرجح سوف يصر ترامب على تبني وجهة نظر إسرائيل بإدخال تعديلات تخص مسألة "إيجاد مسار ذي مصداقية نحو حلّ الدولتين بما يلبي تطلّعات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة"، الذي وضعته الرياض شرطاً من بين شروط أخرى لبدء خطوات مع تل أبيب.
البرنامج النووي الإيراني هو أكبر خطر يتهدد إسرائيل وفق الرؤيتين الأميركية والإسرائيلية، ولن يتأخر الوقت حتى تدخل إدارة ترامب في معالجة هذا الأمر بالطرق الدبلوماسية، أو بالحرب، وفي الحالتين لا يبدو أن هناك تنازلات أو مقايضات أميركية إيرانية، كتلك التي قام عليها الاتفاق النووي مع ايران عام 2015، والذي قدّمت بمقتضاه إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما تنازلات عديدة لإيران، ولكن ترامب ألغاها عام 2018 حين تراجع عن الاتفاق، وعلّق العمل بكل ما يترتب عليه من التزامات أميركية.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية من عمر إدارة بايدن، اقتربت إيران بشكل كبير من القدرة على الاختراق النووي، حتى مع سعي الدبلوماسيين الغربيين، دون جدوى، إلى تجديد الاتفاق النووي الإيراني.
وعندما انهارت تلك المحادثات، كما كان متوقعاً، اعترف حتى كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، بصراحة، بأن إيران قد تقوم بتجميع جهاز نووي بدائي في غضون أسابيع. وثمة تقديرات غربية تفيد بأن إيران اليوم دولة عتبة نووية، مع مخزون من اليورانيوم المخصب بدرجة 60% يكفي لصنع عدة قنابل.
وفي إحدى الحالات، قال الإيرانيون إنهم قاموا عن طريق الخطأ بتخصيب كمية صغيرة من المواد إلى 83.7%. وللمقارنة، كانت قنبلة هيروشيما مبنية على تخصيب 80%.
نزعة حربية
على مستوى التهديدات التي تنظر إليها إسرائيل من حلفاء إيران، بعد تحجيم حركة حماس وحزب الله، يبقى أن العمل سوف يجري على إضعاف ما تبقى، كجماعة الحوثيين في اليمن و"الحشد الشعبي" في العراق،
ومن المتوقع أن يتم تكثيف الأعمال العسكرية ضد الحوثيين لإخراج قوتهم العسكرية من المعادلة، ومنعهم من إعادة بناء البرامج العسكرية الإيرانية التي تمّ تدميرها في الآونة الأخيرة ومحاصرتهم عن طريق البحر لمنع تهريب الأسلحة من إيران نحو اليمن.
من بين الملفات المهمة ذات الصلة بين الولايات المتحدة وبلدان الخليج العربي وإيران والعراق، أسعار النفط، التي يهم إدارة ترامب أن تبقى عند حدود لا تذهب فيها إلى ارتفاعات مفاجئة.
ومن المرتقب أن يشدد ترامب العقوبات على النفط الإيراني، ويعمل من أجل وضع آليات تبقي الأسعار تحت الرقابة، وربما تقود إلى تخفيضها عن مستواها الحالي، خصوصاً أنه وعد بتعزيز إنتاج النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، والذي بلغ بالفعل مستويات قياسية في عهد الإدارة السابقة، وذلك من خلال إزالة العقبات التنظيمية والبيروقراطية غير الضرورية.
قد لا تصح كل الحسابات والرهانات على عودة ترامب، وربما لن تؤدي سوى إلى تعزيز النزعة الحربية لدى نتنياهو الذي يبدو منتشياً بالدمار الكبير وعدد ضحايا حرب غزة وتدمير حزب الله، وسيكون ذلك على حساب الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط.
وطالما أن نتنياهو لا يريد السلام مع الفلسطينيين، فإن إضعاف محور إيران وحلفائها، لن يخلق الفرص لشرق أوسط أكثر سلاماً وازدهاراً، ويعود بالنفع على جميع سكان المنطقة، ويعزز المصالح الأميركية.
بشير البكر
كاتب وشاعر سوري